كشف الملك محمد السادس عن ارتباطه المتين بكل ما هو رياضي، وذلك منذ صباه وطفولته، وظهر في مناسبات عديدة بوجه رياضي يميل كثيرا إلى ممارسة الرياضة، خاصة منها الرياضات المائية والتزحلق على الجليد. ومنذ أن كان وليا للعهد، لم يخف محمد السادس اهتمامه الكبير بالرياضة وبالرياضيين، الذين خص عددا منهم برعايته الشخصية، خصوصا منهم لاعبي كرة القدم الوطنية، الذين لم يتوان في استقبالهم وليا للعهد وملكا بعد ذلك. وفي كل تلك اللقاءات، كما جاء في سلسلة الحوارات التي نشرتها الجريدة في فسحة الصيف (رياضيون في حضرة الملك)، فقد ظهر محمد السادس، كرياضي له إلمام واسع بعوالمها، يعرف كل صغيرة وكبيرة عنها، وعن مختلف أنواعها، إلى درجة أن جلالته يعرف حتى خبايا وتفاصيل التدبير اليومي لشؤون بعض الأندية والجمعيات، كما أكد ذلك أكثر من رياضي استضافته تلك السلسلة من الحوارات! ورغم كل ذلك، يلاحظ العديد من المهتمين والمتتبعين، أن تدخل الملك محمد السادس، بصفته رئيسا للدولة، في القطاع الرياضي الوطني، كان تدخلا متأخرا ولم يترجم بشكل مقنع «الصفات الرياضية» التي يتحلى بها، ولا يؤكد تعلق الملك وعشقه لهذا القطاع الرياضي، إذ أن التدخل الملكي لم يكن مباشرا وحازما، إلا بعد مرور عقد من توليه عرش المغرب! } الملك محمد السادس والقطاع الرياضي الوطني؟ >> يبدو أن الملك محمد السادس انتظر قرابة عقد من الزمن من أجل تسجيل حضوره في المجال الرياضي بشكل مباشر، ولا يمكن تبرير هذا الابتعاد الإرادي إلا بعاملين، أولاهما أن الملك الشاب كان أمام رهانات أهم وأقوى بعد اعتلائه للعرش سنة 1999، إذ أن مشاكل السكن والفقر والبطالة وضعف الاقتصاد...اصطفت على رأس الأولويات على حساب القطاع الرياضي، وثانيهما أن الملك أراد بشكل أو بآخر متابعة الأمور من بعيد والانتظار إلى غاية استنزاف المسؤولين عن الشأن الرياضي لكل اجتهاداتهم قبل تحقيق الدخول القوي، وهي العادة التي دأب عليها القصر في عدة مجالات أخرى من أجل احتكار الفعل وكسب الشرعية المطلقة. } الحضور الفعلي للملك في الرياضة خلال العشرية الأخيرة؟ >> تميز العشر سنوات الماضية بما تخللها من حضور ملكي متفرق، فرضته بعض المناسبات كحدث الترشح لكأس العالم سنتي 2006 و2010، وهو الرهان الذي ورثه الملك محمد السادس عن والده الذي بلغ به الهوس بكرة القدم حد الدخول في منافسة حادة على احتضان أكبر ملتقى كروي مع الولاياتالمتحدة سنة 1994 ، وفرنسا سنة 1998، وعَكس ترشيح المغرب في العقد الأخير حضورا بارزا للملك خصوصا من خلال تعيينه لمندوبين سامين لمتابعة ملف الاحتضان، ثم من خلال التعهد بالوفاء بالالتزامات التي يفرضها دفتر التحملات عبر شيك من ماله الخاص. ورغم أن الفوز لم يحالف المغرب في احتضان كأس العالم، فإن أعلى سلطة بالبلاد حاولت تجاوز هول الصدمة التي ألمت بالمغاربة خلال الترشح الرابع، ذلك أن الإعلان عن فوز جنوب إفريقيا يوم 15 ماي 2004 جاء يوما واحدا قبل تخليد الذكرى الأولى لأحداث 16 ماي الإرهابية، وتمثلت أول مبادرة في تصريح الوزير الأول ادريس جطو مساء نفس اليوم من قلب العاصمة البوركينابية بأن المغرب سيكمل مشوار بناء الملاعب وإنهائها في توقيتها المحدد في إشارة إلى ملاعب مراكشوأكادير وطنجة، وهو ما أصبح قريب التحقق بعد إدراج تكاليف إنهاء الأشغال ضمن الميزانية السنوية العامة للدولة. كل ما سبق لم يكن ذا وقع كبير على المتتبعين الرياضيين، فالملك محمد السادس مارس عقلانية واضحة في تعامله مع القطاع الرياضي من خلال أخذ المسافة الكافية قبل اتخاذ أي رد فعل عكس والده الذي كان كل شيء يمر من يديه حتى لو تعلق الأمر باختيار مدرب للمنتخب الوطني لكرة القدم أو تحديد التشكيلة التي سيواجه بها المغرب خصومه. ورغم أن حضور محمد السادس في القطاع الرياضي برز من خلاله تدشينه للملعب الكبير بالدارالبيضاء سنة 2007 وإشرافه في 24 ماي 2008 على وضع الحجر الأساس لبناء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم بضواحي سلاالجديدة، فإن الخروج الكبير كان بمناسبة المناظرة الوطنية للرياضة بالصخيرات يومي 24 و25 أكتوبر 2008، إذ لم يفوت الملك فرصة أول احتكاك مع الحركة الرياضية وقدم من خلال الرسالة الموجهة للمناظرة خلاصة معاينته للقطاع طيلة السنوات التسع الماضية كفاعل أساسي في النسق السياسي، إذ استعمل خطابا عنيفا وقاسيا وصريحا في الآن ذاته، موظفا فيه كلمات وألفاظ يظهر من خلالها أن أعلى مؤسسة بالبلاد انتظرت كثيرا قبل أن تفجر ما في جعبتها، والظاهر أن الهدف من هذا الخطاب كان هو إحداث الصدمة من خلال تغيير منهجية التواصل من مفردات ديبلوماسية إلى مفردات مباشرة مستمدة من الواقع اليومي للرياضة (اختلالات، ارتجال، تدهور، مطية، تطفل، ارتزاق، أغراض شخصية، غياب الشفافية والديموقراطية، الجمود في العمل، غياب التجديد...). لقد كان الهدف من الخطاب المباشر والعنيف إحداث القطيعة مع طرق التدبير السابقة، والتأشير على مرحلة جديدة بأساليب جديدة. } الرسالة الملكية بعد عشر سنوات من المراقبة والتتبع؟ >> تضمنت الرسالة خطابا واقعيا واقتراحيا، فهي لم تكتف بعرض الإشكالات وإنما بتقديم عناوين كبرى للحلول، كما أنها حملت إشارات واضحة بخصوص السياسة العامة للدولة في المجال الرياضي (ما يقتضي وضع استراتيجية وطنية، إعطاء رياضة النخبة والقاعدة نفس الاهتمام في السياسات الرياضية العمومية)، لكن الملاحظة الأساسية هي أن الملك استعمل أيضا خطابا احتكاريا للمبادرة والفعل، من خلال استحضار الذات بوصفها منطلقا لأي تشخيص أو تقييم «اعتبارا لما يحظى به هذا القطاع لدى جلالتنا من بالغ الأهمية والاهتمام، إن غيرتنا على القطاع تجعلنا، وهو ما لا نرضاه لبلدنا، نهيب بكافة الفاعلين...»، كما استحضر الخطاب مجددا الآليات التي يوظفها الملك في تذخله في التدبير القطاعي، إذ تمت الإشارة مجددا إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن. } الدخول العملي والفعلي للملك في الحقل الرياضي؟ >> إن الدخول الأخير للملك إلى المجال الرياضي من خلال الدعم المقدم للجنة الصفوة باللجنة الأولمبية لإعداد الرياضيين لأولمبياد لندن 2012، ورفع ميزانية جامعة كرة القدم إلى 40 مليار سنتيم سنويا بعد دعمه لها بحوالي 25 مليار سنتيم، وإشرافه المباشر على تدشين بعض المشاريع الرياضية (أكاديمية محمد السادس الدولية لألعاب القوى وكرة القدم بإيفران وسلا)، يدل على أن القطاع الرياضي أصبح بين يدي القصر خصوصا بعد الهزات العنيفة التي عاشتها الرياضة المغربية في السنوات الأخيرة، كما يزيد في تأكيد أن الرسالة الملقاة في المناظرة الوطنية للرياضة كانت انطلاقة لتنفيذ برنامج محدد يتراوح بين الدعم المالي السخي وبين تغيير بعض الوجوه من على رأس الجامعات السيادية (جامعتا كرة القدم والتنس). } ماذا تحقق بعد دخول الملك في الحقل الرياضي؟ >> رغم أن الحكم على نتائج الدخول الذي سجله الملك محمد السادس في المجال الرياضي سابق لأوانه، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل ملاحظات أساسية: - أولاها: إن طريقة تدبير القطاع تختلف عن سلفه الذي اعتمد عشوائية واضحة في التسيير وفي توزيع المنح المالية، في حين أن السياسة الحالية تغلب عليها العقلانية المبنية على تقديم الوسائل المادية وفسح المجال أمام المبادرة الخاصة للمسؤولين عن المؤسسات الرياضية، مع الاحتفاظ بحق المراقبة والتتبع. - ثانيها: إن غياب استراتيجية واضحة موازية للدعم المالي قد يفرغ العملية من محتواها، ذلك أن رصد 33 مليار سنتيم من أجل إعداد أبطال في أولمبياد 2012 يعد ضربا من ضروب المستحيل، إلا إذا كان للصدفة دورها، ذلك أن إعداد بطل أولمبي يتطلب على الأقل 10 سنوات من العمل المنظم، كما أن رصد 25 مليار للمنتخبات الوطنية في غياب سياسة تعتمد على القاعدة بالدرجة الأولى سيضعنا أمام حقيقة فظيعة متمثلة في تزيين ملامح القمة (المنتخبات) وإضعاف الأندية والاكتفاء بسياسة الاعتماد على الطاقات المتكونة الخارج. - ثالثها: إن أي فشل في تحقيق الأهداف التي من أجلها تم تقديم الدعم المالي قد يفقد المؤسسة الملكية الثقة في القطاع الرياضي. على العموم، إذا كان من السهل تقييم الحضور الملكي في بعض المجالات الأخرى كحقوق الإنسان والسكن والمرأة...فإنه من الصعب على ما يبدو إعطاء حكم ولو مبدئي على حصيلة الملك في المجال الرياضي بما أنه لم يسجل حضوره فيه إلا قبل حوالي سنة من الآن، هذا في حالة الإقرار بأن اشتغال الملك يتم بمعزل أو بموازاة مع العمل الحكومي، أما إذا كان الإقرار بأن حصيلة العمل الحكومي تندرج ضمن الحصيلة العامة للملك بما أنه الواضع لسياستها الحكومية، فإنه من السهل الوصول إلى نتيجة أساسية وهي أن غياب سياسة رياضية أفرز عدة إشكالات من بينها أن 44 جامعة رياضية لا تؤطر سوى 0.75 من ساكنة المغرب، وأن عدد الممارسين المرخص لهم لا يتجاوز 300 ألف، ما يمثل حوالي 1.32 من الفئة السكانية المؤهلة للممارسة الرياضية (5 - 34 سنة)، أما على مستوى التجهيزات الرياضية، فتكفي الإشارة إلى أن نصيب الفرد المغربي منها لا يتجاوز 1.152 متر مربع مقابل 8.5 متر مربع للفرد الفرنسي و9.25 للفرد الألماني. نكسات الرياضة الوطنية التي حركت تدخل الملك! 1 تنظيم المونديال أخفق المغرب في الحصول على ثقة الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا )، لاحتضان تظاهرة كأس العالم، والإشراف على تنظيمها في مناسبتين، في 2006 ،في 2010! 2 نكسة غانا.. العنوان الأبرز لأزمة كرة القدم الوطنية تميزت مشاركة المنتخب الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي احتضنتها غانا في بداية سنة 2008، بضعف الحضور، وفشل الفريق في مواجهة قوة المنافسين، وخروجه بالتالي من الدور الأول، بطريقة مذلة وصاغرة. نكسة غانا كانت بداية لنكسات أخرى شهدتها كرة القدم الوطنية خلال السنة التي نودعها، ومنها إقصاء المنتخب الأولمبي من حضور دورة بيكن للألعاب الأولمبية، على يد المنتخب الكامروني، وفشل المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات العمرية في كل المنافسات التي شاركت فيها، ونفس الأمر بالنسبة للكرة النسوية. نفس عناوين الفشل ميزت حضور الأندية الوطنية في المنافسات القارية والعربية. 3 الألعاب الأولمبية بيكن نتائج هزيلة للرياضة الوطنية شارك المغرب في دورة بيكن بوفد ضم 49 رياضيا ورياضية، عادوا بميداليتين هما فضية جواد غريب ونحاسية حسناء بنحسي. وتميزت المشاركة المغربية في أولمبياد بيكن، بضعف الحضور مؤكدا التخلف الذي شهدته الرياضة الوطنية خلال السنة المنصرمة، في مختلف أنواعها. وخيبت نتائجها ،في أهم تظاهرة عالمية عرفتها سنة 2008، كل الآمال وكل التطلعات. اللمسة الملكية «... وعلاوة على ذلك، فحري بمناظرتكم الانكباب على مسألة حيوية عنوانها العريض، الحاجة الملحة لقطاع الرياضة الى تعزيز بنياته التحتية، إذ برغم بعض التجهيزات العالية المستوى التي تتوفر عليها بلادنا أو التي وجهنا حكومتنا لإيجادها، فلابد من مضاعفة الجهود، لأن التعاطي للرياضة وتكوين أبطالها صناعة..»