إسمها نجود، فتاة بسيطة صغيرة، تنحدر من محافظة «حجة» شمال غرب اليمن حيث تعيش مع والديها رفقة 16 من الأخوة والأخوات. تعتقد نجود أنها تبلغ من العمر عشر سنوات، ففي بلدها اليمن لا يتوفر السواد الأعظم من أبناء البوادي على وثائق ثبوتية، وغالبيتهم لا أثر لهم في سجلات الولادة. مثل أي فتاة في العاشرة من العمر، تعشق نجود اللعب بين أزقة قريتها، وتحب لعبة القط والفأر مع صديقاتها وأخواتها، والألوان المفضلة لديها هما الأحمر والأصفر، وهي تفضل الشوكولاتة وجوز الهند، وتحب الكلاب والقطط، كما أنها لم تعرف البحر مطلقاً وتحلم بأن تعانق يوما أمواجه. نجود علي رفقة الصحفية الفرنسية ديلفين مينوي، تقربنا من تفاصيل تجربتها الفريدة، التي صاغتها في كتاب عنونته ب«أنا نجود، عممري 10 سنوات، مطلقة» كان من الصعب على القاضي عبدو أن يخفي مفاجأته. تريدين الطلاق. نعم لكن.. هل تريدين القول أنك متزوجة؟ نعم. كان ذا ملامح وجه بسيطة. كان يرتدي قميصا أبيض ناصعا مما اعطاه نوعا من الإشعاع على لون جلده الأسمر. غير انه بمجرد أن سمع جوابي، اسوّد وجهه. يبدو انه وجد صعوبة في أن يصدقني. في هذا السن.. كيف تمكنت من الزواج؟ أريد الطلاق! رددتها بصوت جازم، دون أن أنتبه إلى سؤاله إلي. لقد وجدت صعوبة في أن أفهم لماذا. حينها لم تنتبني لحظة بكاء أو نحيب وأنا أتحدث إليه. أحسست كما لو أنني أفرغت كل ما كانت تختزنه عيناي من دموع. كنت أحس أني مضطربة، غير أنني الآن، اعرف ماذا أريد. إنني أريد أضع نهاية لهذا الجحيم. لم أعد قادرة على أن أعاني في صمت. أنت ما تزالين صغيرة، ولم يشتد عظمك بعد. نظرت إليه وأنا أحرك رأسي. أما هو فقد بدأ في حك شاربيه بانفعال. عسى ان يقبل إنقاذي. انه قاض قبل كل شيء وإنه بكل تأكيد يتمتع بسلطة كبيرة. ولماذا تريدين الطلاق؟ اجابني، بنبرة صوت عادية، كما لون أنه يريد أن يخفي ما اعتراه من استغراب. واجهته وعيناي متسمرة في وجهه. لأن زوجي يشبعني ضربا! جوابي هذا كان أشبه بصفعته على وجهه. فتسمر وجهه من جديد. لقد تمكن من أن يفهم أن ثمة شيئا خطيرا حدث لي وأنه ليس هناك سبب يجعلني اكذب عليه. ودون مراوغة، وجه إلي بشكل مباشر سؤالا بالغ الأهمية: هل ما تزالين عذراء؟ ابتلعت ريقي. لقد أحسست بالخجل في ان اتحدث إليه عن أشياء من هذا القبيل. ففي بلدنا دعت الضرورة أن تحافظ النساء علي ما يكفي من المسافة في تعاملهن مع رجال لا يمتن لهن بصلة ولا يعرفهن. خاصة، ان هذا القاضي، وبعد كل هذا، انها المرة الأولى التي التقيه فيها. لكن في هذه اللحظة بالذات، فهمت، كوني إذا ما أردت أن أجد مخرجا، فعلي أن أرتمي في الماء. لا... سال مني دم. كان مصدوما لجوابي. فعلى حين غرة، اعتقدت أنه بدأ يتراجع ويبدل رأيه، غير اني لاحظت تفاجأه، وانه يحاول ان يخفي شعوره نحوي. فقد تنفس الصعداء، قبل ان يستمر في حديثه الي: إني سأساعدك! في حقيقة الأمر، أحسست براحة غريبة، لأنني تمكنت أخيرا أن أجد من أحكي له أسراري. لقد تخلصت من حمل كان على اكتافي. فقد لمحته يأخذ هاتفه بلمسة مرتعشة. لقد سمعته يتبادل ملاحظات مع شخص آخر، زميل له بكل تأكيد. حين كان يتحدث، كان يلوح بيديه في كل الاتجاهات. اعتقد انه كان جازما في رغبته من ان يجد لي مخرجا من هذا الكابوس حيث انا، شريطة أن يجد لذلك حلا نهائيا. بقليل من الحظ كانت له ردود فعل سريعة جدا.. فانطلاقا من هذا المساء، يمكنني أن أعود الى منزل والدي لألعب من جديد مع إخوتي وأخواتي. ساعات قليلة من الآن، سأصبح مطلقة! حرة طليقة من جديد. دون زوج، دون خوف من إحساسي وحيدة حينما يبدأ الليل يسدل خيوطه، وأنا رفقة زوجي في نفس الغرفة. دون خوف من أن أذوق مزيد عذاب الضرب والتعذيب... لقد سررت بسرعة لما يحدث. صغيرتي، تعرفين، أن هذا يمكنه ان يحتاج منا وقتا يزيد عن ما يمكنك ان تتصورين. انه ملف شائك. ولا يمكنني، للأسف، ان أضمن لك ان ستربحين القضية. الرجل الثاني، الذي التحق بنا بالقاعة كان أخفى ما بداخلي من اندفاع. اسمه محمد الغازي. كان يظهر على انه منزعج. انه وكيل المحكمة، ورئيس القضاة، كما أوضح لي ذلك عبدو. أنه يقول، انه لم يشهد قط حالة نظير ما أعانيه اليوم طيلة مساره المهني. كلاهما كان لايتوانى في منحي فيضا من شروحات تبين ان الفتيات في اليمن يتزوجن صغيرات السن، قبل السن القانونية وهي سن الخامسة عشرة. انها عادة قديمة، يضيف القاضي عبو، ففي حدود علمه من بين كل هذه الزيجات السابقة لهذا السن لم يتم قط طلب الطلاق بشأن واحدة منها.. لانه لم يسبق لأي فتاة صغيرة، إلى حدود الآن، انتقلت الي المحكمة لأجل هذا. إن الامر يتعلق بشرف العائلة، يقولان.. اما حالتي فهي استثنائية.. ومعقدة.