هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل الأحزاب السياسية على ضوء مبادرة الحكم الذاتي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 02 - 2010

ننطلق في هذا المقال من الإشكالية التالية: ما حجم التأثير المفترض لمبادرة الحكم الذاتي على طبيعة الأحزاب السياسية؟
وهل يمكن لهذه المبادرة التي ستعيد بكل تأكيد توزيع الصلاحيات و الحدود بين القرار السياسي و الاقتصادي المحلي و القرار المركزي، ألا تطرح قضية التفكير في توزيع مواز للصلاحيات بين القرار الحزبي المحلي/الجهوي و القرار الحزبي الوطني؟
و ألا يمكن أن تذهب المبادرة، التي ستخلق فضاء مؤسساتيا لحياة سياسية جهوية، برهانات و مواضيع و تفاعلات خاصة، إلى الحد الذي يوفر كل شروط إنشاء أحزاب سياسية جهوية؛ و في هذه الحالة ماذا عن القيود القانونية و المخاطر السياسية التي ستعترض هذه الأحزاب.
هذه الإشكاليات، تبقى مؤطرة بسؤال التاريخ، تاريخ فكرة المركزية /الجهوية، داخل البنية التنظيمية للحزب المغربي، هذا الحزب الذي انطلق بهوية مركزية، ثم حاول أن يساير التوجه المحتشم للدولة نحو الجهوية خلال عقد التسعينات، يجد نفسه اليوم غير قادر على الالتفاف على فكرة الجهوية و على أفق «الفيدرالية».
أولا: هيمنة الفكرة المركزية داخل الحزب المغربي:
لقد شكلت «المركزية جزءا من الهوية المؤسسية للحزبية المغربية، إذ من الواضح أن سؤال الجهوية داخل الحزب المغربي، ظل من الأسئلة التي توجد داخل مجال «اللامفكر فيه» على مستوى التمثلات و المرجعيات التنظيمية التي أطرت التفكير في الصيغ التي انتظم حولها النشاط الحزبي المغربي منذ بداياته الأولى.
وهكذا لم تعمل التجارب الحزبية المغربية بنموذجيها « المتصارع مع الدولة» و « المتماهي « معها، إلا على إعادة إنتاج نفس التنظيم المركزي، «اليعقوبي» لجهاز دولة ما بعد الاستقلال1(1) .
إن استبطان الأحزاب المغربية للفكرة المركزية، يبدو قابلا للتفسير عندما نعود إلى السياقات السوسيولوجية و التاريخية والفكرية و السياسية التي أطرت و صاحبت مسلسل ظهور « الحزبية المغربية».
فالعودة إلى السياق السوسيولوجي و التاريخي للظاهرة الحزبية، تحيل على تجربة الحركة الوطنية كحركة حاضنة لبدايات العمل الحزبي، و هي تجربة ارتبطت أساسا بالنخب المدنية و الحضرية، داخل كبريات المدن المغربية (فاس، الرباط، مراكش)، و فضلا عن تمركز النخب لاشك أن ظروف النضال الوطني ضد الاستعمار قد فرضت على الانوية الحزبية التي أفرزتها المرحلة الوطنية، العديد من الاحترازات التي أدت بها إلى تحصين قرارها السياسي، الذي تحول إلى قرار مركزي بيد القيادة.
و لاشك أن السياقات الفكرية، قد لعبت دورا في تقوية النزوع المركزي للحزب المغربي، فبالنسبة لجزء كبير من الخريطة الحزبية المغربية تم استلهام العديد من التمثلات الفكرية حول قضايا التنظيم الحزبي، من النموذج الفكري الأكثر رواجا خلال حقبة الستينات و ما بعدها، ألا و هو التصور اللنيني للتنظيم الحزبي و الذي نجد العديد من الإشارات إليه في الكتاب المشهور «ما العمل» ، و الذي يلخص النهج الذي سيعرف فيما بعد « بالمركزية الديمقراطية».
فلاشك أن الكثير من النخب في أحزابنا قد استكانت و استمرأت بعض الامتيازات التي اخذتها عنوة و قسرا من شعار « المركزية الديمقراطية»، فطبقت المركزية بدون ديمقراطية». 12
ملاحظة أخرى ضمن نفس السياقات الفكرية، تتعلق بالتجربة الفرنسية و التي غالبا ما تفرض نفسها كمرجعية للاستلهام من طرف النخب المغربية، فمن الواضح أن «الحذر الثقافي» للثقافة الفرنسية من النزوعات الجهوية، لم يساعد النخب الحزبية المغربية على التفكير في اتجاه تعزيز الجهوية.
المؤكد أن السياقات السياسية التي عرفها المغرب، بعد حصوله على الاستقلال، جعلت الخيار المركزي بالنسبة للأحزاب السياسية يبدو تقريبا كخيار وحيد.
فالدولة نهجت نهجا مركزيا في التسي ير و التدبير، و هو ما جعل الحياة السياسية الوطنية تتمحور حول القرارات و السياسات المعلنة في المركز.
فضلا عن أن التوتر الذي عاشته البلاد من خلال احتدام الصراع السياسي بين الدولة و جزء من الحركة الوطنية و اليسار، خاصة خلال ما يعرف بسنوات الرصاص، جعل من شعار « الوحدة و المركزية» لدى الأحزاب يعادل موضوعيا الصيغة الوحيدة و الممكنة للوجود و الاستمرار. إن التفكير في منح الجهات صلاحيات تتعلق بالقرار السياسي و التنظيمي كان سيبدو في هذه الحالات أقرب ما يكون إلى « الترف الفكري» منه إلى الجواب عن أسئلة البقاء التنظيمي التي طرحت بحدة في فترات التقاطب بين الدولة و بين الحقل الحزبي خلال الستينات و السبعينات.
لقد أدى تغييب النقاش حول البعد الجهوي داخل الأحزاب المغربية، إلى اختزال كل قضايا « المسألة التنظيمية» و إشكاليات « الديمقراطية الحزبية»، في الجوانب المتعلقة بالتوزيع العمودي للسلط الحزبية، بين القيادة التنفيذية و الهيأة التداولية، أو بين القيادة السياسية و التيارات الحزبية، و لاشك أن هذه الخطاطة التي لا تتسع لتشمل إشكاليات توزيع السلط بين المركز و الجهات، هي التي أطرت كذلك العديد من الباحثين في الظاهرة الحزبية المغربية 3 .
ثانيا: احتشام الخطوات الجهوية للحزب المغربي:
ترتبط هذه اللحظة بالإقرار الدستوري، ثم القانوني للتنظيم الجهوي داخل الهندسة الإدارية المغربية، خلال عقد التسعينات.
إذ حاولت الأحزاب المغربية أن تتماشى مع خطوات الدولة اتجاه الجهوية الإدارية، وذلك من خلال مستويين:
المستوى الأول: يرتبط بضمان تمثيلية الجهات داخل الأجهزة الحزبية الوطنية
المستوى الثاني: يرتبط بخلق بنيات حزبية جهوية، تنضاف إلى البنيات المحلية، الإقليمية و الوطنية.
أ - على مستوى تمثيلية الجهات داخل الأجهزة الحزبية الوطنية:
ظلت الأجهزة الحزبية الوطنية، سواء المكاتب السياسية أو اللجان التنفيذية و اللجان المركزية أو المجالس الوطنية، إلى حدود التسعينات، تنتخب في الغالب بغض النظر عن احترام أي تمثيلية ممكنة للجهات و الأقاليم، و كانت الحجة المقدمة دوما للدفاع عن هذا الاختيار تنطلق من كون معايير العضوية في الأجهزة القيادية يجب ألا تعتمد على المنطق الجغرافي بقدر ما يجب أن تعتمد على عناصر الاحترافية و المداومة و المواظبة و متابعة الملفات و الكفاءة 4 .
و لعل هذا الاختيار هو ما زكى إضعاف البعد الجهوي لتركيبة الأجهزة القيادية للأحزاب المغربية، التي ظلت لفترة طويلة مقتصرة على المنتسبين المنتمين لمحور الرباط ، الدار البيضاء.
لقد اشتغل مثلا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ مؤتمره الوطني الخامس المنعقد سنة 1989 و إلى حدود أبريل 2001 تاريخ انعقاد مؤتمره الوطني السادس، بقيادة وطنية لا علاقة لها بتمثيلية الجهات، فعلى مستوى جهازه التنفيذي ( المكتب السياسي) كانت نسبة أعضائه القاطنين بالرباط هي 61 % ، فيما نسبة القاطنين بالدار البيضاء تمثل 38%، أما على مستوى جهازه التقريري ( اللجنة المركزية) فكانت نسبة القاطنين بالرباط تمثل 38 %، و نسبة القاطنين بالدار البيضاء تمثل 24%، و هذا معناه أن هذين المدينتين و حدهما تمثلان أكثر من 62% من مجموع الأعضاء، و لعل هذا ما جعل هذا الجهاز الوطني لا يضمن تمثيل الأقاليم بكاملها مثل ( بولمان، وجدة، تازة، الراشيدية، بني ملال، تزنيت، اسفي، خريبكة، سيدي قاسم، بركان، الصويرة، ورزازات، فكيك، قلعة السراغنة، تاونات ، الحوز، الشاون)5 .
و خلال المؤتمر الوطني السادس لهذا الحزب(2001)، سيقرر العودة إلى صيغة الازدواجية على مستوى الهيئات التقريرية الوطنية، من خلال اللجنة الإدارية التي تنتخب بواسطة الاقتراع السري من طرف المؤتمر الوطني(189 عضوا)، ثم اللجنة المركزية و التي تعتبر أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر و التي تتكون، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية، كتاب الأقاليم و منسقي القطاعات و ممثلي الشبيبة و النساء و البرلمانيين و فعاليات أخرى.
ولا شك أن هذه الصيغة قد استطاعت إعادة البعد الجهوي للقيادة الوطنية للحزب، هذا البعد الذي سيتعزز خلال المؤتمر الوطني السابع لنفس الحزب المنعقد أيام 10-11-12 يونيو 2005، الذي سيحسم مع صيغة الازدواجية على مستوى الهيئات التقريرية الوطنية، و ذلك بالاعتماد على صيغة المجلس الوطني المكون من فئتين، الأولى: منتخبة مباشرة من طرف المؤتمر بما يضمن تمثيلية الجهات، الثانية: تشمل ممثلي الكتابات الإقليمية و الجهوية و القطاعات الحزبية ..، و هي نفس الصيغة التي سيعتمدها المؤتمر الثامن لهذا الحزب ( 7-8-9 نونبر 2008).
و يعتبر حزب الاستقلال من الأحزاب الأولى التي اعتمدت صيغة لانتخاب الهيأة التقريرية تضمن معها تمثيلية كل الجهات والأقاليم، إذ منذ المؤتمر العام الثالث عشر للحزب ( 22 فبراير 1998) يتم انتخاب ثلثي أعضاء المجلس الوطني من المؤتمرات الإقليمية، فيما ينتخب الثلث الباقي من طرف المؤتمر العام.6
و بالنسبة للتجمع الوطني للأحرار، فإن أعضاء اللجنة المركزية للحزب ينتخبون حسب تمثيلية كل عمالة أو إقليم أو مدينة داخل المؤتمر الوطني.7
أما فيما يتعلق بحزب العدالة و التنمية، فإن تكوين مجلسه الوطني يتضمن المنسقين الجهويين كأعضاء بالصفة داخل هذه الهيئة التقريرية8 . و على نفس الشاكلة تضم اللجنة الوطنية لحزب الاتحاد الدستوري الكتاب الجهويين و الاقلميين9 .
فيما ظلت جبهة القوى الديمقراطية تعتمد الازدواجية على مستوى الهيئات التقريرية، إذ من جهة هناك اللجنة الوطنية المنتخبة مباشرة من طرف المؤتمر، و من جهة أخرى هناك المجلس الوطني و الذي يضم، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الوطنية، أعضاء بالصفة يوجد ضمنهم كتاب العمالات و الأقاليم10 .
ب - على مستوى خلق بنيات حزبية جهوية:
بنوع من التدرج المحتشم، انطلقت منذ سنوات قليلة عملية انفتاح الهندسة التنظيمية للأحزاب المغربية على بنيات جديدة ذات طبيعة جهوية، بعد أن ظلت لسنوات مقتصرة على أبعاد ثلاثة هي: الأجهزة الوطنية و الإقليمية و المحلية.
و لذلك ربما كانت، هذه البداية، و لاتزال مرتبطة بإضافة أجهزة جهوية للجسم التنظيمي للحزب بصلاحيات محدودة، إن لم تكن شكلية في العديد من الحالات.
فبالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كانت نقطة الانطلاق هي المؤتمر الوطني السادس(28 مارس، 2 ابريل2001) الذي اقر تكوين لجنة للتنسيق داخل الجهة مكونة من العمالات و الأقاليم الحزبية و تضم: كتاب الجهات و أمناء الكتابات الإقليمية و أعضاء اللجنة الإدارية في الجهة و برلمانيي المنطقة ورؤساء المجالس الاتحاديين عن كل عمالة في الجهة و ممثلا للإتحاديين أعضاء الغرف المهنية و ممثل جهوي عن كل قطاع. و اقتصرت صلاحية هذه اللجنة على تدارس قضايا الجهة و رفع توصيات للمكتب السياسي بشأنها11 .
و خلال المؤتمر الوطني السابع لنفس الحزب ( يونيو 2005) سيتقرر خلق آليات تنظيمية على الصعيد الجهوي تضم:
- المؤتمر الجهوي: ينعقد كل ثلاث سنوات و ينتخب كتابة جهوية.
- المجلس الجهوي: ينعقد مرتين في السنة
- كتابة الجهة: شهر على تتبع و تقييم و توجيه النشاط الحزبي على صعيد الجهة12 .
و رغم ذلك سيقف مشروع المقرر التنظيمي الذي عرض على المؤتمر الوطني للحزب(2008) . على انه إذا كان « قرار مؤسسة الجهة، داخل الخريطة التنظيمية للحزب بعد المؤتمر الوطني السابع، خطوة مهمة، لكنها كانت كذلك خطوة البداية، إذ أنها أقرت بإعطاء البعد الجهوي للتنظيم الحزبي تماشيا مع الهوية الاشتراكية، لكنها ظلت مبادرة تحتاج إلى تقوية الصلاحيات و الاختصاصات. لذلك فالمطلوب هو المزيد من توسيع صلاحيات الجهات، عبر نقل جزء مهم من الصلاحيات المخولة حاليا للمكتب السياسي، خاصة في كل ما يتعلق بتدبير شؤون التنظيم و كذا الاختصاصات السياسية على المستوى الجهوي»13
و الواقع أن حالة الأجهزة الجهوية التي تحتاج إلى صلاحيات حقيقية، ليست حالة هذا الحزب وحده، فغالبية الأحزاب المغربية اليوم، تضم داخل تنظيماتها هياكل و أجهزة جهوية باختصاصات غامضة أو محدودة.
و هكذا يتكون مثلا المجلس الجهوي لحزب الاتحاد الدستوري من14 : - أعضاء المكتب السياسي و اللجنة الاستشارية و اللجنة الوطنية المنتمين للجهة
- برلماني الجهة
- رئيس المجلس الجهوي و رئيس المجموعة الحضرية المنتمين للحزب
- رؤساء الجماعات المحلية الدستوريين التابعين لنفس الجهة
- أعضاء المكاتب الإقليمية للحزب التابعة للجهة
- رؤساء الغرف المهنية المنتخبة بالجهة المنتمون للحزب
- ممثلين عن المنظمات الموازية للحزب
و ينتخب هذا المجلس الجهوي مكتبا لا يتعدى عدد أعضائه سبعة عشر، و يمارس المكتب الجهوي « اختصاصاته المتعلقة أساسا بقضايا التنمية الجهوية ، السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الإعلامية» .15
أما بالنسبة لحزب التقدم و الاشتراكية، فينص قانونه الأساسي16 على مجلس جهوي يتكون من :
- أعضاء اللجنة المركزية المتواجدين بالجهة
- أعضاء مكاتب الفروع الإقليمية
- رؤساء الجماعات المحلية و الغرف المهنية و برلمانيي الحزب بالجهة
و من اختصاصات هذا المجلس نذكر:
- النظر في كل القضايا التنظيمية التي تهم الجهة
- تنظيم برنامج ذات صبغة مشتركة
- الإشراف على الانتخابات المتعلقة بالجهة
- يقترح على اللجنة المركزية الترشيحات للانتخابات ذات الصبغة الوطنية.
