1) السياق العام لطرح الإشكالية: لاشك أن موضوع تخليق الحياة العامة الذي أسال مداد العديد من أقلام المهتمين و منابر الإعلام عبر ما نظمته أحزاب الصف الديمقراطي و على رأسها الاتحاد الاشتراكي و كل اليسار المغربي و العديد من المنظمات الحقوقية و الجامعات و مكاتب الدراسات بها من ندوات و موائد مستديرة و أيام دراسية انتهت كلها برفع توصيات و تقارير إلى كل من يهمهم الأمر و الساهرين على تدبير الشأن العام قصد التصدي لكل أشكال الفساد الذي اخترق اليوم حتى المجال السياسي و أفسد العمليات الانتخابية. و إذا كانت التقارير و التوصيات التي رفعتها الجهات السالفة الذكر في شأن التخليق تعد من الأهمية بمكان فلأن الأمر يرتبط بحقوق الإنسان و استمرار الفساد يعد مسا بحقوق الأفراد و المجتمع بل من أخطر المعيقات الأساسية في التنمية، لذلك فإن تنفيذ هذه التوصيات هي من أهم مظاهر التخليق لكونه ذو طبيعة شاملة. لقد دخل المغرب مرحلة الانتقال الديمقراطي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، هذا الذي لم يؤسس بعد لممارسة ديمقراطية حقيقية تحترم المنهجية الديمقراطية بناء على نتائج الانتخابات في تعيين الوزير الأول، كما أن هذه المرحلة تميزت بإصدار ترسانة قانونية شملت كل المجالات و عالجت العديد من الإشكالات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية تصب أغلبها في ترسيخ الحكامة الجيدة و الشفافية و النزاهة من خلال إعادة بناء العلاقة على هذه الأسس بين المؤسسات فيما بينها و بين المواطنين في إطار مصالحة الدولة مع المجتمع لكن يظل ذلك بعيد المنال لأن كل التقارير الأخيرة الصادرة عن المنظمات الدولية لا زالت ترتب المغرب في مراتب غير مشرفة و المتعلقة بمؤشر التنمية البشرية فالمغرب يمكن اعتباره بلد التشريع بامتياز في نفس الوقت بلد لا منفذ للتشريع و الأمثلة كثيرة في مجالات متعددة كان آخرها الارتباك في التعامل مع الفصل الخامس من قانون الأحزاب و هو ما يجعل ديمقراطيتنا بدون ثوابت. 2)قراءة في المشهد الانتخابي: إن المتتبع لما جرى بين يوم السبت 30 مايو و 12 يونيو 2009 لا يمكن إلا أن يجزم بوجود فساد انتخابي حقيقي و لا أدل على ذلك بعض المشاهد و الشهادات التي نقلتها بعض وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئية و التي لا تترجم إلا الواقع المعيش إنها محطة لا يمكن إلا أن نسميها بموسم الفساد الذي تمارس فيه كل أنواع الإباحية السياسية بدءا من تشكيل عصابات مدججة بالأسلحة البيضاء تمنع بعض الأحزاب من ولوج بعض الدوائر المحفظة على بعض الأشخاص دون الآخرين، إلى استعمال المال الحرام ناهيك عن الممارسات الدنيئة داخل الدكاكين الانتخابية. هكذا اختارت هذه الأحزاب خوض حملاتها الانتخابية منذ 1983 في غياب أي بعد سياسي للعملية الشيء الذي يشوش على الأحزاب الوطنية و الديمقراطية. كل هذا بسبب عجز مرشحي هذه الأحزاب التي ولدت في الفساد من المواجهة مع المواطنين و تقديم الحصيلة و الدفاع عنها لأنهم هم من سهروا على تدبير ولاية 2003/2009 و فضلوا اللجوء إلى استعمال زغاريد النساء و صراخ الأطفال و منبهات السيارات مع رفع شعارات التمويه والتهريج. 3) بعض الأسس التي يرتكز عليها مبدأ تخليق الحياة العامة: يشغل موضوع تخليق الحياة العامة مكانة أساسية في القانون الدولي، الشيء الذي يفرض على الدولة المغربية التوفر على سياسة لمحاربة الفساد لضمان فعل ديمقراطي إيجابي للمؤسسات و مساهمة المواطن في صنع القرار. و بالعودة إلى التاريخ الانتخابي في بلدنا السعيد و ما وصل إليه الوضع السياسي من فساد فإنه لا بد من القول بل الاعتراف بأن أصل الفساد ارتبط بممارسة السلطة (المخزن) منذ بدأت محاولات اختراق الأحزاب الديمقراطية من أجل إضعافها و تسليط كل أشكال القمع ضد مناضليها، و تزوير نتائج الانتخابات بالأشكال المعروفة لدى الجميع ليتخذ هذا الفساد اليوم أشكالا جد متطورة في حياد سلبي للسلطة و أمام أعينها التي لا تنام و هذا ما يجسده استعمال المال الحرام و الجاه إضافة إلى ضغوطات تتمثل في التخويف و الترهيب و التعنيف، كل ذلك قصد التحكم في النهاية في الخريطة السياسية. و اليوم، و بناء على ما عرفته هذه المحطة الانتخابية 2009 من فساد يؤكد استمرار ما وقع في انتخابات تجديد ثلث غرفة المستشارين سنة 2008 و الذي تبث من خلال عملية التصنت التي انتهت بإصدار أحكام تلغي بعض الدوائر الانتخابية. ففي الوقت الذي تكاد برامج أغلب الأحزاب تجمع على مبدأ التخليق يلاحظ العكس على مستوى الممارسة الشيء الذي جعل مفهوم تدبير الشأن المحلي يرتبط بشيوع الفساد و يمكن من الاغتناء السريع و إذا كان هذا الواقع المؤلم يحول دون تنمية المجتمع و تطوره فإن على الأحزاب السياسية تدبير الممارسة و السلوك السياسيين ليصبحا عربونا الحكامة الحزبية التي تنطلق من قدرة الحزب على اختيار مرشحين أكفاء و نزهاء يحظون بثقة الجميع و مقتنعون بهويتهم الحزبية. و بناء على كل ما سبق أصبح من اللازم اعتماد التوصيات التي أسفرت عنها كل النقاشات كركائز مؤسسة لتخليق الحياة العامة وأذكر منها: 1) تحويل التوصيات التي أسفرت عنها كل النقاشات إلى قرارات سياسية. 2) دعوة الأحزاب إلى القيام بدورها الحقيقي في تأطير المجتمع لنشر سياسة ثقافية نظيفة. 3) إشاعة قيم المواطنة. 4) تفعيل قانون التصريح بالممتلكات يطال الزوجات و الأبناء. 5) إعمال التدابير المرتبطة بالمسائلة و عدم الإفلات من العقاب. 6) إحداث هيئة وطنية لمحاربة الفساد. 7) دعوة المجتمع المدني و وسائل الإعلام إلى تحمل مسؤوليته في هذا المجال. و خلاصة القول أن إصلاح الحياة السياسية أصبح مطلبا ملحا و يتطلب تدابير جريئة من طرف السلطة الوصية و المسؤولة عن كل ما يجري كما أن المؤسسة البرلمانية مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى إخراج مدونة خاصة بتخليق الحياة العامة توفر لها كل آليات الأجرأة والتفعيل