وأنت تتجول في سوق القريعة التابع لتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، اذا بقدميك يقودانك لسوق «الدبان»، اسم يعبر عن حالة هذه المنطقة التي تعتبر مرتعا للاوساخ والنفايات. والغريب في الامر هو انه مكان يرتاده السكان كل مرة لاقتناء بعض الاغراض المنزلية او غيرها ! «سوق الدبان» يعتبر من أقدم الاسواق بهذه المنطقة، فيكفي ان تمر به في ساعات المساء المتأخرة، لترى حالة من الفوضى، حيث تتراكم نفايات يوم كامل هناك، والنيران المشتعلة، التي تنبعث منها رائحة تكاد تخنق النفس!! مبيعات من نوع خاص...! ان الفقر الذي تعاني منه شرائح واسعة من سكان المدينة، يدفع بعضهم للقيام بالعديد من الاشياء، رغبة منهم في الخروج من هذه الوضعية وإيجاد لقمة يسد بها رمقه. ولن نتفاجأ عندما ندخل الى «سوق الدبان» بالقريعة لنجد مجموعة من المبيعات لا يمكن للمرء ان يتخيلها، والحديث هنا عن البطاريات المنتهية صلاحيتها و«الفيتشات» وأقراص cd مكسرة واسلاك لا تصلح بتاتا للاستعمال، وبعض الملابس القديمة والأحذية المستعملة، والعديد من الاشياء التي تجعل المرء يطرح أسئلة حارقة منها : كيف لهؤلاء ان يفكروا في بيع مثل هذه «المتلاشيات»؟ كيف للمرء ان يقف ساعات مطولة في اليوم تحت اشعة الشمس ليربح في الاخير 6 او 7 دراهم في اليوم؟ أسئلة عديدة تتبادر الى الذهن، وربما يمكنها ان تبكيك من شدة الحزن على هؤلاء. فقر في «أقسى» تجلياته أمام هذه الحالة المزرية، على المرء أن يقف لحظة ويتأمل في ما يحصل لهؤلاء، أمر صعب أن يوصل الفقر فئات واسعة من المجتمع إلى هذه الدرجة من «الضياع»! فالمكان لا يحتمل الوقوف ولو خمس دقائق، الروائح المنبعثة وأشعة الشمس الحارقة والغبار المتناثر والصراخ الكثيف، و كأنك في مكان «للحرب» و ليس في سوق!! لكن تعددت اسباب هذه الحالة المزرية، اسباب كان القدر هو من اختارها لهؤلاء السكان، فهناك من يسكن بيتا مع 10 اشخاص آخرين وعليه تأدية فاتورة الكراء والماء والضوء، وهناك من يقطن بيتا به خمسة اطفال وعليه ان يأتيهم بلقمة العيش، وهناك من يعيش مع والديه وهما مصابان بامراض صعبة العلاج وعليه ان يبحث لهما عن ثمن الدواء الباهظ... اسباب ستغرقنا في دوامة لن نخرج منها الا والدموع في عيوننا!! إنه وضع لايحتمل ذاك الذي عليه «سوق الدبان» بالقريعة... شتان بين السيارات الفاخرة وهؤلاء الذين يقطعون كيلومترات ليصلون الى منازلهم، وشتان بين الملابس الباهظة الثمن وهؤلاء الذين لا يلبسون الا ما قد يجود به الجيران او ما يمكن ان يجدوه في صناديق القمامات مثلا ... شتان.. وشتان .. و للصوص حضور ! وسط هذه الحالة المتردية والأوحال ، تجد أناسا لا ينتمون لهذه الشريحة، اناس يحترفون عملا آخر غير البحث عن لقمة العيش، إنهم اللصوص، فهؤلاء لا يحجون إلى سوق الدبان إلا لبيع ما سرقوه في يوم امس او صبيحة اليوم ذاته، فترى رجال الامن كل مرة يداهمون المكان بحثا عن هؤلاء ، وهنا تحدث المفارقة العجيبة، ففي الوقت الذي تجد فيه مبيعات من نوع خاص، ترى هؤلاء اللصوص وهم يأتون للسوق بساعات وهواتف نقالة وملابس فاخرة وغيرها من الاشياء الباهظة الثمن ! دموع تكشف المعاناة وانت تمر بهذا السوق تفضل لو تتحدث مع أحد الباعة لمعرفة سبب اختياره لبيع هذه الاشياء الرخيصة، ألا يجدر به البحث عن عمل يمكن ان يوفر له ولو جزء صغير من متطلبات عيشه ! وفي حديثنا مع أحدهم بدأت الدموع تخرج من عينيه وكأنها كانت تنتظر فقط ان يحدثها احد عن متاعبها و مشاكلها ، وحتما سوف تستجيب دموعك نظرا للالم الذي سوف تشعربه انت كذلك ، تحدث لنا امبارك عن حالته واصفا اياها بالكارثية وانه فضل الخروج للبحث عن بضع دريهمات ليتمكن من ضمان الخبز اليومي لأولاده وعائلته الصغيرة.. والغريب أن «امبارك» ليس هو الوحيد الذي بدأت دموعه في النزول. فكل من كان بجانبه بدأ يتحسر على ما فعلت الايام به، إن «الحسين و عبد الله.. وغيرهما، هؤلاء اضطروا للتواجد في سوق المتناقضات هذا بحثا عن لقمة ولوفي درجتها الحارة والقاسية، ولو من داخل النفايات!! من عجائب المدينة الغول ! من بين العجائب والغرائب في «قصة» الفقر هذه ، اسم هذا السوق، فنادرا ما نجد مثل هذا الاسم، الذي يعبر عن حالة هذه المنطقة ، وبالاخص هذا السوق المزدحم، تسمية هذا السوق «بسوق الدبان» أتت من ابناء المنطقة، حيث أطلقوا عليه هذا الاسم نسبة للنفايات المتراكمة والتي تحدث العديد من الاوساخ والجراثيم، خصوصا الذباب !!