حاول مؤلفا كتاب «السيرة: نبي الإسلام بلسان صحابته»، بهجت النادي وعادل رفعت- اللذين اختارا اسما مستعارا للتوقيع المشترك (محمود حسين)- أن يقدما «صورة واقعية وكثيفة وشاملة» عن سيرة النبي، من خلال الالتزام الصارم بمناهج البحث العلمي الحديث، بعيدا عن معياري «رواية الثقاة» و«القرب الزمني» اللذين-في رأيهما- يتصلان بطبيعة ميولات المؤرخين الفكرية، إذ يجنح البعض إلى «القراءة السياسية»، فيما يفضل بعضهم «الفعل الخارق» (المعجزة) أو «البعد الروحي» للحدث. وهذا ما أكداه بالفعل في مقدمة «هذا الكتاب». فهما يقترحان وضع الحدث في سياقه الشامل، أي عدم إبعاد أي عنصر له طابع تفسيري مهم، أو أي تفصيل غني بالمعاني التي تعضدها «القراءات» (التفاسير) المختلفة والمتاحة. وأما حسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك على غيرهم من الهند المنحرفة والصين المنحفة والترك المشوهة والروم المقشرة. وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت ابائها وأصولها وكثير من أولها حتى ان احدهم ليسأل عمن وراء أبيه، ولا يعرفه وليس أحد من العرب الا يسمي آباءه أبا فأبا. حاطوا بذلك أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فلا يدخل رجل في غير قومه ولاينتسب في غير نسبه ولايدعى إلى غير أبيه. وأما سخاؤها فإن أدناهم رجل تكون عنده البكرة والناب عليها بلاغة في حموله وشبعه وريه ويطرقه الطارق ويعقر ناقته له كرم بذلك. وأما حكمة ألسنتهم، فإن الله أعطاهم في اشعارهم ورونق كلامهم وحسنه ووزنه وقوافيه ومع ضربهم لأمثال وبلاغهم في الصفات ماليس في شيء من ألسنة الأجناس، وخيلهم أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل اللباس ومعادنهم الذهب والفضة، وأن لهم أشهر حرام وبلد محرم وبيت محجوب ينكسون فيه مناسكهم ويلقى الرجل قاتل أبيه وهو قادر على أخذ ثأره وإدراك رغمه فيحجزه كرمه ويمنعه دينه عن تناوله بأذى. وأما وفاؤها، فإن أحدهم ليرفع عودا من الأرض فيكون رهنا لدينه فلا يغلق رهنه ولاتخفر ذمته، وإن احدهم ليبلغه أن أحدا استجار به وعسى ان يكون نائيا عن داره فيصاب فلا يرضى حتى يفني القبيلة التي أصابته أو تفني قبيلته لما اخفر من جواره. وأما قولك أيها الملك يأذون أولادهم، فإنما يفعله من يفعله منهم بالأناث أنفة من العار وغيرة من الأزواج. وأما قولك إن افضل طعامهم لحوم الإبل على ماوصفت منها فما تركوا مادونها إلا احتقارا له، فعمدوا إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها أكثر البهائم شحوما وأطيبها لحوما وأرقها ألبانا وأقلها غائلة وأحلاها مضغة، وإنه لاشيء من اللحمان يعالج ما يعالج به لحمها إلا استبان فضلها عليه. وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد لرجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك ما يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا وتخوفت نهوض عدوها عليها بالزحف، وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيره، فيلقون إليهم أمورهم وينقادون لهم بأرمتهم. وأما العرب، فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا أن يكونوا ملوكا أجمعين مع أنفتهم من أداء الخراج والوطف (اي الضرب الشديد بالرجل على الأرض) بالعسف. وأما اليمن التي وصفها الملك، فإنما أتى جد الملك إليها الذي أتاه عند غلبة الجيش له على ملك متسق وأمر مجتمعة، فأتاه مسلوبا طريدا مستسلخا ولو أوتر به من يليه من العرب لمال إلى مجال ولوجد من يجيد الطعان ويغضب للأحرار من غلبة العبيد الأشرار، فعجب كسرى لما أجابه النعمان به، وقال: - انك لأهل لموضعك من الرياسه في أهل إقليمك ثم كساه من كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة].