سيتحول "منتدى أصيلة" إلى اسم "منتدى أصيلة العربي الإفريقي- الإيبيرو لاتينو- أمريكي"؛ هذا ما أعلنه محمد بنعيسى، الأمين العام للمنتدى، أول أمس 2 غشت 2009. وستؤول الرئاسة عن الجانب الإفريقي إلى الرئيس الغاني السابق، جون أجيكيم كوفور، فيما يجري البحث عن رؤساء آخرين يمثلون العرب وإيبيريا وأمريكا اللاتينية. ميغيل أنخيل موراتينوس (وزير الخارجية الإسباني)، الذي أدار أشغال الجلسة الأولى لندوة "التعاون العربي الإفريقي- الإيبيرو لاتينو- أمريكي"، لم يكن يفوت الفرصة للتعقيب على بعض المتدخلين بغير قليل من"الصرامة الذكية"، حيث رد على وزير الشؤون الخارجية للسيراليون، زينب هوا بنغورا، معتبرا أن إغلاق الباب على الاتحاد الأوربي والاكتفاء بتعزيز التعاون بين الأفارقة والعرب وأمريكا اللاتينية من شأنه أن يفضي إلى العودة ارتكاب أخطاء الماضي. فالعالم- حسب تعبير موراتينوس- عالم الجميع وملك للجميع والمفاهيم بدأت تتغير مادام "الجنوب" يتوفر على كفاءات بشرية وكفايات تكنولوجية. وكانت وزيرة خارجية سيراليون قد ذكرت، في مداخلتها، أن إفريقيا التي تنعت بأنها في "آخر الصف" تثير اهتمام مجموعات دولية مختلفة لكونها "قارة غنية وثرية" لدرجة أن مؤتمرات قمة متعددة تجمع إفريقيا بأطراف أخرى بدأت تتوالى، مثل القمة الإفريقية- اللاتينو أمريكية التي ستحتضنها فنزويلا، والقمة الإفريقية- الإيرانية التي ستحتضنها طهران. وقالت إن المنافع الكامنة في التعاون جنوب- جنوب كثيرة، إذ "ليست سيراليون- على سبيل المثال- بحاجة لتعلم زراعة الارز من بريطانيا قدر حاجتها لتعلمها من الهند"، مضيفة أن القفز على التخلف يبدأ من "التركيز على محور التعاون جنوب- جنوب" وأن "تشكل إفريقيا فريقا واحدا مع العرب وأمريكا اللاتينية". ودعت ممثلة سيراليون إفريقيا، التي تأخرت بسبب الصراعات والحروب، إلى تدارك ما فاتها والتقدم بوتيرة سريعة، وذلك بإشراك المنظمات الإقليمية في وضع استراتيجيات التعاون وتحقيق التقارب بين التكتلات الإقليمية الثلاثة، إضافة إلى انتهاج سبل "الحكامة". من جهتها ركزت مداخلة، رئيس البرلمان في البيرو، لويس غونزالس بوسادا، على أن ما نجح فيه الاتحاد الأوربي فشلت فيه أمريكا اللاتينية، ذلك أن الاندماج الأوربي واضح، حيث استطاعت 30 دولة قومية تقريبا أن تحقق اتحادا، رغم أن كلا منها يتميز بخصوصيات اجتماعية ودينية وثقافية. أما أمريكا اللاتينية، فرغم توفر الإطارات "الجامعة" لا يمكننا أن نسمي ذلك اتحادا، لأن "تكاملنا- يقول بوسادا- عبارة عن تفتت، وهناك تضارب في المساعي والمصالح، ذلك أن هناك آراء مختلفة في أذهان الديبلوماسيين والخبراء، وهذا يقتضي توحيد الصفوف لكي تصبح أمريكا الجنوبية كتلة أكثر تماسكا. وذهب وزير الخارجية والتعاون المالي، مختار أووان، إلى أن تحديات العولمة تفرض التعاون بين التكتلات الإقليمية الثلاثة، وخاصة في القضايا الأمنية والبيئية والاقتصادية. وهذا يدفع- في رأيه- إلى ضرورة الاتفاق على سياسات مشتركة، لأن أي اختلال من شأنه إرباك توازن الدول، وهذا يؤدي إلى مشاكل كثيرة ومعقدة. خلافا للمنحى الذي سارت عليه جل المداخلات، أكد ممثل الرأس الأخضر، جوصي بريطو (وزير الخارجية والتعاون والجاليات) أن على بلدان الشمال التي كانت تسيطر على العالم أن تبني علاقاتها مع دول الجنوب على شراكات واضحة، وليس على مجرد "اعتماد"، ذلك أن "مستقبل تحقيق نمو الجنوب أصبح يكمن راهنا في الجنوب نفسه". كما "أن أنماط التنمية تتغير، وأخذت عوامل جديدة تنشأ في الجنوب الذي أصبح يتوفر على إمكانات مالية وتكنولوجية، مما يستدعي الانخراط في هذه الموجة للترقي درجات وبناء الاستراتيجيات على قاعدة القرن الواحد والعشرين. فما يصعب تحقيقه في العالم السابق (العالم المتقاطب) أصبح سهلا في القرن الحالي". وأوضح بريطو أن "بناء العالم الجديد" لن يتم