لاشك أن المعاملة التي يتلقاها الطفل لها علاقة بصفاته وقدراته المكتسبة وبتكوين ذاته، فالطفل الذي يتلقى الاهتمام والرعاية والاحترام والتقدير.. يُكون الذات الايجابية ، بينما الطفل الذي يقابل بالانتقاد والحرمان والعقاب غالبا ما يتكون لديه شعور بالنقص نحو ذاته، وشعور سلبي نحو الآخرين. يقول هشام الشرايبي في كتابه «مقدمة لدراسة المجتمع المغربي»: إن العقاب يعلم الاطفال الصغار اتباع سلوك سلبي في مواقف مختلفة (كأن يضربوا عندما يغضبون ). هذا السلوك السلبي المكتسب قد يعزز بطريق مباشرة او غير مباشرة، فإذا ما سئل طفل كيف يتعلم أن يضرب؟ فمن المحتمل ان يكون الجواب بأن الطفل قد حصل على مقابل لهذا السلوك. والضرب في حد ذاته سلوك عدواني خبيث، والعدوانية هدم وإيذاء للآخرين . أما الشعور بالغضب والعصبية وغير ذلك من الانفعالات التي تنعكس على سلوك الفرد ظاهريا، فتُحين بالشعور العدواني المقيد. أما العفو فهو فضيلة وخير يستعمله الانسان لتحقيق التكيف مع ظروف بيئة اجتماعية وطبيعية والعمل على تطويرها لفائدته». و«على أي حال فالعقاب البدني يدخل في نمو الضمير عند الطفل. فالضرب المتكرر يزيل مسألة الشعور بالذنب عنده. أي أن الضرب هو الثمن الذي يدفعه الطفل مقابل أخطائه ويشعر بعد ذلك أنه حر في تصرفاته، ويصبح الضرب عنده كدين مستحق يدفع أقساطه كلما أساء التصرف ثم يخلد للراحة والكسل » ذ. فاخر عاقل . إن الضرب الذي يستعمل كوسيلة لبسط سلطة الآباء والمدرسين وفرض الخضوع القوي والطاعة العمياء لايؤدي الى طاعة تلقائية ولا الى خضوع عفوي من قبل الاطفال، وإنما تكون تلك الطاعة نتيجة الخوف والرهبة ودفع الأذى عن الذات. ولاشك أن لهذا الاسلوب آثارا عميقة في تكوين شخصية الطفل الذي ينشأ على عدم الصدق والصراحة والتمويه في سلوكه، وقد يظهر بوجهين مختلفين في تصرفاته. والحديث عن العقاب يجب أن لاينسينا أنه شكل من أشكال الجزاء، وان لهذا الجزاء وجها آخر هو «الثواب» «من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره». ويقول الدكتور فاخر عاقل «إن الذي يعاقب يجب أن يحسن الإثابة قبل أن يحسن العقوبة، ومعنى هذا أن علينا أن نثيب ونعاقب، نثيب المحسن ونعاقب المسيء. كما أن للعقاب صورة أخرى هي الحرمان من الثواب ، وهذا الشكل تزكيه التربية الحديثة ويحث عليه علماء النفس. أما إذا اضطررت الى العقاب البدني فابدأ بأهونه، ولاتنتقل الى ماهو أشد إلا كارها وحذرا، وذلك بعد استنفاد كل وسيلة من وسائل التربية والتوجيه»(... ) وهناك نماذج من العقاب البدني في المدرسة المغربية قديما، نذكر منها بعض أنواع العقاب التي كانت سائدة في مدارسنا الابتدائية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي من قبل بعض المدرسين الذين لاننكر مابذلوه من جهد في تنشئة وتربية أجيال متعاقبة بغير قليل من القسوة. من منا لايذكر مادة الحساب (الذهني) وماكانت تجره على التلاميذ من « محنة» نفسية وبدنية ، إذ بمجرد بداية الحصة الدراسية يأخذ التلاميذ اللوحة الخشبية في يد وقطعة من الطباشير في يد أخرى، ويلقي المدرس سؤالا في جدول الضرب ، وبسرعة البرق يجب أن يكتب الجواب وترفع الألواح فوق الرؤوس ويكون «مصير» من أخطأ ضربة قوية على رأسه تقشعر لها أبدان زملائه الصغار، وقد ينزف الدم من رأس أحدهم ، ولاضير في ذلك ، بالنسبة للمُدرس! من منا لايذكر العقاب النفسي وما يتركه من أثر بليغ وجرح عميق في نفسية الطفل،الذي يعتبره مُدرسه كسولا متهاونا فيكون عقابه بأن يكتب في ورقة عبارة «أنا كسول» أو «أنا حمار» ويلصقها على ظهر هذا التلميذ ويجبره على الطواف بها عبر الاقسام ليسخر منه كل تلاميذ المدرسة؟ من منا لايذكر تعرض التلاميذ الصغار للعقاب على رؤوس أصابع اليد مجتمعة بعصا مقطوعة من شجر المدرسة او بعصا او «مسطرة» حديدية في وقت يكون فيه البرد قارسا وايتركه ذلك من ألم موجع؟ من منا لايذكر عقاب التلميذ الذي لم يحسن الجواب عن سؤال معين بإخراجه إلى ساحة المدرسة وتركه مدة طويلة تحت رحمة البرد والأمطار؟ من منا لا يذكر عقاب التلميذ بتركه منزويا في أحد أركان القسم وهو واقف لمدة طويلة على رجل واحدة ويداه فوق رأسه، والويل له إن تحرك من مكانه؟ من منا لايذكر العقوبة الكتابية لدرس من الدروس أو ملخص من الملخصات، والتي كانت ترهقنا ونحن صغار بالنظر لعدد كتابتها المتراوح بين 100 أو 200 مرة، فيكون الإرهاق بدنيا ونفسيا يتبعه الشعور العميق لدى الطفل بالاذلال والهوان والخوف والحيرة والحزن والأسى، فيبيت الصغار الليل كله وهم يكتبون ويكتبون وقد لاينتهون من الكتابة، كتابة العقوبة، ويحملونها ناقصة العدد المطلوب الى مُدرسهم الذي يضيف الى معاناتهم عقابا بدنيا يكون أشد قسوة، وأكثر ألما على أجسامهم الفتية ؟ من منا لايذكر العقاب البدني الذي يكون له وقع الهول والمصيبة على الطفل الصغير حين يأمره مُدرسه بخلع حذائه ومعاقبته بالعصا او بالسوط على باطن رجليه، وهو المسمى «بالفلقة»؟ وأخيرا، من منا لايذكر أول سؤال كنا ، ونحن تلاميذ صغار، نطرحه على تلاميذ الفوج الاول، حين نلج باب المدرسة: هل سنعاقب عند مُدرس الفرنسية او مُدرس العربية؟ وكان السؤال دائما بصيغة واحدة «واش عندنا العصا» ، وكأن العصا مادة إجبارية لابد منها في بداية الحصة الدراسية . إنها نماذج مقتضبة من أنواع العقاب البدني التي كانت تعرفها مدارسنا في زمن مضى بحجة ماكان يقوله معظم الآباء للمُدرس : «أنت تقتل وأنا ندفن»؟!