أصدر «المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية» تقريرا مفصلا حول وضعية «المغرب في مواجهة الأزمة المالية والعالمية» يقدم تصورا لتأثير ذلك على البلاد. ويرصد هذا التقرير الوضعية التي كان يعرفها المغرب قبل حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية، حيث كان الاقتصاد المغربي يشهد طفرة نوعية على امتداد السنوات الأخيرة نتيجة لمسار الإصلاحات الذي سار عليه. وكانت الأرقام تشير إلى أن الناتج الداخلي الخام، دون احتساب القطاع الفلاحي، سجل معدل 5% ما بين 2004 و2007، مقارنة مع 3.9% ما بين 1999 و2003. ويرى التقرير أن المغرب، الذي كان في المراحل الأولى للأزمة في منأى عن تأثيراتها السلبية بفضل صلابة نظامه البنكي وارتباطه الضعيف بالأسواق المالية العالمية، أصبح يتعرض منذ النصف الثاني من سنة 2008 لتداعيات تلك الأزمة من خلال قطاعات التصدير والأنشطة السياحية وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وكذا على مستوى تدفق الاستثمارات الخارجية. ومن بين التصورات التي استعرضها التقرير من أجل تجاوز تلك التداعيات، نجد ضرورة تمتين الرابط الاجتماعي من خلال تعزيز السياسات الاجتماعية، وتحسين الحكامة على مستوى السياسات العمومية وجعلها أكثر انسجاما وفاعلية، ورفع تحدي التنافسية على الصعيد الاقتصادي والحرص على حفظ التوازن الماكرو- اقتصادي، ثم ترسيخ الطابع الجهوي للمغرب في علاقته مع الاتحاد الأوربي. ولم يستبعد التقرير أن تسجل الأزمة تطورا في المغرب، طارحا بذلك مجموعة من المخاطر المحتملة والتي يتعين على المغرب التعامل معها بغير قليل من الحذر واليقظة. ويدرج في هذا الإطار التوقعات التي سبق ونبه إليها صندوق النقد الدولي، حيث يعترف هذا الأخير بأن التوقعات المتعلقة بسنة 2009 تتميز بنوع من عدم الوضوح، رغم أن المؤشرات ما تزال سلبية، على اعتبار أن التدابير الحكومية تظل غير كافية لمحو التراجع الذي عرفته الأوضاع المالية. الأمر الذي يستدعي، حسب التقرير، العمل على تبني سياسة استباقية لمواجهة تلك المخاطر وباقي تداعيات الأزمة. وأوضح التقرير أن تطور الأزمة قد يصيب الاحتياطي من العملة، ويعيق الدينامية الاقتصادية الداخلية وسوق العمل وباقي المكتسبات الاجتماعية إلى جانب المالية العمومية. ويكفي القول إن الناتج الداخلي الخام في المغرب سجل مع متم سنة 2008 عجزا بنسبة 5.6%، كما أن احتياطي العملة تراجع بدوره بمعدل 11.5 مليار درهم في نفس الفترة، الأمر الذي يقتضي التعامل معه بإعادة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين نظرا للدور المهم الذي يلعبونه من أجل تحقيق أي تنمية مستقبلية. وربط التقرير بين الخطر المحدق بالمغرب والوضعية الحرجة التي يمر بها الشركاء الاقتصاديون للبلاد كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا التي تتوقع جميعها أن يعرف ناتجها الداخلي الخام تراجعا يصل إلى 3% وارتفاعا ملموسا في معدلات البطالة خلال هذه السنة. ونفس الأمر ينطبق على تراجع معدل الصادرات العالمية بنسبة 9% وكذا حركة تنقلات السياح في مختلف مناطق العالم.