، من رسالة جلالة الملك إلى المناظرة الوطنية للرياضة. منذ اعتلاء محمد السادس العرش، وهو يجوب الوطن طولا وعرضا من أجل إعطاء انطلاقة أوراش رياضية ضخمة، سواء للممارسة الاحترافية أو لجعلها فضاءات رياضية للقرب. كما أن جلالته اعتبر التكوين الجيد يمكن من تحقيق النتائج الجيدة. وهكذا وضعت استراتيجية تهدف إلى إنجاز 22 مركزا للتكوين في مختلف ربوع الوطن من أجل تكوين اللاعبين الناشئين في كرة القدم. وكانت العلامة البارزة. وهكذا ستنضاف إلى مركز التكوين لكل من الجيش الملكي والرجاء البيضاوي وآسفي، مراكز بكل من وجدة، الخميسات، الجديدة، طنجة، تطوانمكناس، خريبكة،العيون، القنيطرة، أكادير، سلا إضافة إلى مركز الوداد البيضاوي. أكاديمية محمد السادس لكرة القدم الأكاديمية التي تحتضنها مدينة سلا، تهدف الى تكوين وتخريج 20 لاعبا في السنة. مشروع الأكاديمية الذي سيرى النور في شتنبر 2009 شيد على مساحة 18 هكتارا، ومول من القطاع الخاص بتكلفة بلغ غلافها 140 مليون درهم، يتضمن ملاعب رياضية ومرافق للإيواء والترفيه خاصة بالمتدربين. يمكن التكوين بها من متابعة المتدربين تعليمهم في أحسن الظروف ووفق برامج وجداول تنسجم مع التكوين الرياضي. وموازاة مع الأكاديمية سيتم تشييد مدرسة متخصصة في كرة القدم يؤمها الصغار المتراوحة أعمارهم 6 و12 سنة. الأكاديمية وضع لها برنامج من ثلاث سنوات خاصة بالأطفال من سن 13 و14 سنة، وهو المستوى الابتدائي، وهو المرحلة التي يتم فيها التركيز على الإعداد البدني والنفسي لأبطال الغد. ثم تأتي بعدها مرحلة الأطفال ما بين 15 و16 سنة. وبعد ذلك تأتي مرحلة التخصص. وحسب تصريح سابق للسيد لاركيت الذي يشرف على التأطير بالأكاديمية، فإن المهمة تتطلب التنقيب على المواهب في مختلف مناطق المغرب القريبة والنائية، لأن الموهبة توجد في كل مكان، ويجب اكتشافها. مركز إعداد اللاعبين الناشئين بآسفي خلال زيارة جلالة الملك لآسفي أشرف جلالته على تدشين مركز لتكوين اللاعبين الناشئين المنتمين لفريق أولمبيك آسفي الذين تقل أعمارهم عن 17 سنة، المركز يهدف كذلك إلى تكوين عال، إضافة إلى توفير بنيات تحتية توافق المتطلبات الحديثة في مجال التكوين. وإلى جانب أهداف التكوين الرياضي، فإن هذا المركز سيعمل على التوفيق بين الرياضة والدراسة، وحتى ينتهي التكوين بإدماج اجتماعي للمتدربين في نهاية مراحل تكوينهم، ثم توقيع اتفاقية مع مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، الهدف منها توفير تكوين مهني محدد حسب الكفاءات. وترجمة لمضمون التوجيه الملكي، عمدت وزارة الشباب والرياضة الى توقيع اتفاقيات شراكة مع القطاعات الحكومية، وهكذا تم توقيع اتفاقية شراكة مع الوالي المدير العام للجماعات المحلية، لوضع وتنفيذ برنامج مشترك لإنعاش عمليات القرب في مجالات الرياضة والسوسيو تربوية، وتدعيم البنية التحتية للشباب والرياضة في المحيط الحضري وشبه الحضري والقروي. اتفاقية شبيهة مع وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية تنص على وضع إطار للتعاون والتنسيق بهدف خلق فضاءات رياضية، وتأهيل مؤسسات الشباب، ودعم البرامج الرياضية، والثقافية والتربوية والترفيهية لفائدة الشباب وتخصيص فضاءات لمنشآت للأنشطة الشبابية والرياضية من طرف مؤسسة العمران. توقيع اتفاقية مع وزير الصناعة والتجارة والتقنيات الحديثة تهم وضع وتنفيد يرنامج شامل لتأهيل الهياكل الادارية والسوسيو تربيوية والرياضة بالتقنيات الحديثة للإعلام والتواصل. إضافة إلى مجموعة أخرى من الشراكات في مجال الصحة ومع القطاع الخاص.