كان النمرود مارا أمام النار المتأججة التي التهمت ركاما من الحطب، فرأى المعجزة: ابراهيم جالس يحيط به اللهب ومعه رجل مثله. كان ابراهيم يضع رأسه على ركبة الرجل الذي كان يمسح عرقه. فعاد إلى قومه، وقال لهم: - لقد رأيت ابراهيم وسط اللهب.. على الأقل تهيأ لي أنني رأيته.. فأعدوا لي إسقالة لأطمئن لأتبين ما تخفيه النار. فصنع له القوم إسقالة في قمة اعتلاها إلى أن أصبح بإمكانه أن يرى قلب المحرقة. فرأى ابراهيم جالسا، وبجانبه الملاك الذي يشبهه. ثم قال: - سبح لربك العلي القدير الذي منع عنك النار وتدخل كي لا تضرك. يا ابراهيم هل بإمكانك الآن أن تخرج؟ فأجاب ابراهيم: - نعم - هل تخشي إذا بقيت فيها أن تضرك؟ - لا. - فقم، إذن، واخرج. فقام ابراهيم وتخطى اللهب وخرج. ولما اقترب من النمرود، سأله هذا الأخير: - يا ابراهيم، أخبرني عن هذا الرجل الذي يشبهك، والذي رأيته جالسا بالقرب منك؟ هل هو ربك؟ - إنه ملاك الظل. أرسله ربي ليؤنسني وليجعل النار بردا وسلاما علي. - يا براهيم، أريد أن أقدم قربانا لربك الذي تبينت قدرتك، وما فعله معك لأنك رفضت أن تعبد إلها آخر غيره. أريد أن أتقرب إليه بأربعة آلاف بقرة. - لن يقبلها الله منك ما دمت متمسكا بعبادة الأصنام. - لا. لا يمكنني التخلي عن سلطتي. ولكنني سأقدم بقراتي قربانا لربك. فذبح أربعة آلاف بقرة وتوقف عن إزعاج ابراهيم. لكنه أقسم أن يصل إلى رب ابراهيم أينما كان. فاختار لهذه المهمة أربعة أفرخ من فراخ النسور، وظل يطعمها لحما ويسقيها خمرا «حتى إذا كبرن وغلظن وإستعلجن» قرنهنّ بسلة شدها إلى سلة جلس فيها حاملا في يده رمحا علق على سنانه قطعة لحم. فطارت النسور التي كانت تطارد قطعة اللحم تريد نهشها، وظلت تحلق، بعيدا إلى الأعلى فالأعلى، حاملة معها النمرود الذي كان يركب السلة. ولما ارتفعت إلى السماء البعيدة، ألقى النمرود نظرة على الأرض فرأي الجبال تتعاقب كأنها سرب نمل، ورأي الأرض محاطة بالماء كأنها فلكة في بحر. استمرت النسور القوية والجائعة في التحليق نحو الأعلى ، وكانت السلة تواصل الابتعاد عن الأرض، وتغيب في الظلمة. ولما لم يعد النمرود يرى شيئا، لا من فوقه ولا من تحته، تمكن منه الفزع، فترك قطعة اللحم تسقط. فانقضت عليها النسور لالتقاطها بعدما أخرجت كل مخالبها، حتى أن الجبال لما رأتها تنقض على قطعة اللحم، وسمعت خفقان أجنحتها، شعرت برعب كادت معه تنمحي من الأرض. ذهب ابراهيم إلى أبيه مرة أخرى، وطلب منه أن يدخل في دينه. لكن آزر لم يستجب له، بينما مال قلب بعض رجال قومه لما عرفوا أن إله ابراهيم أمر النار أن تكون بردا وسلاما عليه. وكان لوط، إضافة إلى بضع نساء، من بين هؤلاء الذين استجابوا لدعوته وآمنوا به. ولما كان الذين آمنوا به قلة، رحلوا عن المدينة خوفا من أن يضطهدوا. فرحل بهم ابراهيم بعيدا عن أرض العراق، وذهبوا حيث يقودهم ربهم. بعض العلماء يقولون إن سارة كانت بنت عم ابراهيم، وأنه تزوجتها حينما كان مازال يعيش في قومه، لأنها آمنت بدعوته. لكن بعضم يقول إنها بنت الملك الحران الذي كفر بدين أبيه، وأن ابراهيم التقاه في طريقه إلى المنفى. وحينما علم النمرود بأن ابراهيم رحل ورفاقه، أرسل في إثرهم رجاله، آمرا إياهم: - آتوني بكل من يتكلم السريانية. لما خرج ابراهيم من النار، كان يتكلم السريانية، ولما عبر نهر الفرات، قلب الله لسانه وجعله يتكلم العبرية. ولما أدرك رجال النمرود ابراهيم الذي كان محاطا برفاقه، تحدثوا معه بالسريانية، فكان يجيبهم بالعبرية. ولما لم يفهموا كلامه، تركوه يرحل ليواصل رحلته إلى أن وصل إلى حران التي قام بها ما شاء الله. ثم ارتحلوا عنها إلى مصر التي كان تحت حكم فرعون. فألقى فخذ اللحم من يده رعبا فإتبعته النسور منقضّات (نحو الأسفل) لتلتقطه ،( وبهذا عاد الى الأرض ،،، وعاد الى حجمه الطبيعي ،،، وانتهت حيلته بربوبيته الموهومة والمكذوبة ) .. فلما رأى أنه لم يطق شيئًا فأخذ في بنيان [الصرح إلى السماء] ،، فبناه ... ثم ارتقى ينظر فسقط الصرح ،، وتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع . قال العلاّمة ابن الجوزي رحمه الله : بعث اللّه إلى « النمرود» ملكًا أن آمن بي وأتركك على ملكك .. فقال النمرود للملك : (( فهل ربّ غيري )) ثم أتاه الثانية : فقال له مثل ذلك ،، فأبى النمرود عليه .. ثم أتاه الثالثة : فقال له ذلك ،، فأبى عليه .. فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام .. فجمع جموعه .. (###) قال : فأمر اللّه الملك ففتح عليه بابًا من البعوض ، وطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ،، فلم يبق إلا العظام،، و» النمرود» كما هو ، لم يصبه من ذلك شيء .. فبعث اللهّ عليه [بعوضة] فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ،،، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه .. ثم أماته اللّه بعد ان ملّكه أربعمائة عام وعذّبه مثلها ايضا.