إلا انطلاقا من رؤية مشتركة طويلة الأمد، وأن "الشراكة الحقيقية" مع الدول ينبغي أن تنأى عن "النمط المقنع للاستعمار الجديد"، أي ينبغي النظر إلى إفريقيا ليس كمناطق نفوذ تابعة لهذه الدولة أوتلك، بل كشريك برؤية جديدة وروح جديدة. وانتقد وزير خارجية الرأس الأخضر أزمة الزعامة التي تعاني منها إفريقيا، داعيا إلى بناء زعامة جديدة قادرة على رفع جميع التحديات ومواجهة فساد الحكومات والجيش في مجموعة من بلدان القارة التي تأكلها تجارة السلاح وتهريب المخدرات. وكانت كلمة أحمد ماهر، وزير خارجية مصر الأسبق، أشبه ب"نقطة نظام" حين أكد أن الغائب الأكبر في المداخلات، التي استمع إليها، هو "دور المجتمعات المدنية في تعزيز التعاون بين التكتلات الإقليمية". وقال إن "العولمة لها حيز واسع لإشراك المجتمعات المدنية التي عليها أن تؤدي أدوارها. فلم يعد من المجدي الاكتفاء بتطبيق قرارات الحكومات. بل لابد من تنظيم المنتديات المدنية للتفكير في كل سبل التعاون الممكنة. وقدم السفير الأرجنتيني (مدير إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط)، نقلا عن الكاتب أكتافيو باث، استعارة حية تمثل التلاقح الثقافي في بلاده بقوله: «إذا كان المكسيكيون هم من أبناء الأزتيك، والبيروفيون من أبناء الأنكا، فإن الأرجنتينيين ينحدرون من النازلين من السفن (أي من جميع الإثنيات)" بمن فيهم العنصر العربي. وطرح مجموعة من التساؤلات حول بعض الديمقراطيات، من قبيل "الديمقراطية التي تسيطرعليها سلطة دينية" و"البرلمان الشكلي" و"احتكار السلطة في يد حكومة سلطوية". وقال الديبلوماسي الأرجنتيني إن بلاده حققت نجاحا من حيث التبادل التجاري مع العرب، حيث وصل معدل النمو التجاري في ظرف أربع سنوات إلى 3 أضعاف. مضيفا أن "أمريكا اللاتينية لها أخطاؤها" التي ينبغي أن نتخلص منها ونتعاون على حلها، لكن التفاؤل الإقليمي لابد منه. جل المداخلات التي قدمها المشاركون، بعد ذلك، صبت في اتجاه ضرورة تعزيز التعاون بين التكتلات الإقليمية، والانتقال من القول إلى الفعل، ذلك أن "الدول الطَرَفية- كما قالت متدخلة من المكسيك- ازدادت حدة آفاتها (المخدرات والإجرام) مما يقتضي الجواب على هذا السؤال: كيف يمكننا أن نشرك المجتمع المدني والجاليات المحلية والإدارات في التعاون الإقليمي؟ وكيف السبيل إلى إخراج العلاقات البينية (جنوب- جنوب وشمال-جنوب) من الركود؟". وقدم المغربي يوسف العمراني، الكاتب العام لوزارة الخارجية، مداخلة رصينة وعلمية متماسكة أسهب فيها في رسم التجربة المغربية في مجال تدعيم التعاون الإقليمي. كما ركز السفير الفلسطيني بالرباط، حسن عبد القادر عبد الرحمان، على الدور الذي لعبته أمريكا اللاتينية في دعم القضية الفلسطينية، حيث انطلقت "أول ممثلية ديبلوماسية لفلسطين من المكسيك"، ومنها إلى باقي دول أمريكا اللاتينية، خاصة أنها تحتضن جالية فلسطينية مهمة. أما إفريقيا، فاعتبرها الديبلوماسي الفلسطيني "حاضنة طبيعية للقضية الفلسطينية"، منبها إلى أن الفلسطينيين انطلقوا، في عملهم الديبلوماسي من الأسفل نحو الأعلى، وليس العكس، وأنهم مدينون في ذلك للمجتمع المدني. كلام السفير الفلسطيني عقب عليه موراتينوس بقوله: «لقد اتفقت البرازيل وإسبانيا على تنظيم "مؤتمر الشتات الفلسطيني"، وأدعو جميع الفلسطينيين عبر العالم إلى الالتزام بدعم هذا المؤتمر". آخر مداخلة في أول جلسة "انتزعها" نور الدين عيوش، رئيس مؤسسة زاكورة، انتزاعا من وزير الخارجية الإسباني، حيث تحدث عن مغامرته في أدغال البنغلاديش لاستيراد نموذج ناجح لمؤسسات القروض الصغرى، رغم أن البعض استغرب لتمثله لنموذج قادم من دولة من العالم الثالث. > ملحوظة: ورد في التغطية التي نشرناها أمس ذكر لرئيس غينيا بيساو السابق، والصحيح أن المتدخل هو جون أجيكيم كوفور، رئيس جمهورية غانا السابق، فوجب التنبيه.