لا شك أن الانتخابات الرئاسية الموريتانية التي جرت في 18 يوليوز الماضي، شكلت أهم حدث عاشته موريتانيا خلال سنة 2009، باعتبارها ساهمت في حلحلة وضع سياسي كان متسما بالتجاذب الحاد بين الموالاة المؤيدة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وخصومه في المعارضة. - إعداد مكتب نواكشوط -
ويجمع أكثر من مراقب للشأن السياسي الموريتاني، على أن هذه الانتخابات التي توجت بمشاركة المعارضة التي كانت ترفض في السابق الذهاب إلى هذا الاستحقاق، مكنت موريتانيا من تجاوز الأزمة السياسية التي عاشتها قبل هذه الفترة، والتي كانت تنذر بعواقب وخيمة على مختلف هياكل الدولة.
وأسفرت الانتخابات الرئاسية عن فوز محمد ولد عبد العزيز في الدورة الأولى بنسبة تجاوزت 52 في المائة، ليتم تنصيبه رئيسا للبلاد في 5 غشت الماضي، في حفل عرف مشاركة العديد من الوفود العربية والدولية.
وكان الخلاف قد بلغ أوجه بين طرفي الأزمة السياسية التي عاشتها موريتانيا، والتي اندلعت إثر الانقلاب الذي وقع في 6 غشت 2008، حيث ظهرت إلى الوجود جبهة سياسية مناهضة للانقلاب، تتشكل من عدة أحزاب أطلقت على نفسها اسم (الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية)، التي ظلت ترفض كل العروض المقدمة إليها من قبل النظام الحاكم، وتلح على مطلبها الوحيد المتمثل في عودة الرئيس المطاح به سيدي ولد الشيخ عبد الله.
وقبل موعد الانتخابات الرئاسية، الذي كان مقررا في 6 يونيو، اجتمع فرقاء الأزمة في العاصمة السنغالية دكار، ليدخلوا تحت رعاية المجتمع الدولي في مفاوضات توجت باتفاق وصف ب"التاريخي" لإنهاء الأزمة والتوجه نحو انتخابات رئاسية توافقية، تقرر تأجيلها إلى غاية 18 يوليوز، وهي الانتخابات التي شاركت فيها الطبقة السياسية من أنصار الانقلاب ومناوئيه.
وجاءت استقالة الرئيس الذي وقع عليه الانقلاب سيدي ولد الشيخ عبد الله في 29 يونيو لتكرس إنتهاء الأزمة وطي صفحة الانقلاب، تلته عملية تعيين رئيس مجلس الشيوخ لرئاسة الدولة بشكل مؤقت لمدة 45 يوما، تجري خلالها الانتخابات الرئاسية.
ومباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، تم تشكيل حكومة جديدة في 10 غشت برئاسة مولاي ولد محمد لغظف، وهي الحكومة التي تولت فيها سيدة، ولأول مرة في تاريخ البلاد، منصب وزيرة الخارجية، مما اعتبر تحولا وانفتاحا غير مسبوق على المرأة في بلد محافظ كموريتانيا.
وإلى جانب الانفراج السياسي في الأزمة التي عاشتها البلاد خلال سنة 2009، كانت موريتانيا قد عاشت، خلال نفس الفترة، حدثا إقليميا بارزا تمثل في تجميد العلاقات مع إسرائيل خلال شهر مارس من نفس السنة، بمبادرة من الحاكم العسكري السابق لموريتانيا الجنرال ولد عبد العزيز.
داخليا كان الجنرال ولد عبد العزيز قد أطلق في مارس عملية المصالحة الوطنية الشاملة بين الأكثرية العربية والأقلية الزنجية، عندما شارك في إحدى مدن جنوب البلاد التي يقطنها الزنوج، في صلاة الغائب ترحما واعترافا بسقوط ضحايا من العسكريين والمدنيين الزنوج، الذين قضوا في حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع بين عامي 1989 و1991 .
وعلى صعيد آخر، شهدت موريتانيا خلال سنة 2009 أحداثا إرهابية مختلفة، عكرت صفو الأمن في البلاد وروعت الأجانب، حيث تم في شهر يونيو الماضي اغتيال مواطن أمريكي في قلب العاصمة نواكشوط على يد عناصر مسلحة تم اعتقالهم لاحقا.
كما شكلت حادثة التفجير الانتحاري يوم 8 غشت، أي بعد ثلاثة أيام على تنصيب الرئيس المنتخب، تحولا كبيرا في عمل القاعدة في موريتانيا، حين استهدف انتحاري موريتاني محيط السفارة الفرنسية بنواكشوط، متسببا في إصابة عنصري أمن فرنسيين بجراح طفيفة.
أمنيا شكل اختطاف ثلاثة عمال إغاثة إسبان على الطريق الرابط بين نواذيبو ونواكشوط العاصمة، حدثا بارزا لفت أنظار العالم إلى موريتانيا خلال هذه السنة.
فقد اعترضت مجموعة مسلحة مسار قافلة للإغاثة شمال موريتانيا، واختطفت ثلاثة إسبان (رجلان وامرأة)، ليتبين لاحقا أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي هو المسؤول عن هذه العملية.
وأعقبت هذه العملية وبعد حوالي شهر واحد فقط، عملية اختطاف ثانية راح ضحيتها رجل إيطالي وزوجته بمنطقة تقع جنوب شرق موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي.
وشكلت هذه العمليات صدمة لجهود موريتانيا في محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة المتسللة عبر الحدود، ودفعت السلطات الموريتانية إلى اتخاذ إجراءات وتدابير أمنية صارمة، تمثلت على الخصوص في تكثيف عمليات المراقبة على الحدود ونشر وحدات من الجيش وقوات الدرك بعدة نقط مع تعزيز وحدات المراقبة.
وفي إطار الحراك السياسي الذي تشهده موريتانيا منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقعت الأحزاب الموريتانية المعارضة (تسعة أحزاب) على عريضة سياسية أطلقت عليها اسم (منسقية) لمناهضة سياسات الرئيس الموريتاني، خاصة في مجال محاربة الفساد.