فيما يتوفر البناء التنظيمي لجبهة القوى الديمقراطية على مجالس للتنسيق أو الولائي أو الجهوي، تتشكل من مجموع أعضاء مكاتب مجالس العمالات و الأقاليم، و تعقد اجتماعا تنسيقيا سنويا بدعوة من المنسق الجهوي أو من المكتب التنفيذي للجبهة.
هذا و يتكلف هذا الأخير بتعيين المنسق الجهوي لمدة سنتين على الأكثر للسهر على تنفيذ توصيات مجلس التنسيق الولائي أو الجهوي و قرارات اللجنة الوطنية للجبهة17 .
ثالثا: جنينية فكرة الفدرالية و ممكنات الحزب الجهوي:
لابد من الوقوف بداية على ملاحظة هامة، تتجلى في الغياب التام للحديث عن مستقبل الأحزاب السياسية في أفق تطبيق الحكم الذاتي، فإذا كانت النقاشات العمومية و الأبحاث الأكاديمية كثيرا ما اشتغلت بسيناريوهات هذه التجربة، مركزة على دور السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية داخل منطقة الحكم الذاتي، و على طبيعة العلاقة مع السلطة المركزية.. فإنها نادرا ما اقتربت من سؤال وضعية الفاعلين الحزبيين داخل فضاء الحكم الذاتي، و التأثيرات المحتملة على البنيات التنظيمية الموجودة.
و الواقع أنه يصعب تصور التحول الذي قد يحدثه تطبيق مبادرة الحكم الذاتي على العلاقة بين الأقاليم موضع هذا التطبيق، و بين الإدارة المركزية، دون أي تأثير على طبيعة العلاقة» المفترضة» بين التنظيمات الحزبية الإقليمية بمنطقة الحكم الذاتي و القيادة السياسية المركزية، أكثر من ذلك، فإن أحزاب ذات طبيعة جهوية بهذه المنطقة أمر لا يبدو من الناحية السياسية مستبعدا.
فعندما تنص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، على البرلمان كأحد هيئات الجهة، و على كونه يتألف من « أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية و كذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة»18 فإنه لا يمكن أن يغيب عن تصورنا الإمكانية الواقعية لتأسيس أحزاب على مستوى الجهة.
و هنا، فإن العلاقة تصبح أكثر وضوحا بين التوجه الحزبي الجهوي و بين الأفق الفيدرالي، فتأسيس الأحزاب الجهوية في الصحراء، فضلا عن الأحزاب الجهوية التي قد تكون في مناطق مختلفة يمكن لها أن توحد نفسها في إطار حزبي وطني19 بطبيعة فيدرالية.
و إذا كان من الأفق الفدرالي من القضايا التي ظلت تدخل في باب « عدم المفكر فيه»، على مستوى النقاشات التنظيمية داخل الأحزاب المغربية، فإن الأمر لم يعد كذلك في السنوات الأخيرة، إذ أصبح الأفق الفدرالي حاضرا و إن بشكل جنيني.
فمثلا خلال التحضير للمؤتمر الوطني الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (2008)، تقدمت الكتابة الجهوية لهذا الحزب بأقاليم الشمال، بوثيقة إلى اللجنة التحضيرية، تحمل عنوان « من أجل إعادة بناء الحزب و تخليقه»، تطرقت إلى ضرورة الإقرار ببناء التنظيم الحزبي على أساس قواعد التنظيم الفدرالي، بما يعني» تفويض الجهات سلطات واسعة حقيقية لتدبير الشأن الحزبي على مستوى النفوذ الترابي للجهة سياسيا و تنظيميا، و تمكين الوحدات الجهوية من المشاركة الوازنة في القرار الوطني و في القيادات المركزية»20 .
و كان من اللافت أن تعقد نفس الكتابة الجهوية ندوة في موضوع « من أجل حزب اشتراكي ديمقراطي حداثي على أساس فدرالي» بتاريخ 26 ابريل 2008 .
لكن من الواضح أن مطلبا كهذا لاشك سيجد نفسه أمام ثقافة سياسية سائدة داخل القيادات الحزبية، لاتزال مشبعة بفكرة « المركزية» التنظيمية. و هذا ما تجلى بشكل بارز خلال الأعمال التحضيرية لقانون الأحزاب. فعندما طرحت وزارة الداخلية المسودة الأولية لهذا القانون، للنقاش العمومي بين الأحزاب و الجمعيات الحقوقية و هيئات المجتمع المدني، بدا لافتا للنظر أن جل الأحزاب السياسية التي تفاعلت مع المسودة، لم تعر اهتماما للمنع الواضح لإمكانية تأسيس حزب سياسي على أساس جهوي.
وذلك على عكس العديد من تنظيمات المجتمع المدني، كما هو الحال مثلا بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي اعتبرت أن « تأسيس الأحزاب على مبادئ عنصرية أمر منبوذ، إلا أن تأسيسها على أساس جهوي لا يمكن أن ينزل منزلة النزعات العنصرية، بل ينبغي تشجيعه ليس فقط لكون ذلك مرتبط بحرية الرأي و التعبير و الحق في التنظيم على أساس جهوي، وإنما أيضا انسجاما مع سياسة الجهوية التي تبنتها الدولة المغربية»22، أو كما هو الشأن بالنسبة لبعض الباحثين الذين وقفوا على التناقض بين منع تأسيس الأحزاب على أساس جهوي و بين الجهوية التي يتم الحديث عنها في الصحراء و التي تتطلب الشروط و الأدوات الحزبية لممارستها 23 .
وعلى العموم، فالتقييد بالقانون القاضي بمنع تأسيس الأحزاب على أساس جهوي، قد يصبح متجاوزا بفعل الشروط السياسية التي قد تحتم إلغاء هذا المنع، ليظل أمام الحزب الجهوي تحديين أساسيين، يتجلى الأول في قدرته على التمفصل و التعالي على التقاطبات القبلية، و يرتبط الثاني بمدى إمكانيته لمقاومة أي انزياح انفصالي مفترض.
فالتحدي الأول، يجد أسسه في كون المجتمع الصحراوي لا يفرق في الغالب بين ماهو سياسي و ماهو اجتماعي، مما جعل دور القبيلة يتعزز يوما بعد يوم، و يتسيس24 و يأثر على طبيعة الزعامات المحلية25 .
أما التحدي الثاني، فيتعلق بكون مراهنة المغرب على آلية الحكم الذاتي هي مراهنة لا تخلو من مخاطر، لعل أهمها إمكانية بروز أحزاب ذات طبيعة انفصالية، خصوصا على مستوى الأقاليم الجنوبية 26، الوجه الأخر لهذا التحدي يتجلى في التساؤل حول إمكانية التعايش بين الملكية و بين» الانفصاليين الجمهوريين» في الصحراء27 .
(1)- 1 حسن طارق « الأحزاب تعيد إنتاج الدولة» جريدة الاتحاد الاشتراكي الأربعاء 14 ماي 2008ن ع 8870 صفحة 6 . 1
2 - محمد الساسي ، مداخلة في ندوة حول « ما العمل؟ مائة عام على الكتاب و السؤال في المغرب» مجلة نوافذ، العدد 16 ، يونيو 2002 صفحة 70 .
3 -انظر مثلا محمد شقير « الديمقراطية الحزبية في المغرب: بين الزعامة السياسية و التكريس القانوني» إفريقيا الشرق 2003 .
