يقول خبراء من ذوي الاختصاص إن القرن الحالي (الحادي والعشرين)، سيكون قرن الحروب من أجل الماء. وبالطبع، فلن يكون النزاع وتقع الحروب إلا عندما يكون هناك تغول من بلد ما على حقوق بلد آخر في قسمة الماء الذي تكون مصادره مشتركة بينهما. ولهذا كان الحرص على أن تكون القسمة عادلة حتى لا يقع نزاع. ورغم أن حوض النيل ظل بمنأى عن النزاع أو المواجهة في السابق، فإن الأيام الأخيرة شهدت غير ذلك، حيث تكشف صراع معلن بين مصر ودول المنبع يمكن أن يؤدي إلى نوع من من المواجهة إذا لم يتم التوافق بين كل الأطراف خلال الاجتماع الذي سيعقد في القاهرة في الأسبوع الأخير من يوليو القادم، وتشارك فيه كل دول حوض النيل العشر، وهي مصر والسودان وأوغندا وكينيا والكونجو وراوندا وبورندي وتنزانيا وإثيوبيا وأريتريا. وإن بحثنا عن أسباب الخلاف، فسنجد أن دول المنابع (وهي كل المجموعة باستثناء مصر والسودان)، ترى أن إجحافاً قد وقع عليها؛ لأن مصر والسودان عقدتا اتفاقية لتقاسم ما يصلهما من مياه النيل دون مشاركة هذه الدول التي كانت خاضعة للاستعمار الأجنبي عندما حدث اتفاق مصر والسودان، ولذا فإن مجموعة دول المنابع هذه ترى أنها غير ملزمة بالاتفاق المصري -السوداني، وهو ما ترفضه مصر بشدة؛ لأنها ترى وجوب الاعتراف بما كسبته حتى الآن من حقوق وأن تلك هي مبادئ القانون الدولي فيما يتعلق بقسمة المياه المشتركة. وفي هذا يقف السودان مع مصر؛ لأنه هو الطرف الآخر في الاتفاقية المعقودة مع مصر عام 1959، وهي الاتفاقية التي كانت مواصلة وتجديداً لاتفاقية بين البلدين عقداها عام 1929، أي حين كانت بريطانيا صاحبة الكلمة في مصر والسودان معاً وفي أغلبية دول المنبع المشار إليها باستثناء إثيوبيا التي كانت دولة مستقلة. إن الخبراء يقسمون مجموعة دول حوض النيل العشر إلى ثلاثة أقسام، أولها دول المنابع في وسط أفريقيا والهضبة الإثيوبية وأريتريا، ثانيها دولة الممر وهي السودان، وثالثها دولة المصب وهي مصر. وبالنظر إلى الواقعين الجغرافي والطبيعي سنجد أن دول المنابع بلا استثناء غنية بنصيبها من الأمطار وحاجتها إلى مياه النهر أو الأنهار محدودة لا تتعدى استغلالها لتوليد الطاقة. أما السودان، فلديه ما يكفي من الأمطار في بعض مناطقه، لكنه يعتمد كلياً على النيل أو روافده في مناطق أخرى. ونصل إلى مصر لنجد أن اعتمادها على النيل كاملٌ ولعلها لهذا سميت «هبة النيل». ومن العسير على المراقب أن يقدر أن دول المنابع كلها متمسكة بموقفها الحالي بدوافع موضوعية وفق مصالحها الوطنية، وهناك ما يحمل على الشك بأن هناك قوى أجنبية من خارج أفريقيا تسعى للتحريض وإثارة الخلاف بين دول حوض النيل التي ظلت راضية باتفاقية مصر والسودان لنحو نصف قرن. وفي هذا يرى بعض الخبراء أن القوة التي تقف خلف هذا التحريض هي إسرائيل التي اتضح أن لها نفوذاً واسعاً في كثير من بلدان المنابع المشار إليها، ثم إن إسرائيل يهمها أن تجد وسيلة ما للضغط على جمهورية مصر العربية. وقد يكون من مخططات إسرائيل المستقبلية أن تتمكن يوماً ما من إيصال مياه النيل إلى صحراء النقب. إنه حلم يداعب قادة إسرائيل الذين لا حد لطموحاتهم ومطامعهم. إن الخلاف بين دول حوض النيل العشر مرشح لأن يتطور إلى نزاع، وفي الوقت ذاته، فهذه الدول مرشحة لأن تسود الحكمة بينها وتصل إلى توافق تام حول المياه التي جعل الله سبحانه وتعالى منها كل شيء حي. > عن «الاتحاد» الإماراتية