.. هم نجوم طبعوا الأغنية المغربية بإبداعاتهم الرائعة، وتميزوا بإسهاماتهم وبأفكارهم وعملهم الفني النير، منهم شعراء وزجالون، ومنهم ملحنون ومطربون وموسيقيون ومغنون .. هؤلاء الرواد تركوا علامات بارزة في التاريخ الفني الموسيقي المغربي منذ بداية انطلاقته في بداية الثلاتينات من القرن الماضي . لقد صنعوا المجد لوطنهم ورسخوا معالم الأغنية المغربية بصفة عامة والأغنية الأمازيغية والشعبية و العصرية بصفة خاصة ، ومزجها بعضهم بفن العيطة التي هي مكون أساسي من مكونات تراث غنائي شعبي أصيل . كما يوجد من بينهم نجوم في الموسيقي الأمازيغية التي لها مسار فني غني بتجربة متميزة. ومنهم من أسس لأغنية مغربية عصرية وارتقوا بها إلى مستوى عال .. ومنهم من حافظ على مكانة الموسيقى الأندلسية (طرب الآلة) بالمغرب التي هي متميزة بمدارسها الثلاثة الرئيسية : مدرسة عبد الكريم الرايس بفاس، مدرسة أحمد الوكيلي بالرباط، ومدرسة محمد العربي التمسماني بتطوان . ثم فن السماع والملحون والإيقاع ... هؤلاء النجوم قدموا للفن الموسيقي وللأغنية المغربية وللحن خدمات جليلة ، استطاعوا بأعمالهم الجميلة حمل مشعل التراث الفني الأصيل للأغنية واللحن والموسيقى بالمغرب، ومن ثمة إيصال هذا التراث الفني إلى الأجيال الصاعدة، وربطوا الجسور مع الأجيال المقبلة ، قبل أن يودعونا ، تاركين لنا أجمل الأعمال الخالدة. والتي من الصعب أن نجد رجالا بقيمة الرواد الأولون. في سنة 1960 عين الرايس مديرا للمعهد الوطني للموسيقي بفاس ، في الستينيات عرف الجوق نشاط متعدد الأوجه ، الذي احتضنه معهد دار عديل بعد ترميمه ، وهي المهمة التي ظل يشغلها إلى حين وفاته . و كون عبد الكريم الرايس أجيالا من الموسيقيين والحفاظ والمرددين ، بتشجيعه ورعايته وتوجيهه حتى باتت لجوق البريهي مكانة متميزة في فضاء الموسيقى الأندلسية . شارك في عدة لقاءات ومؤتمرات كمؤتمر فاس سنة 1969 ، قام الرايس بتوثيق نوبة غريبة الحسين على أشرطة اللايزر متضمنا كل المستعملات والصنائع . في سنة 1970 أصدر كتيب الدروس الأولية في الموسيقى الأندلسية ، كما دون رفقة محمد بريول النوتات الأندلسية بالترقيم الموسيقي (النوتة)، وأصدرمدونات نوبة «غريبة الحسين» وهو العمل الذي استحق سنة 1980 جائزة المغرب للكتاب . وأعظم إنجاز حققه في سنة 1982 كتاب سماه «من وحي الرباب» ، المحتوي على الأشعار والأزجال المستعملة في غناء صنائع الموسيقى الأندلسية حسب رواية شيخه محمد البريهي ، ونوط مجموعة من النوبات الأندلسية حسب الرواية الفاسية في كتاب «نوبة غريبة الحسين» الصادر ثلاث سنوات بعد ذلك في نهاية الثمانينات سجل أربع نوبات بكاملها هي الماية ، والحجاز الكبير ، والإستهلال ، والحجاز المشرقي . في سنة 1985 أنعم عليه الملك الراحل الحسن الثاني بوسام العرش من درجة فارس . كان عبد الكريم الرايس عازفا على ربابه البسيط ، وهو الدليل الرئيسي لجوق البريهي بكامله ، به ينطلق وبه يتوقف وبه يختم ، به يتألف الجوق ليستعمل الطقس الأندلسي بفاس ... لايذكر جوق البريهي إلا ومعه عبد الكريم الرايس ، في هذا الجوق المتميز والمتمكن من آلته . استلم الرايس نواته الأندلسية الأولى من مؤسس الجوق وهو البريهي ، وعبر هذه الحقيقة من العطاء والتكوين ، عمل الرايس على التراث البريهي من الضياع ومضيفا إليه . وقام بتشجيل أربع نوبات هي الماية والإستهلال والحجاز الكبير المشرقي ، قدم منذ الإستقلال تسجيلات رائعة للإذاعة الوطنية . توفي يوم 27 غشت 1996 عن عمر يناهز 84 سنة ، بعد مرض ألزمه الفراش . تاركا اعمالا فنية واضحة في سجلاته وهو الذي كان طيلة حياته يعلم الموسيقى الأندلسية لصالح إدارة الشؤون الثقافية بمتحف البطحاء خاصة بعد وفاة المعلم محمد كريش . وكانت له لغة خاصة مع رفاق الطريق وهما الوكيلي والتمسماني . انتهى