[منذ صغره، هدى الله ابراهيم ورعاه. فلما حطم الأصنام التي كان يعبدها قومه، أرادوا إحراقه، لكن الله نجاه من اللهب. فاستقر مع زوجته سارة بفلسطين. ثم أنجب إسماعيل، ابنه الأول، من خادمته هاجر، ثم ابنه الثاني، إسحاق، من سارة. وترك اسماعيل وهاجر في واد (موقع الكعبة). وبعد سنوات، عاد ليبني مع ابنه الكعبة] ولد ابراهيم أثناء حكم النمرود، بعد 1203 عام من الطوفان، أي حوالي 3037 عاما بعد خلق آدم. وقد قال رسول الله بخصوص النمرود: أربعة ملوك يحكمون العالم، اثنان مؤمنان، واثنان كافران. فأما المؤمنان فهما سليمان، ابن داوود، وذو القرنين، رضي الله عنهما. أما الكافران، فهما النمرود وبختنصر». ويحكى أن النمرود هو أول من حمل التاج، وكان متجبرا ويدعو الناس لعبادته، وكان محاطا بالكهنة والعرافين. فلما كان يوم، جاءه العرافون، وقالوا: - إننا رأينا أن طفلا سيولد وسينكر ديننا ويحطم آلهتنا. فلما سمع النمرود كلامهم، نام فرأي أن كوكبا (astre) يحجب أشعة الشمس والقمر، وأفقدهما بريقهما، فشعر بخوف شديد وأمر بإحضار العرافين والكهنة والذين يضربون الرمل، ليطلب رأيهم، فقالوا: - سيولد في بلادك هذا العام طفل ينكر ديننا ويحطم آلهتنا. هذا ما أخبرتنا به الكواكب منذ مدة. فانزعج النمرود وأمر بنحر كل الأطفال الذين سيولدون في ذلك العام، ثم أبعد رجاله عن نسائهم وجعلهم يعسكرون معه خارج المدينة حتى لا يقربوا النساء. وجعل على كل عشرة من رجاله حارسا يراقبهم ويمنعهم من الاقتراب من النساء إلا إذا كن حائضات. وحين ينقطع الحيض كانت النساء تمنعن عن الرجال. وظلت النمرود متسلطا على قومه إلى ما شاء الله، حتى أتى يوم أراد، لغرض يخصه، أن يكلف قريب من أقربائه بمهمة، فلم يعثر على من يصلح لهذه المهمة إلا آزر. فاستقدمه إليه، وقال له: - أريد أن أكلفك بمهمة، سأرسلك إلى المدينة، على أن تعاهدني على أنك لن تقرب نساءك أو تربط معهم أي علاقة حميمة. فقال آزر: - إن ديني أكبر من كل ذلك. فأطلعه النمرود على المهمة وأرسله إلى المدينة. لما وصل إلى هناك وأنجز مهمته على أكمل وجه، وكان يتهيأ للعودة إلى المعسكر، خطرت له فكرة: «لم لا أزور أهلي؟». فدخل على زوجته، فلما رآها بعد فراق طويل، لم يستطع السيطرة على نفسه، فضاجعها وحبلت منه بابراهيم. فلما حبلت زوجة آزر بابراهيم، جاء العرافون إلى النمرود، وقالوا له: - الطفل الذي أخبرناك بأمره علق برحم أمه اليوم. فما كان من النمرود إلا أن أمر بإحضار جميع نساء المدينة وحبسهن، باستثناء أم ابراهيم التي كانت صغيرة، ولا أحد فكر أن بإمكانها أن تحبل. وحين بدأت بطنها تنتفخ، خاف آزر من أن يذبحوها أو يذبحوا الطفل، فحمل زوجته إلى منطقة بين الكوفة والبصرة وجعلها في مأمن بإحدى المغارات ووفر لها ما تحتاج إليه، وظل يعتني بها سرا. لما وضعت الطفل، أرضعته ثم تركته وحيدا في المغارة بعد أن أغلقت المدخل. عادت إلى قومها وأخبرت آزر بأنها وضعت طفلا ميتا، فصدقها ولم ينبس بكلمة. في هذه الأثناء، كانت تتردد كل يوم على المغارة لتعتني بابنها. كانت تجده سالما معافى ويرضع اصبعه. كل يوم يمر على الطفل بالمغارة كان بشهر، وكل شهر بعام. ولما كبر، سأل أمه: - من هو ربي؟ قالت: - أنا. - من هو ربك؟ - أبوك؟ - ومن هو رب أبي؟ - النمرود. - ومن هو رب النمرود؟ - اصمت. فصمت ابراهيم. عادت أمه إلى أهلها، وقالت لزوجها: - ذلك الطفل الذي سيغير ديانة العالم.. - ما شأنه؟ - إنه ابنك. واعترفت له بكل ما فعلته بالصبي ورددت أمامه كلام ابراهيم. فذهب آزر إلى المغارة. فما أن لمح ابراهيم أباه حتى سأله: - يا أبتي، من هو ربي؟ - أمك؟ - ومن هو رب أمي؟ -أنا. - ومن هو ربك؟ - النمرود. - ومن هو رب النمود؟ - اصمت. فصمت ابراهيم. وبعد مدة، أتت أمه لزيارته تحت جنح الليل، طلب منها ابراهيم أن تحمله خارج المغارة. كانت ليلة ظلماء، وكان القمر غائبا، فلمح ابراهيم نجما يلمع في السماء، فقال: - هذا ربي. ولما أفل النجم، قال ابراهيم»: - لا أحب الآفلين. وفي الليلة الثامية، غادر المغارة فرأى القمر لحظة اكتماله، وقال: - هذا ربي. لكن القمر أفل بدوره. فقال إبراهيم - «لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ».