ننطلق في هذا المقال من الإشكالية التالية: ما حجم التأثير المفترض لمبادرة الحكم الذاتي على طبيعة الأحزاب السياسية؟ وهل يمكن لهذه المبادرة التي ستعيد بكل تأكيد توزيع الصلاحيات و الحدود بين القرار السياسي و الاقتصادي المحلي و القرار المركزي، ألا تطرح قضية التفكير في توزيع مواز للصلاحيات بين القرار الحزبي المحلي/الجهوي و القرار الحزبي الوطني؟ و ألا يمكن أن تذهب المبادرة، التي ستخلق فضاء مؤسساتيا لحياة سياسية جهوية، برهانات و مواضيع و تفاعلات خاصة، إلى الحد الذي يوفر كل شروط إنشاء أحزاب سياسية جهوية؛ و في هذه الحالة ماذا عن القيود القانونية و المخاطر السياسية التي ستعترض هذه الأحزاب. هذه الإشكاليات، تبقى مؤطرة بسؤال التاريخ، تاريخ فكرة المركزية /الجهوية، داخل البنية التنظيمية للحزب المغربي، هذا الحزب الذي انطلق بهوية مركزية، ثم حاول أن يساير التوجه المحتشم للدولة نحو الجهوية خلال عقد التسعينات، يجد نفسه اليوم غير قادر على الالتفاف على فكرة الجهوية و على أفق «الفيدرالية». أولا: هيمنة الفكرة المركزية داخل الحزب المغربي: لقد شكلت «المركزية جزءا من الهوية المؤسسية للحزبية المغربية، إذ من الواضح أن سؤال الجهوية داخل الحزب المغربي، ظل من الأسئلة التي توجد داخل مجال «اللامفكر فيه» على مستوى التمثلات و المرجعيات التنظيمية التي أطرت التفكير في الصيغ التي انتظم حولها النشاط الحزبي المغربي منذ بداياته الأولى. وهكذا لم تعمل التجارب الحزبية المغربية بنموذجيها « المتصارع مع الدولة» و « المتماهي « معها، إلا على إعادة إنتاج نفس التنظيم المركزي، «اليعقوبي» لجهاز دولة ما بعد الاستقلال1(1) . إن استبطان الأحزاب المغربية للفكرة المركزية، يبدو قابلا للتفسير عندما نعود إلى السياقات السوسيولوجية و التاريخية والفكرية و السياسية التي أطرت و صاحبت مسلسل ظهور « الحزبية المغربية». فالعودة إلى السياق السوسيولوجي و التاريخي للظاهرة الحزبية، تحيل على تجربة الحركة الوطنية كحركة حاضنة لبدايات العمل الحزبي، و هي تجربة ارتبطت أساسا بالنخب المدنية و الحضرية، داخل كبريات المدن المغربية (فاس، الرباط، مراكش)، و فضلا عن تمركز النخب لاشك أن ظروف النضال الوطني ضد الاستعمار قد فرضت على الانوية الحزبية التي أفرزتها المرحلة الوطنية، العديد من الاحترازات التي أدت بها إلى تحصين قرارها السياسي، الذي تحول إلى قرار مركزي بيد القيادة. و لاشك أن السياقات الفكرية، قد لعبت دورا في تقوية النزوع المركزي للحزب المغربي، فبالنسبة لجزء كبير من الخريطة الحزبية المغربية تم استلهام العديد من التمثلات الفكرية حول قضايا التنظيم الحزبي، من النموذج الفكري الأكثر رواجا خلال حقبة الستينات و ما بعدها، ألا و هو التصور اللنيني للتنظيم الحزبي و الذي نجد العديد من الإشارات إليه في الكتاب المشهور «ما العمل» ، و الذي يلخص النهج الذي سيعرف فيما بعد « بالمركزية الديمقراطية». فلاشك أن الكثير من النخب في أحزابنا قد استكانت و استمرأت بعض الامتيازات التي اخذتها عنوة و قسرا من شعار « المركزية الديمقراطية»، فطبقت المركزية بدون ديمقراطية». 12 ملاحظة أخرى ضمن نفس السياقات الفكرية، تتعلق بالتجربة الفرنسية و التي غالبا ما تفرض نفسها كمرجعية للاستلهام من طرف النخب المغربية، فمن الواضح أن «الحذر الثقافي» للثقافة الفرنسية من النزوعات الجهوية، لم يساعد النخب الحزبية المغربية على التفكير في اتجاه تعزيز الجهوية. المؤكد أن السياقات السياسية التي عرفها المغرب، بعد حصوله على الاستقلال، جعلت الخيار المركزي بالنسبة للأحزاب السياسية يبدو تقريبا كخيار وحيد. فالدولة نهجت نهجا مركزيا في التسي ير و التدبير، و هو ما جعل الحياة السياسية الوطنية تتمحور حول القرارات و السياسات المعلنة في المركز. فضلا عن أن التوتر الذي عاشته البلاد من خلال احتدام الصراع السياسي بين الدولة و جزء من الحركة الوطنية و اليسار، خاصة خلال ما يعرف بسنوات الرصاص، جعل من شعار « الوحدة و المركزية» لدى الأحزاب يعادل موضوعيا الصيغة الوحيدة و الممكنة للوجود و الاستمرار. إن التفكير في منح الجهات صلاحيات تتعلق بالقرار السياسي و التنظيمي كان سيبدو في هذه الحالات أقرب ما يكون إلى « الترف الفكري» منه إلى الجواب عن أسئلة البقاء التنظيمي التي طرحت بحدة في فترات التقاطب بين الدولة و بين الحقل الحزبي خلال الستينات و السبعينات. لقد أدى تغييب النقاش حول البعد الجهوي داخل الأحزاب المغربية، إلى اختزال كل قضايا « المسألة التنظيمية» و إشكاليات « الديمقراطية الحزبية»، في الجوانب المتعلقة بالتوزيع العمودي للسلط الحزبية، بين القيادة التنفيذية و الهيأة التداولية، أو بين القيادة السياسية و التيارات الحزبية، و لاشك أن هذه الخطاطة التي لا تتسع لتشمل إشكاليات توزيع السلط بين المركز و الجهات، هي التي أطرت كذلك العديد من الباحثين في الظاهرة الحزبية المغربية 3 . ثانيا: احتشام الخطوات الجهوية للحزب المغربي: ترتبط هذه اللحظة بالإقرار الدستوري، ثم القانوني للتنظيم الجهوي داخل الهندسة الإدارية المغربية، خلال عقد التسعينات. إذ حاولت الأحزاب المغربية أن تتماشى مع خطوات الدولة اتجاه الجهوية الإدارية، وذلك من خلال مستويين: المستوى الأول: يرتبط بضمان تمثيلية الجهات داخل الأجهزة الحزبية الوطنية المستوى الثاني: يرتبط بخلق بنيات حزبية جهوية، تنضاف إلى البنيات المحلية، الإقليمية و الوطنية. أ - على مستوى تمثيلية الجهات داخل الأجهزة الحزبية الوطنية: ظلت الأجهزة الحزبية الوطنية، سواء المكاتب السياسية أو اللجان التنفيذية و اللجان المركزية أو المجالس الوطنية، إلى حدود التسعينات، تنتخب في الغالب بغض النظر عن احترام أي تمثيلية ممكنة للجهات و الأقاليم، و كانت الحجة المقدمة دوما للدفاع عن هذا الاختيار تنطلق من كون معايير العضوية في الأجهزة القيادية يجب ألا تعتمد على المنطق الجغرافي بقدر ما يجب أن تعتمد على عناصر الاحترافية و المداومة و المواظبة و متابعة الملفات و الكفاءة 4 . و لعل هذا الاختيار هو ما زكى إضعاف البعد الجهوي لتركيبة الأجهزة القيادية للأحزاب المغربية، التي ظلت لفترة طويلة مقتصرة على المنتسبين المنتمين لمحور الرباط ، الدارالبيضاء. لقد اشتغل مثلا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ مؤتمره الوطني الخامس المنعقد سنة 1989 و إلى حدود أبريل 2001 تاريخ انعقاد مؤتمره الوطني السادس، بقيادة وطنية لا علاقة لها بتمثيلية الجهات، فعلى مستوى جهازه التنفيذي ( المكتب السياسي) كانت نسبة أعضائه القاطنين بالرباط هي 61 % ، فيما نسبة القاطنين بالدارالبيضاء تمثل 38%، أما على مستوى جهازه التقريري ( اللجنة المركزية) فكانت نسبة القاطنين بالرباط تمثل 38 %، و نسبة القاطنين بالدارالبيضاء تمثل 24%، و هذا معناه أن هذين المدينتين و حدهما تمثلان أكثر من 62% من مجموع الأعضاء، و لعل هذا ما جعل هذا الجهاز الوطني لا يضمن تمثيل الأقاليم بكاملها مثل ( بولمان، وجدة، تازة، الراشيدية، بني ملال، تزنيت، اسفي، خريبكة، سيدي قاسم، بركان، الصويرة، ورزازات، فكيك، قلعة السراغنة، تاونات ، الحوز، الشاون)5 . و خلال المؤتمر الوطني السادس لهذا الحزب(2001)، سيقرر العودة إلى صيغة الازدواجية على مستوى الهيئات التقريرية الوطنية، من خلال اللجنة الإدارية التي تنتخب بواسطة الاقتراع السري من طرف المؤتمر الوطني(189 عضوا)، ثم اللجنة المركزية و التي تعتبر أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر و التي تتكون، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية، كتاب الأقاليم و منسقي القطاعات و ممثلي الشبيبة و النساء و البرلمانيين و فعاليات أخرى. ولا شك أن هذه الصيغة قد استطاعت إعادة البعد الجهوي للقيادة الوطنية للحزب، هذا البعد الذي سيتعزز خلال المؤتمر الوطني السابع لنفس الحزب المنعقد أيام 10-11-12 يونيو 2005، الذي سيحسم مع صيغة الازدواجية على مستوى الهيئات التقريرية الوطنية، و ذلك بالاعتماد على صيغة المجلس الوطني المكون من فئتين، الأولى: منتخبة مباشرة من طرف المؤتمر بما يضمن تمثيلية الجهات، الثانية: تشمل ممثلي الكتابات الإقليمية و الجهوية و القطاعات الحزبية ..، و هي نفس الصيغة التي سيعتمدها المؤتمر الثامن لهذا الحزب ( 7-8-9 نونبر 2008). و يعتبر حزب الاستقلال من الأحزاب الأولى التي اعتمدت صيغة لانتخاب الهيأة التقريرية تضمن معها تمثيلية كل الجهات والأقاليم، إذ منذ المؤتمر العام الثالث عشر للحزب ( 22 فبراير 1998) يتم انتخاب ثلثي أعضاء المجلس الوطني من المؤتمرات الإقليمية، فيما ينتخب الثلث الباقي من طرف المؤتمر العام.6 و بالنسبة للتجمع الوطني للأحرار، فإن أعضاء اللجنة المركزية للحزب ينتخبون حسب تمثيلية كل عمالة أو إقليم أو مدينة داخل المؤتمر الوطني.7 أما فيما يتعلق بحزب العدالة و التنمية، فإن تكوين مجلسه الوطني يتضمن المنسقين الجهويين كأعضاء بالصفة داخل هذه الهيئة التقريرية8 . و على نفس الشاكلة تضم اللجنة الوطنية لحزب الاتحاد الدستوري الكتاب الجهويين و الاقلميين9 . فيما ظلت جبهة القوى الديمقراطية تعتمد الازدواجية على مستوى الهيئات التقريرية، إذ من جهة هناك اللجنة الوطنية المنتخبة مباشرة من طرف المؤتمر، و من جهة أخرى هناك المجلس الوطني و الذي يضم، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة الوطنية، أعضاء بالصفة يوجد ضمنهم كتاب العمالات و الأقاليم10 . ب - على مستوى خلق بنيات حزبية جهوية: بنوع من التدرج المحتشم، انطلقت منذ سنوات قليلة عملية انفتاح الهندسة التنظيمية للأحزاب المغربية على بنيات جديدة ذات طبيعة جهوية، بعد أن ظلت لسنوات مقتصرة على أبعاد ثلاثة هي: الأجهزة الوطنية و الإقليمية و المحلية. و لذلك ربما كانت، هذه البداية، و لاتزال مرتبطة بإضافة أجهزة جهوية للجسم التنظيمي للحزب بصلاحيات محدودة، إن لم تكن شكلية في العديد من الحالات. فبالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كانت نقطة الانطلاق هي المؤتمر الوطني السادس(28 مارس، 2 ابريل2001) الذي اقر تكوين لجنة للتنسيق داخل الجهة مكونة من العمالات و الأقاليم الحزبية و تضم: كتاب الجهات و أمناء الكتابات الإقليمية و أعضاء اللجنة الإدارية في الجهة و برلمانيي المنطقة ورؤساء المجالس الاتحاديين عن كل عمالة في الجهة و ممثلا للإتحاديين أعضاء الغرف المهنية و ممثل جهوي عن كل قطاع. و اقتصرت صلاحية هذه اللجنة على تدارس قضايا الجهة و رفع توصيات للمكتب السياسي بشأنها11 . و خلال المؤتمر الوطني السابع لنفس الحزب ( يونيو 2005) سيتقرر خلق آليات تنظيمية على الصعيد الجهوي تضم: - المؤتمر الجهوي: ينعقد كل ثلاث سنوات و ينتخب كتابة جهوية. - المجلس الجهوي: ينعقد مرتين في السنة - كتابة الجهة: شهر على تتبع و تقييم و توجيه النشاط الحزبي على صعيد الجهة12 . و رغم ذلك سيقف مشروع المقرر التنظيمي الذي عرض على المؤتمر الوطني للحزب(2008) . على انه إذا كان « قرار مؤسسة الجهة، داخل الخريطة التنظيمية للحزب بعد المؤتمر الوطني السابع، خطوة مهمة، لكنها كانت كذلك خطوة البداية، إذ أنها أقرت بإعطاء البعد الجهوي للتنظيم الحزبي تماشيا مع الهوية الاشتراكية، لكنها ظلت مبادرة تحتاج إلى تقوية الصلاحيات و الاختصاصات. لذلك فالمطلوب هو المزيد من توسيع صلاحيات الجهات، عبر نقل جزء مهم من الصلاحيات المخولة حاليا للمكتب السياسي، خاصة في كل ما يتعلق بتدبير شؤون التنظيم و كذا الاختصاصات السياسية على المستوى الجهوي»13 و الواقع أن حالة الأجهزة الجهوية التي تحتاج إلى صلاحيات حقيقية، ليست حالة هذا الحزب وحده، فغالبية الأحزاب المغربية اليوم، تضم داخل تنظيماتها هياكل و أجهزة جهوية باختصاصات غامضة أو محدودة. و هكذا يتكون مثلا المجلس الجهوي لحزب الاتحاد الدستوري من14 : - أعضاء المكتب السياسي و اللجنة الاستشارية و اللجنة الوطنية المنتمين للجهة - برلماني الجهة - رئيس المجلس الجهوي و رئيس المجموعة الحضرية المنتمين للحزب - رؤساء الجماعات المحلية الدستوريين التابعين لنفس الجهة - أعضاء المكاتب الإقليمية للحزب التابعة للجهة - رؤساء الغرف المهنية المنتخبة بالجهة المنتمون للحزب - ممثلين عن المنظمات الموازية للحزب و ينتخب هذا المجلس الجهوي مكتبا لا يتعدى عدد أعضائه سبعة عشر، و يمارس المكتب الجهوي « اختصاصاته المتعلقة أساسا بقضايا التنمية الجهوية ، السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الإعلامية» .15 أما بالنسبة لحزب التقدم و الاشتراكية، فينص قانونه الأساسي16 على مجلس جهوي يتكون من : - أعضاء اللجنة المركزية المتواجدين بالجهة - أعضاء مكاتب الفروع الإقليمية - رؤساء الجماعات المحلية و الغرف المهنية و برلمانيي الحزب بالجهة و من اختصاصات هذا المجلس نذكر: - النظر في كل القضايا التنظيمية التي تهم الجهة - تنظيم برنامج ذات صبغة مشتركة - الإشراف على الانتخابات المتعلقة بالجهة - يقترح على اللجنة المركزية الترشيحات للانتخابات ذات الصبغة الوطنية. فيما يتوفر البناء التنظيمي لجبهة القوى الديمقراطية على مجالس للتنسيق أو الولائي أو الجهوي، تتشكل من مجموع أعضاء مكاتب مجالس العمالات و الأقاليم، و تعقد اجتماعا تنسيقيا سنويا بدعوة من المنسق الجهوي أو من المكتب التنفيذي للجبهة. هذا و يتكلف هذا الأخير بتعيين المنسق الجهوي لمدة سنتين على الأكثر للسهر على تنفيذ توصيات مجلس التنسيق الولائي أو الجهوي و قرارات اللجنة الوطنية للجبهة17 . ثالثا: جنينية فكرة الفدرالية و ممكنات الحزب الجهوي: لابد من الوقوف بداية على ملاحظة هامة، تتجلى في الغياب التام للحديث عن مستقبل الأحزاب السياسية في أفق تطبيق الحكم الذاتي، فإذا كانت النقاشات العمومية و الأبحاث الأكاديمية كثيرا ما اشتغلت بسيناريوهات هذه التجربة، مركزة على دور السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية داخل منطقة الحكم الذاتي، و على طبيعة العلاقة مع السلطة المركزية.. فإنها نادرا ما اقتربت من سؤال وضعية الفاعلين الحزبيين داخل فضاء الحكم الذاتي، و التأثيرات المحتملة على البنيات التنظيمية الموجودة. و الواقع أنه يصعب تصور التحول الذي قد يحدثه تطبيق مبادرة الحكم الذاتي على العلاقة بين الأقاليم موضع هذا التطبيق، و بين الإدارة المركزية، دون أي تأثير على طبيعة العلاقة» المفترضة» بين التنظيمات الحزبية الإقليمية بمنطقة الحكم الذاتي و القيادة السياسية المركزية، أكثر من ذلك، فإن أحزاب ذات طبيعة جهوية بهذه المنطقة أمر لا يبدو من الناحية السياسية مستبعدا. فعندما تنص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، على البرلمان كأحد هيئات الجهة، و على كونه يتألف من « أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية و كذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة»18 فإنه لا يمكن أن يغيب عن تصورنا الإمكانية الواقعية لتأسيس أحزاب على مستوى الجهة. و هنا، فإن العلاقة تصبح أكثر وضوحا بين التوجه الحزبي الجهوي و بين الأفق الفيدرالي، فتأسيس الأحزاب الجهوية في الصحراء، فضلا عن الأحزاب الجهوية التي قد تكون في مناطق مختلفة يمكن لها أن توحد نفسها في إطار حزبي وطني19 بطبيعة فيدرالية. و إذا كان من الأفق الفدرالي من القضايا التي ظلت تدخل في باب « عدم المفكر فيه»، على مستوى النقاشات التنظيمية داخل الأحزاب المغربية، فإن الأمر لم يعد كذلك في السنوات الأخيرة، إذ أصبح الأفق الفدرالي حاضرا و إن بشكل جنيني. فمثلا خلال التحضير للمؤتمر الوطني الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (2008)، تقدمت الكتابة الجهوية لهذا الحزب بأقاليم الشمال، بوثيقة إلى اللجنة التحضيرية، تحمل عنوان « من أجل إعادة بناء الحزب و تخليقه»، تطرقت إلى ضرورة الإقرار ببناء التنظيم الحزبي على أساس قواعد التنظيم الفدرالي، بما يعني» تفويض الجهات سلطات واسعة حقيقية لتدبير الشأن الحزبي على مستوى النفوذ الترابي للجهة سياسيا و تنظيميا، و تمكين الوحدات الجهوية من المشاركة الوازنة في القرار الوطني و في القيادات المركزية»20 . و كان من اللافت أن تعقد نفس الكتابة الجهوية ندوة في موضوع « من أجل حزب اشتراكي ديمقراطي حداثي على أساس فدرالي» بتاريخ 26 ابريل 2008 . لكن من الواضح أن مطلبا كهذا لاشك سيجد نفسه أمام ثقافة سياسية سائدة داخل القيادات الحزبية، لاتزال مشبعة بفكرة « المركزية» التنظيمية. و هذا ما تجلى بشكل بارز خلال الأعمال التحضيرية لقانون الأحزاب. فعندما طرحت وزارة الداخلية المسودة الأولية لهذا القانون، للنقاش العمومي بين الأحزاب و الجمعيات الحقوقية و هيئات المجتمع المدني، بدا لافتا للنظر أن جل الأحزاب السياسية التي تفاعلت مع المسودة، لم تعر اهتماما للمنع الواضح لإمكانية تأسيس حزب سياسي على أساس جهوي. وذلك على عكس العديد من تنظيمات المجتمع المدني، كما هو الحال مثلا بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي اعتبرت أن « تأسيس الأحزاب على مبادئ عنصرية أمر منبوذ، إلا أن تأسيسها على أساس جهوي لا يمكن أن ينزل منزلة النزعات العنصرية، بل ينبغي تشجيعه ليس فقط لكون ذلك مرتبط بحرية الرأي و التعبير و الحق في التنظيم على أساس جهوي، وإنما أيضا انسجاما مع سياسة الجهوية التي تبنتها الدولة المغربية»22، أو كما هو الشأن بالنسبة لبعض الباحثين الذين وقفوا على التناقض بين منع تأسيس الأحزاب على أساس جهوي و بين الجهوية التي يتم الحديث عنها في الصحراء و التي تتطلب الشروط و الأدوات الحزبية لممارستها 23 . وعلى العموم، فالتقييد بالقانون القاضي بمنع تأسيس الأحزاب على أساس جهوي، قد يصبح متجاوزا بفعل الشروط السياسية التي قد تحتم إلغاء هذا المنع، ليظل أمام الحزب الجهوي تحديين أساسيين، يتجلى الأول في قدرته على التمفصل و التعالي على التقاطبات القبلية، و يرتبط الثاني بمدى إمكانيته لمقاومة أي انزياح انفصالي مفترض. فالتحدي الأول، يجد أسسه في كون المجتمع الصحراوي لا يفرق في الغالب بين ماهو سياسي و ماهو اجتماعي، مما جعل دور القبيلة يتعزز يوما بعد يوم، و يتسيس24 و يأثر على طبيعة الزعامات المحلية25 . أما التحدي الثاني، فيتعلق بكون مراهنة المغرب على آلية الحكم الذاتي هي مراهنة لا تخلو من مخاطر، لعل أهمها إمكانية بروز أحزاب ذات طبيعة انفصالية، خصوصا على مستوى الأقاليم الجنوبية 26، الوجه الأخر لهذا التحدي يتجلى في التساؤل حول إمكانية التعايش بين الملكية و بين» الانفصاليين الجمهوريين» في الصحراء27 . (1)- 1 حسن طارق « الأحزاب تعيد إنتاج الدولة» جريدة الاتحاد الاشتراكي الأربعاء 14 ماي 2008ن ع 8870 صفحة 6 . 1 2 - محمد الساسي ، مداخلة في ندوة حول « ما العمل؟ مائة عام على الكتاب و السؤال في المغرب» مجلة نوافذ، العدد 16 ، يونيو 2002 صفحة 70 . 3 -انظر مثلا محمد شقير « الديمقراطية الحزبية في المغرب: بين الزعامة السياسية و التكريس القانوني» إفريقيا الشرق 2003 . 4- محمد الساسي « الأحزاب المغربية و المشكلة الجهوية» جريدة الاتحاد الاشتراكي، الأربعاء 14 ماي 2008، العدد 8870، ص 6. 5- محمد الساسي « الأزمة الراهنة للديمقراطية الداخلية في الاتحاد الاشتراكي» مجلة نوافذ، يوليوز 2000، العدد9/8 ص 39 . 6 -محمد المريني « الحزب و أهمية الوعي الديمقراطي» مجلة نوافذ ، يونيو 2002، العدد 16 ص 127 . 7- أنظر الفصل 24 من القانون الأساسي للتجمع الوطني للأحرار. 8- أنظر الباب الحادي عشر من القانون الأساسي لحزب العدالة و التنمية. 9 - أنظر الفصل الثاني عشر من القانون الأساسي لحزب الاتحاد الدستوري 10- انظر الفصل التاسع عشر من القانون الأساسي لجبهة القوى الديمقراطية. 11 -الفقرة 66 من الأرضية التنظيمية للحزب، أنظر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المؤتمر الوطني السادس» مطبعة دار النشر المغربية الدارالبيضاء ( بدون تاريخ) صفحة 137 . 12- تقرير تفعيل الأداة الحزبية، أنظر « المؤتمر الوطني السابع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: معا لبناء مغرب حديث» مطبعة دار النشر المغربية- الدارالبيضاء 2005 صفحة 161 . 13- الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المؤتمر الوطني الثامن لجنة تفعيل الأداة الحزبية و تحديثها « دار النشر المغربية ص 16 . 14- انظر الفصل الحادي عشر من القانون الأساسي لحزب الاتحاد الدستوري. 15 - نفس المرجع السابق 16- الفصل 24 من القانون الأساسي لحزب التقدم و الاشتراكية 17 - الفصل 15 القانون الأساسي لجبهة القوى الديمقراطية. 18- انظر نص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا 19 -محمد الساسي « الأحزاب المغربية و المشكلة الجهوية» جريدة الاتحاد الاشتراكي الأربعاء 14 ماي 2008 . ع 8870 ص6 . 20 - انظر « من اجل إعادة بناء الحزب و تخليقه» وثيقة من إعداد الكتابة الجهوية للشمال 21 - لنلاحظ أن المطلب الفدرالي قد انطلق من الأقاليم الشمالية للمغرب و ليس من جهة أخرى. 22 - انظر مذكرة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الموجهة لوزير الداخلية بشأن ملاحظاتها حول مشروع قانون الأحزاب دجنبر 2004 . 23 -انظر مداخلة الأستاذة أمينة المسعودي في ندوة منظمة من طرف الشبيبة الاتحادية حول قانون الأحزاب بتاريخ 4 نونبر 2008، تراجع في هذا الشأن جريدة الصحيفة ع 184 16/10 نونبر 2004 .صفحة 14 . 24 - محمد دحمان « القبائل الصحراوية و الحكم الذاتي: من القبيلة- الجماعة إلى مشروع الحكم الذاتي» ضمن المؤلف الجماعي» أي حكم ذاتي لأقاليمنا الجنوبية» إشغال الندوة الدولية الأولى المنعقدة بسطات 31 ماي 2006 ص 81 . 25 - د.محمد دحمان « الحكم الذاتي و الخصوصيات المحلية بمنطقتي الساقية الحمراء و وادي الذهب» ضمن المؤلف الجماعي « الحكم الذاتي لاقاليمنا الجنوبية: السيادة الوطنية الخصوصيات المحلية و القانون الدولي» أشغال الندوة الدولية الثانية المنعقدة بالعيون 13و 14 يونيو 2007 صفحة 91 . 26 - الحسين اعبوش « من تقرير المصير إلى الحكم الذاتي» ضمن « أي حكم ذاتي لأقاليمنا الجنوبية» م.س صفحة 49 . 27 - عبد اللطيف بكور» خيار الجهوية السياسية بين متطلبات المرحلة و محدودية التطبيق» ضمن « أي حكم ذاتي .. م.س صفحة 66.