يقترح هذا المعرض المختزل، قراءة كرونولوجية لخمسين سنة من تاريخ الاتحاد، نستحضر مرحلة التأسيس، والمراحل التي تلتها بدءا بحكومة عبد الله ابراهيم، مرورا بالسنوات الصعبة، ثم المؤتمر الثاني ووصولا إلى المؤتمر الاستثنائي، قبل أن نتوقف عند كل المراحل السياسية الأخرى التي خرجت من رحم هذه التجربة من مؤتمرات ومواقف، وأحداث ومحاكمات. إن الهدف من هذا المعرض ليس كتابة تاريخ الاتحاد الوطني /الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فتلك مهمة المؤرخين والباحثين الذين سينكبون ولا شك على هذه التجربة كأحد المفاتيح الأساسية لقراءة وفهم التاريخ السياسي للمغرب المستقل. إن هدفنا من هذا المعرض هو أولا وقبل كل شيء، احتفاء بهذه الذاكرة الممتدة عبر نصف قرن، احتفاء يعمل على استمرار مقاومتنا للمحو والنسيان، وهما معا شكّلا على امتداد عقود، سياسةً ممنهجة لمحاربة الاتحاد ورموزه، مثلما يعمل على إبراز القضايا التي كانت ولا تزال محركا جوهريا لنضال الشعب المغربي في عهد الاستقلال، قضايا الإصلاح السياسي والدستوري، وبناء مؤسسات ذات مصداقية، وضمان حرية الانتماء والتعبير، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، والفصل بين السلط واستقلال القضاء، والحفاظ على التعدد الثقافي المغربي، والانتصار للقضايا العادلة للشعوب العربية والإفريقية. إن استعادة هذه القضايا من خلال تاريخ الاتحاد تُظهر إلى أي حد تقدم المغرب في معالجة مشاكله وقضاياه الأساسية، وما هي التحديات التي تدعوه اليوم للقيام بعمل جرئ ونوعي بعد مضي نصف قرن على استقلاله السياسي، كما تُظهر بشكل جلي عناصر ذلك المجهود الكبير الذي بذله قادة الاتحاد ومفكروه، لفهم المغرب ومجتمعه، ولإثارة نقاش وطني حول أوضاعه السياسية والاجتماعية والثقافية. فسواء تعلق الأمر بمذكرات الحزب المرفوعة إلى جلالة الملك، أو بوثائقه السياسية والإيديولوجية، أو ببيانات مؤتمراته واجتماعاته، أو بخطابه الإعلامي، شكل الاتحاد على مدى عقود، مصدرا لخطاب سياسي جديد، ولتعبير حديث عن تطلعات التغيير، واستطاع أن ينسق في حركة واحدة عطاءات السياسيين والنقابيين والمثقفين والصحفيين، ليجعل من كل ذلك لغة جديدة وأسلوبا مغايرا في التحليل والجدل والتواصل. إننا ونحن نقوم "بعمل حول الذاكرة" نعرف محدودية ما نتوفر عليه من وثائق مادية، فكم من مرة صودرت وثائق الاتحاد، وأرشيفاته وخربت مقراته، بل ونهبت وثائق مناضليه وقادته، ونحن مدينون على أبعد الحدود في ما نعرضه اليوم إلى مناضلين أوفياء احتفظوا بصور ووثائق ومراسلات في ظروف صعبة، وبطرق لم تكن دائما على قدر كبير من النجاعة على أننا نعبر بهذه المناسبة عن إرادة الحزب في الانطلاق من هذا المجهود المتواضع للقيام بحملة واسعة لجمع أرشيف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاشتغال عليه بمنهجية توثيقية علمية، وفتحه أمام الباحثين وعموم المواطنين. إن هذه الإرادة منبثقة من هاجس تربوي يتوجه نحو الأجيال الجديدة، محترما حقها في المعرفة والذاكرة، ومنبثقة أيضا من قناعة سياسية ساهمت هذه القراءة السريعة في ترسيخها، وهي أن المغرب في حاجة ماسة إلى التوجه نحو المستقبل، مستفيدا من تجارب الماضي ومن التراكم الذي حققته حركاته السياسية الأصيلة. وأخيرا لابد أن نتوجه بقلوبنا وأفكارنا إلى صناع هذه التجربة الغنية، نقصد بذلك قادتنا الأفذاذ الذين أناروا سبيل هذه الحركة، ونقصد على وجه الخصوص كل أولئك المناضلين البسطاء في المدن والقرى والأحياء الشعبية، ممن خاضوا بصبر وتفان وبعيدا عن الأضواء، معارك أساسية ضد الاستبداد والظلم، وحولوا فكرة الاتحاد إلى مسار حي لتغيير المغرب نحو الأفضل.. (*) نص الكلمة التي قدم بها محمد الاشعري المعرض الخاص بالذكرى 50 لتأسيس الاتحاد.