تواجه موريتانيا منذ نحو سنتين تصاعدا متزايدا في عمليات تنظيم القاعدة، كان آخره التفجير الذي استهدف دركيين فرنسيين أول أمس قرب السفارة الفرنسية بنواكشوط، والذي يعد أول تفجير ينفذ بحزام ناسف تشهده موريتانيا . عمليات القاعدة توجهت طيلة الفترة الماضية إلى هدفين رئيسيين هما وحدات الجيش الموريتاني خصوصا منها تلك الواقعة في أقاصي الحدود، والرعايا الغربيين خصوصا الفرنسيين والأميركيين، ولم يسجل أن خرجت تلك العمليات عن إطار هذين الهدفين. إلا أن العملية الأخيرة (سواء من حيت الشكل أوالهدف أوطريقة تنفيذ) طرحت العديد من الأسئلة المرتبطة بمستوى إصرار تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على إلحاق الأذى بحالة الاستقرار في البلاد، وأسباب هذا الإصرار، وما إذا كانت الاعتقالات وتفكيك الخلايا الذي تم في الآونة الأخيرة قد نجح في وضع حد لهذه الطموحات. ويعتقد العديد من المهتمين بشؤون الجماعات الإسلامية في المنطقة أن تصاعد عمليات القاعدة في الآونة الأخيرة بموريتانيا مرتبط بدرجة كبيرة بمستوى التضييق الذي تعانيه هذه الجماعة في مقراتها الأصلية بالشمال المالي والجنوب الجزائري، بعد الضربات الأخيرة القوية التي استهدفت خلايا وقيادات التنظيم على يد الجيشين المالي والجزائري. ويرون أن حجم التضييق هناك فرض على بعض المنتمين للتنظيم العودة إلى أوطانهم بحثا عن متنفس جديد أقل ضغطا، يمكن من البحث عن ملاذات جديدة، أو تأسيس خلايا، واقتناص ضحايا جدد. ولم يستبعدوا أن تكون العمليات الأخيرة بشكل خاص هدفت إلى توجيه رسالة مبطنة للرئيس محمد ولد عبد العزيز مفادها أن عليه تغيير سياسات بلاده تجاه التنظيم إذا أراد لبلاده قدرا من الأمن والاستقرار. ويذهب محللون آخرون إلى القول بأن تصاعد هذه العمليات في موريتانيا مرتبط بكون موريتانيا تمثل الحلقة الأضعف في محيطها الإقليمي بحكم اتساع حدودها مع دول الجوار وعدم قدرة أي كان على ضبط هذه الحدود التي تمتد على مساحة واسعة تقارب مليونا وثلاثين ألف كلم، وتقع أجزاء واسعة منها ضمن ما يعرف بمثلث الصحراء المخيف، مما يجعل انتقال العدوى من دول الجوار إليها أمرا سهلا. ناهيك عن الأسباب العامة من الناحية الاجتماعية لانتشار هذه الظاهرة مثل استفحال البطالة، وضعف الاهتمام بشريحة الشباب، وقلة كفاءة النظام التربوي والتعليمي في البلد، وأسباب أخرى إقليمية وعالمية كتفشي الظلم والقهر، وانتشار الفساد الأخلاقي والقيمي. دلالات التفجير الانتحاري الأخير، يؤكد أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لا يزال قادرا على إلحاق الأذى بالمصالح الغربية في البلاد، ووضع مصداقية الأمن الموريتاني في الحرج، بعد أن أصبح من شبه المؤكد أنه لا يزال ضعيفا في هذه المواجهة المفتوحة، وعلى الرغم من محدودية خسائر العمليات الأخيرة، فإنها تؤكد فاعلية نظام الخلايا القاعدي لدى الجماعة الذي لم يتعطل عن الفعل رغم الاعتقالات المتتالية والضربات التي وجهت إليه. ورغم أنه لا توجد معطيات دقيقة حول حجم انتشار ما يعرف بالتيار السلفي الجهادي في موريتانيا، فإن أغلب المؤشرات تدل على أنه لا يزال ضمن نطاق ضيق جدا من الشباب ومن الصغار في السن بشكل خاص. والملاحظ أن النواة الأولى لهذا التيار تمثلت في بعض الشباب العائدين من أفغانستان، لكن لم تعد لهم اليوم صلة بالأجيال الجديدة التي تشكلت بشكل فعلي خلال عام 2005، بعد الاعتقالات الواسعة التي شنت آنذاك في صفوف التيارات الإسلامية. والملاحظ أن النسخة الأولى من الجيل الجديد كانت أقل حدة، من النسخة اللاحقة التي تكونت أساسا من بعض الشباب الصغار في السن، المحدودي التجربة والوعي الشرعي والسياسي. غير أن العملية الأخيرة تكشف عن مستوى من نجاح نظام التجنيد الذي كشف هذه المرة عن انتماء بعض أبناء طبقة الأرقاء السابقين للتنظيم وهو ما يؤكد أن انتشار فكر هذه المجموعات أصبح أكثر من ذي قبل لدرجة اختراق فئات بعيدة عن التدين حيث كان انتشار الظاهرة مقتصرا على بعض فئات المجتمع العربي في موريتانيا. ويذكر أن الرئيس ولد عبد العزيز قال في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية بعد انتخابه إنه لا توجد خلايا إرهابية بمعنى الكلمة على التراب الموريتاني، وإن كان فعلا قد تم اعتقال بعض الأفراد، وهم بالفعل إرهابيون تم تدريبهم خارج موريتانيا وجاؤوا إليها لتنفيذ مهمات محددة.