في هذه الحلقات سنحكي قصة الضابط المغربي علي نجاب، الذي كان رهن الأسر لدى البوليساريو لمدة 25 سنة، فبعد عدة لقاءات مباشرة مع هذا الضابط الطيار المتقاعد، روى لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» تفاصيل حياته منذ النشأة الأولى، دراسته الابتدائية بتازة والثانوية بالدارالبيضاء والجامعية بفرنسا وأمريكا للتكوين في مجال الطيران، ويروي علي نجاب كذلك عن سيرته العملية في الجيش المغربي، وكيف سقط في يدي العدو بالصحراء المغربية، ويتذكر تفاصيل المعاناة والتعذيب الوحشي بمعتقلات تندوف لدى البوليساريو، ويكشف حقائق جديدة لأول مرة حول شخصيات عربية ومغربية، ومواقفهم المعادية للوحدة الترابية، كما يعطي وجهة نظره حول نزاع الصحراء المفتعل كمشارك في حرب الصحراء المغربية، ويتذكر أيضا هنا حين زار المنبهي مخيمات تندوف، كما هو الشأن لعلي المرابط الذي حاور عبد العزيز المراكشي بتندوف، ويتحدث عن أشياء أخرى كالمسيرة الخضراء، وجمعية ضحايا وأسرى الوحدة الترابية، وعن الإفراج عنه وكيفية الاستقبال بالمغرب. لما وصل علي نجاب الى الدارالبيضاء سنة 1957، والتي لم يسبق له أن وطأت اقدامه بها، أي بعد سنة من استقلال المغرب، التحق بمدرسة جول فري وهي مدرسة متخصصة في الميكانيك، فكانت هذه المدرسة تابعة للبعثة الثقافية الفرنسية، ففي سنة واحدة حصل هذا الشاب علي نجاب على ثلاث شواهد تقنية، لكن مع الأسف هذه الشواهد كانت لا تسمح للطالب أن يذهب بعيدا في دراسته، الشئ الذي سيدفع بعلي نجاب إلى التفكير مجددا في البحث عن مؤسسة تعليمية أخرى. فبعد جهد جهيد اضطر علي نجاب أن يقصد ثانوية الخوارزمي، التي كان يديرها في ذلك الوقت مديرا فرنسيا اسمه ليزفن LISVEN ، فهي الأخرى كانت تابعة للبعثة الثقافية الفرنسية مثل ذلك ثانوية ليوطي بالدارالبيضاء، وديكارت بالرباط، و بول فيري بمكناس، ويتذكر علي نجاب أن مدير الخوارزمي رفض ملفه الدراسي ولم يتم قبوله، لكن رغبة الشاب نجاب الأكيدة في متابعة الدراسة، ساعدته في أن يقنع السيد ليزفن بكل ما لديه من قوة لمتابعة الدراسة، فما كان على المدير إلا أن يلبي طلب هذا الشاب الملحاح والمشاكس والمقنع في نفس الآن، لكن تم قبول الملف بشرط وحيد، يتمثل في بداية الدراسة ابتداء من السنة الرابعة إعدادي (البروفي BEPC). لكن المشكلة الكبرى حين تم قبول ملف نجاب بثانوية الخوارزمي، ساعتها لم يكن يتوفر عن أية منحة مدرسية، الشيء الذي جعله يتدبر أمره، ويقول نجاب أنه لم يكن لدي أي سكن، مما جعلني اقضي الليل كله لمدة خمسة عشرة يوما في حديقة عمومية معروفة بالدارالبيضاء والتي تسمى حديقة مردوخ القريبة من ثانوية ليوطي، المسماة اليوم ثانوية محمد الخامس ، وكنت أقوم بواجباتي المدرسية تحث ضوء الإنارة العمومية، وبعد معاناة وتفكير، جاءت فكرة الاتصال بخليفة المقاطعة الخامسة لدر ب السلطان، لالتمس منه مساعدتي في إيجاد مأوى لي، ومن حسن حظي سقطت في رجل ذو قلب كبير، حيث منحني غرفة و سبورة صغيرة، وكنت معفي من أداء واجبات الماء والكهرباء، وبحثت عن سرير قديم جد متواضع. أما فيما يتعلق بالنقود، فكنت في البداية ألقن بعض الدروس في اللغة الفرنسية لنقيب في القوات المساعدة، بعد ذلك بدأ الخبر يشيع فيما بين الأصدقاء والجيران، فبدأ عدد الراغبين في تعلم الفرنسية يتكاثر، وهذا ما جعلني أوفر بعض النقود، لأشتري بها التغذية وبعض الحاجيات اللازمة طيلة السنة الأولى بثانوية الخوارزمي. وفي آخر السنة، روى علي نجاب كل قصته ومعاناته للمدير، مما جعله يتأثر لوضعه كتلميذ تحدوه رغبة كبيرة في متابعة الدراسة، وخصوصا أنه أنهى السنة الدراسية بنتائج مدرسية جد مشرفة، حيث حصلت على ميزة حسن في شهادة السنة الرابعة أو ما كان يطلق عليها " البروفي"، وقرر دون تردد أن يمنحه رسالة الى السيد بيسبيس،مدير مكتب المنح بالرباط، لكي يجد له حلا، لتزويده منحة الدراسة، فما كان على نجاب إلا أن يقصد مدينة الرباط لأول مرة للبحث عن السيد بيسبيس، ويتذكر نجاب أن هذا السيد بيسبيس استقبله بشكل ممتاز، حين قرأ الرسالة التي كان يحملها، ويقول نجاب «رجعت للفور إلى مدينة الدارالبيضاء وأنا أحمل في جيبي منحة كداخلي بثانوية الخوارزمي، فكانت فرحتي لا تسعها أية حدود، وخلال كل الطريق الفاصلة ما بين الرباطوالدارالبيضاء كنت مشغول البال بهذه الخطوة الجبارة التي ستفتح لي آفاقا كبيرة وستوفر عني بعض المتاعب والصعوبات التي كنت أعانيها في بداية مشواري الدراسي بهذه المؤسسة، وسأصبح ككل التلاميذ الذين يدرسون بالخوارزمي.» فمنذ أن أصبحت طالبا ممنوحا، وكأنني زودت بشحنة كهربائية، لم أعد أتوقف عن المثابرة والاجتهاد في الدراسة والتحصيل والبحث عن موارد مالية إضافية لتغطية مصاريف الدراسة، فكنت لا اقضي عطلة الصيف بتازة ببيت العائلة، فكنت استغل العطلة كل سنة لكي اشتغل شهرين و 15 يوما بشركة شال كعامل موسمي لأكسب بعض المال لتغطية المصاريف الدراسية للسنة الموالية، ولم أكن اقضي مع العائلة إلا خمسة عشر يوما، حتى حصلت بعد ثلاث سنوات على الباكالوريا في شعبة الرياضيات والتقنيات، ويتذكر علي نجاب أن من بين أصدقائه في قسم الباكالوريا التلميذ ادريس جطو الوزير الأول السابق، ومن بين التلاميذ الذين يشهد له علي نجاب أنه كان تلميذا نجيبا ومتفوقا، لكنه كان يسبقه آنذاك بسنتين فهو محمد أيت قدور المناضل اليساري في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.