4- محمد الساسي « الأحزاب المغربية و المشكلة الجهوية» جريدة الاتحاد الاشتراكي، الأربعاء 14 ماي 2008، العدد 8870، ص 6.
5- محمد الساسي « الأزمة الراهنة للديمقراطية الداخلية في الاتحاد الاشتراكي» مجلة نوافذ، يوليوز 2000، العدد9/8 ص 39 .
6 -محمد المريني « الحزب و أهمية الوعي الديمقراطي» مجلة نوافذ ، يونيو 2002، العدد 16 ص 127 .
7- أنظر الفصل 24 من القانون الأساسي للتجمع الوطني للأحرار.
8- أنظر الباب الحادي عشر من القانون الأساسي لحزب العدالة و التنمية.
9 - أنظر الفصل الثاني عشر من القانون الأساسي لحزب الاتحاد الدستوري
10- انظر الفصل التاسع عشر من القانون الأساسي لجبهة القوى الديمقراطية.
11 -الفقرة 66 من الأرضية التنظيمية للحزب، أنظر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المؤتمر الوطني السادس» مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء ( بدون تاريخ) صفحة 137 .
12- تقرير تفعيل الأداة الحزبية، أنظر « المؤتمر الوطني السابع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: معا لبناء مغرب حديث» مطبعة دار النشر المغربية- الدار البيضاء 2005 صفحة 161 .
13- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المؤتمر الوطني الثامن لجنة تفعيل الأداة الحزبية و تحديثها « دار النشر المغربية ص 16 .
14- انظر الفصل الحادي عشر من القانون الأساسي لحزب الاتحاد الدستوري.
15 - نفس المرجع السابق
16- الفصل 24 من القانون الأساسي لحزب التقدم و الاشتراكية
17 - الفصل 15 القانون الأساسي لجبهة القوى الديمقراطية.
18- انظر نص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا
19 -محمد الساسي « الأحزاب المغربية و المشكلة الجهوية» جريدة الاتحاد الاشتراكي الأربعاء 14 ماي 2008 . ع 8870 ص6 .
20 - انظر « من اجل إعادة بناء الحزب و تخليقه» وثيقة من إعداد الكتابة الجهوية للشمال
21 - لنلاحظ أن المطلب الفدرالي قد انطلق من الأقاليم الشمالية للمغرب و ليس من جهة أخرى.
22 - انظر مذكرة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الموجهة لوزير الداخلية بشأن ملاحظاتها حول مشروع قانون الأحزاب دجنبر 2004 .
23 -انظر مداخلة الأستاذة أمينة المسعودي في ندوة منظمة من طرف الشبيبة الاتحادية حول قانون الأحزاب بتاريخ 4 نونبر 2008، تراجع في هذا الشأن جريدة الصحيفة ع 184 16/10 نونبر 2004 .صفحة 14 .
24 - محمد دحمان « القبائل الصحراوية و الحكم الذاتي: من القبيلة- الجماعة إلى مشروع الحكم الذاتي» ضمن المؤلف الجماعي» أي حكم ذاتي لأقاليمنا الجنوبية» إشغال الندوة الدولية الأولى المنعقدة بسطات 31 ماي 2006 ص 81 .
25 - د.محمد دحمان « الحكم الذاتي و الخصوصيات المحلية بمنطقتي الساقية الحمراء و وادي الذهب» ضمن المؤلف الجماعي « الحكم الذاتي لاقاليمنا الجنوبية: السيادة الوطنية الخصوصيات المحلية و القانون الدولي» أشغال الندوة الدولية الثانية المنعقدة بالعيون 13و 14 يونيو 2007 صفحة 91 .
26 - الحسين اعبوش « من تقرير المصير إلى الحكم الذاتي» ضمن « أي حكم ذاتي لأقاليمنا الجنوبية» م.س صفحة 49 .
27 - عبد اللطيف بكور» خيار الجهوية السياسية بين متطلبات المرحلة و محدودية التطبيق» ضمن « أي حكم ذاتي .. م.س صفحة 66.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.