تتحدث كل طيور العالم المغردة لغة الشذو والموسيقى النابعة من سحر الطبيعة، وتتحدث الشعوب عن خصوصيات تراثها وتقاليدها، وتعاملها مع باقي الكائنات. ويتحدث هواة تربية الطيور المغاربة لغة العشق والانصهار في عالم خاص لا يمكن الحكم عليه بمجرد النظرة الأولى. يعشقون أن ينادى عليهم بلفظة «الماليع»، وهي كلمة السر بينهم لقياس مدى تعلق كل فرد بهوايته، وبطائره، سواء كان حسونا أم كناري مالينوا أو فلاوطا أو غيرها... تتعدد أسماء الطيور وأشكالها وخصوصياتها، وتبقى الهواية أو «الولاعة» قاسما مشتركا بين جميع الهواة، لتصل حد الجنون أحيانا. ويعيش الهواة في ارتباطهم بهاته الحيوانات الفريدة قصصا مثيرة، فبعضهم قد يصل به التعلق بطائر معين حد مبادلته بمعطف جلدي، أو حتى بسيارته، كما يروج في أوساط «الماليع»، لأن العشق أعمى، ولم يعد هناك هدف لدى العاشق سوى الوصول إلى معشوقه مهما كان الثمن باهظا في نظر الآخرين، فإنه بالمقابل لا يساوي شيئا لدى العاشق، وهذا دخول قوي في مقام العشق لا يعلمه إلا المريدون. «الاتحاد الاشتراكي» اقتحمت على «الماليع» عالمهم الخاص، وتقاسمت معهم هذا العشق والجنون، لتهديه إلى قرائها كتغريدات منعشة... أتذكر بأن أخوالي كانوا يملكون طيور الكناري، حينها كان عمري 8 سنوات، علمت أن جدي كان من هواة تربية الطيور المغردة، حيث جلب بعض هذه الطيور من فرنسا في سبعينات القرن الماضي إلى مدينة الصفاقس التونسية التي رأيت فيها النور، وعشت فيها مع أسرتي ردحا من الزمن. انتبه أخوالي لبداية اهتمامي بهاته الكائنات الجميلة، حيث كنت أقف لمراقبتها بكل حب الصغار، أنذاك أهداني خالي مراد الزواري طائر كناري، فرحت به كثيرا، وأبديت استعدادا كبيرا للإهتمام به، وبعد ذلك اشتريت خمسة أزواج منها حين استأنست بالأمر، كان خالي يعينني على تربيتها، ويعلمني كيفية العناية بها. مازلت أذكر أن خالي كان يملك طيور الهجين أو «الميستو» لأنه كان خبيرا بالمزاوجة، حقيقة لم أدرك معنى تسمية ذلك النوع من الطيور إلا فيما بعد، لكن ما تأكدت منه هو أن هذا الطائر له قيمة فنية هائلة، نظرا للإهتمام الكبير به من طرف خالي. أحسست بقيمة وجمال الطيور فعلا في تلك الفترة وسني بالكاد يصل إلى 14 سنة ، إذ أنني من مواليد عام 1974. كانت سنة 1995 سنة مميزة فعلا حين انتقلت للعيش في المغرب، جئت إلى هنا وأنا أحمل معي «الولاعة» التونسية، كان التونسيون مولعين بطائرالحسون «الخلوية»، أي التي تم إمساكها وهي بالغة «مْحمرة» دون تلقينها مقاطع تغريدية. اضافة إلى طائرالكناري العادي، كما أن طيور المالينوا والهارز كانت قليلة مقارنة مع باقي الطيور. سنة 2000 شدتني «الكوبية» وهي مدرسة في التغريد، فاشتريت طائر حسون من «رشيد لمين» من آسفي وهو مولوع قديم أبا عن جد، لم يدم احتفاظي بالطائر أزيد من 4 أشهر فمات. وبعد ذلك بحثت حتى التقيت عبد الحق زهويلي واشتريت منه طيور حسون وهجين، والذي افادني بمعلومات كثيرة في هذا الميدان. حادثة قوية مررت بها كادت تودي بحياتي، حين جلبت طائر «ميستو» من اسبانيا، سنة 2004 ، وتركته في منزل والدتي بمدينة أكادير، كان رائعا، أذكر أنه في أحد أيام رمضان ذهبت عند والدتي لأتفقد طائري، وجدته ميتا، فصعقتني المفاجأة، وسقطت مريضا لمدة ثلاثة أيام لا أستطيع الحراك، قدم الطبيب وأخبرني أني أصبت بانهيار عصبي كاد يقتلني، ووصف لي علاجا لأربعة أيام أخرى. حاليا أملك طائر حسون اطلقت عليه اسم «بوربكة» لأن فيه علامة بيضاء في أسفل عنقه استقدمته من اسبانيا، إنه يجيد تغاريد «مالاگا»، وهي مدرسة قوية في التغريد، «بوربكة» يغرد مقاطع صعبة، وليس فيه عيوبا، علاقتي به رائعة فمنذ سنتين وهو عندي، حدث أن وجدته مريضا، تبدلت أحوالي، فأصبحت شاردا ولم أعد أشتغل بجديتي ونشاطي المعهود. تعلقت بهذا الطائر بجنون حتى إنه لما تعافى فرحت كثيرا وابتهجت كأنه يوم عيد. قد أقضي يوما كاملا مع طيوري دون ملل، أركب مقاطع التغريد، وأهتم بتغذيتها ونظافتها. أمضي يوميا معدل خمس ساعات معها. أملك حاليا طائر «ميستو» ينافس «بوربكة» على عرش حبي، حين أراه ولو في ساعة متأخرة من الليل، أخاطبه ب«تبتبيتة» وهي طريقة يستعملها الهواة لمحاكاة صوت الطائر وجلب انتباهه، فيعرف بأني هنا ويستقبلني بتغاريده المميزة والمتنوعة، إنه يدخل الدفء إلى قلبي، ويجعلني أطير معه في عوالم الجمال اللامنتهية. لم أتصور يوما أي طعم للحياة دون هاته الطيور التي تعلقت بها لدرجة الهيام، أحاورها وأحس كأنها تفهم لغتي وتبادلني الحب عبر تغريداتها. حقا إنه عالم رائع يجعلنا نستمتع في ضيافة مملكة الطيور.