عاش الحزب الاشتراكي الفرنسي ثلاثة منعرجات في السنتين الاخيرتين كادت ان تعصف بوجوده ، وهي مخلفات الانتخابات الرئاسية والمؤتمر الوطني بريمس الذي افرز قيادة متنازعا عليها، ونتائج الانتخابات الاوربية التي لم يحصل فيها الحزب سوى على 16.66 بالمائة مقابل الاغلبية الرئاسية التي حصدت 27.7 بالمائة، وعلى مجرد المرتبة الثالثة خلف الخضر. في 13 يوليوز الماضي وجهت مارتين اوبري بوصفها الكاتب الاول للحزب، رسالة الى احد ابرز شخصيات الحزب مانويل فالس عمدة مدينة إيفري، خيرته بين الانضباط التنظيمي او مغادرة الحزب الاشتراكي ، جاءت الرسالة بعد عدة تصريحات ومقالات لفالس انتقد فيها اداء اوبري والنتائج التي تم حصدها في الانتخابات الاوربية ، قالت اوبري « ان حزبنا بحاجة لكل مناضل اشتراكي للمساهمة في اعادة بنائه بعد سنوات صعبة اتسمت بثلاث خيبات ؛ الرئاسيات ومؤتمر ريمس الذي ترك صورة مشوشة للحزب ، و...الانتخابات الاوربية »واضافت « ان الانخراط في حزب يعني الالتزام بقيمه وممارساته المشتركة ، وهو ايضا وخاصة في حزب ديمقراطي كحزبنا ، القبول بالنقاش داخله وحمل افكاره وتصوراته وعندما يتم اتخاذ القرار يجب احترامه والدفاع عنه لدى الرأي العام (...) لا يمكن استعمال الحزب لكسب ذاتي لمسؤوليات او نجاحات شخصية، ننخرط في حزب لخدمته لا ان يخدم هو مصالحنا ، ان المناضلين ، وايضا الفرنسيين يطالبوننا بالعمل والشجاعة وابداع الافكار». وخاطبت اوبري فالس «انه لايمضي يوم ياعزيزي مانويل دون ان تقول لوسائل الاعلام بان حزبنا يعيش ازمة عميقة، وانه في طريق الاندثار ولايستحق اعادة بنائه ...وتستند على قواعدنا الجماعية لتنادي بالعصيان النضالي». بعد يومين من رسالة اوبري ، نشر مانويل فانس رده ، دافع في بدايته عن اشتراكيته الفكرية والتنظيمية وهو الذي انخرط في حزب جوريس وبلوم في سن الثامنة عشر، « ان ما اتمنى نهايته ليس الاطار السياسي الذي مازال يحتفظ بشرف كونه ركيزة اليسار ، بل الالة التي تحطم الامل ، امل مواطنينا في التقدم الاجتماعي(...) والازمة العميقة للحزب انها ايضا ازمة الاشتراكية الديمقراطية في اوروبا ، وهذا ليس ادعاء ، بل حقيقة عبر عنها التصويت العقابي للناخب الفرنسي في الاستحقاقات الكبرى منذ 2002 ». وتحدث مانويل فالس عن التحالفات التي تعد اليوم من المناطق السياسية باليسار الفرنسي الاكثر جدلا وغموضا في آن طالب فالس مارتين اوبري بالوضوح ، الوضوح والشفافية في هذا الملف على اسس مرجعية واضحة لا ان يعالج حالة بحالة.« ان فكرة الحزب الحامل لوحده مشروع التحول المجتمعي والمدعي بانه يملك بيده ولوحده مفاتيح ذلك ، هي فكرة متجاوزة اليوم ، ان عمل الحزب الحداثي من الان فصاعدا هو عمل افقي اكثر منه عموديا ، والانتخابات الاولية داخل الحزب واليسار عموما تندرج ضمن ذلك». لم تمر رسالتا اوبري وفالس دون ان تثيرا ردود فعل ، بل شكلتا المدخل الرئيسي الذي طفت من خلاله على السطح السياسي والاعلامي الفرنسي مواقف كانت تتداول بين جدران صالونات التيارات بالحزب الاشتراكي او فضاءات المتعاطفين معه . ابرز مانشر كان حوارا للفيلسوف برنارد هنري ليفي الذي غذى فيه الجدل ورفع من وتيرة الحرب الكلامية بين اركان الالة التنظيمية للحزب. ركز ليفي على ثلاث نقط ، اولها ان الحزب الاشتراكي قد مات ، وثانيها انه طالب بتغيير اسم الحزب، وثالثها اجراء انتخابات اولية . قال ليفي ان مارتين اوبري ليست اليوم سوى حارسة لمنزل ميت ، وعلى الحزب ان يختفي وينقرض . * سوال ؛ اذن الحزب الاشتراكي يحتضر ؟ ** جواب ؛ لا ، انه مات ، لا احد يتجرأ على قول ذلك ، لكن الكل على قناعة بانه قضى، انه ك«المتسابق» ل«ألفريد جاري » الذي يحرك دواس دراجته الهوائية لكنه جسد ميت. يجب حل الحزب ، يجب التخلص منه. من هذا الجسد المريض الذي يبدو منهكا بشكل مضحك. * سؤال ؛ وكيف يجب حله ؟ ** جواب ؛ التاريخ كما قال ماركس اكثر تخيلا من البشر، اذن كل السيناريوهات ممكنة . الذي قتل الحزب الاشتراكي ليس هو الافراط والمبالغة ، بل الاقتتال الداخلي بين قادته.. وكأن ليفي مس عصبا حساسا لدى المناضلين الاشتراكيين، اذ تلقت «جريدة الاحد» التي نشرت الحوار مئات الرسائل الالكترونية اغلبها ينتقد الفيلسوف الذي عمل مستشارا لسيغولين رويال التي كانت مرشحة الحزب في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2007 كما فتحت المدونات صدرها لنفس المهمة. ملخص ما تم التعبير عنه رفض تغيير اسم الحزب ، انه يحمل مشروعا مجتمعيا ، انه اسم ليس كاحزاب اليمين التي ليس لاغلبه معنى مثل التجمع من اجل الحمهورية او الاتحاد من اجل الديمقراطية الفرنسية وكأن هناك نصف الشعب الفرنسي يخشى الممارسة الديمقراطية. ان الاسم هو تاريخ ومرجعية وقيم ، وكيف مثلا للحزب الاشتراكي العمالي الاسباني ان يستمر في حمل نفس الاسم لمدة قرن من الزمن ولايزال خصبا في انتاجه الفكري وابداعه التنظيمي واحرازه على الرتبة الاولى في المشهد السياسي باسبانيا؟ ومن ابرز الصياغات التي ردت على برنارد هنري ليفي ، ما كتبه بيار موسكوفيتش «ان على الحزب الاشتراكي تغيير مضمونه وليس استبدال اسمه ، ان الاشتراكية هي فكرة حية لها ماضي ومستقبل وتاريخ ، يجب ان نعيد اعطاءها معنى ودلالة ، يجب علينا ان نؤسس مشروعا جديدا ». تميز الجدل في موضوع الحزب الاشتراكي بصياغات لجمل قصيرة اراد من خلالها اصحابها رسم صور تعكس مواقفهم ، وجردت مجلة نوفيل اوبسرفاتور في نسختها الالكترونية هذه الجمل وقدمتها لمتصفحيها على شكل لعبة يتم من خلالها الربط بين كل جملة وقائلها؛ جاك لانغ ---------- الحزب لم يعد سوى شجرة يابسة ، جافة. برنارد هنري ليفي ----- ، الحزب اصبح منزلا ميتا ، وجسدا مريضا. ارنود مونتبورغ(الكاتب الوطني المكلف بتجديد الحزب) ------ الحزب يوجد اليوم في وضع هيكل محنط. وكصيفه الحار على مستوى الجدل والتراشق، من المتوقع ان يشهد الحزب الاشتراكي دخولا سياسيا صاخبا بوابته الرئيسية الجامعة الصيفية التي يعقدها شباب الحزب الجمعة بمدينة لاروشيل ، امنويل موريل الذي يرأس الجامعة الصيفية صرح بان الحزب الاشتراكي قرر فتح ابوابه ونوافذه لنقاش عميق استدعي له سياسيون ومفكرون ومبدعون من مختلف الطيف اليساري وذلك للمساهمة في صياغة المشروع البديل لليمين الفرنسي الذي يتزعمه نيكولا ساركوزي . وعشية انعقاد الجامعة نشرت جريدة ليبراسيون الفرنسية نتائج استطلاع للرأي حول المطالبة بتغيير اسم الحزب، لقد قال 73 بالمائة لا ، لان الوقت لم يحن بعد، ورفض 86 بالمائة من المتعاطفين مع الحزب تغيير اسمه ، فيما بلغت النسبة في اوساط المتعاطفين مع اليسار الى 79 بالمائة . كما افاد الاستطلاع ان اثنين من ثلاثة فرنسيين يؤيد انتخابات اولية مفتوحة لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2012 . اي بنسبة 67 في المائة . وترتفع هذ النسبة الى 71 في المائة لدى اوساط اليسار المعني بدوره بهذه الانتخابات الاولبة. اما بخصوص التحالف مع حركة الديمقراطيين التي يرأسها فرانسوا بايرون فعبر 53 بالمائة عن رفضهم تحالف الحزب الاشتراكي مع هذه التشكيلة السياسية التي تم تأسيسها قبل عامين وتقول انها حزب الوسط بفرنسا. وحبذ 64 بالمائة التحالف مع حزب الخضر. الم يقل جان كريستوفر كامبديليس في رسالته «الى مناضل فاض به الكيل» وهو يجيب عن سؤال المرحلة ؛ هل يجب القضاء على الحزب الاشتراكي ؟ « ياللهول ، تعويضه بماذا؟ « الحزب الاشتراكي ؛ انهض وامض » هكذا عنون الصحفي والكاتب جان دانيال احد افتتاحياته بمجلة نوفيل اوبسرفاتور في خضم المناقشات التي عرفها الصيف الفرنسي ، فهل ستكون جامعة لاروشيل قاعدة الانطلاقة الجديدة لهذا الاطار السياسي الذي كان دوما حزب التعددية ليس فقط منذ اعادة تشكيله في السبعينات بزعامة فرانسوا ميتران ، بل منذ بداية القرن الماضي سنة 1905 عندما تجمعت العائلات الفكرية الاشتراكية.