تعد منطقة الشرق الأوسط بساكنتها الشابة والنشيطة سوقا يسيل لها لعاب المؤسسات الإعلامية العالمية. ففي الوقت الذي تسببت فيه الأزمة الاقتصاديات وتداعياتها في انهيار العديد من الشركات العملاقة، بما فيها الإعلامية، تعرف فيه هذه السوق انتعاشا كبيرا في المنطقة، الأمر يعزوه الخبراء إلى ارتفاع نسبة الشباب الذين تتشكل منه المنطقة، على اعتبار أنهم أكبر المستهلكين للإعلام. وتؤكد الإحصاءات التي أصدرتها مؤسسة (برايس ووتر هاوس كوبرز) البريطانية تحت عنوان (المشهد الإعلامي العربي) أن أكثر من نصف ساكنة كل من اليمن، عمان، الكويت، العربية السعودية، الأردن، المغرب ومصر تتشكل من فئة عمرية يقل عمرها عن 25 عاما. وفي نفس الآن، فإن الإعلام التقليدي في المنطقة ما يزال يعرف انتعاشة متميزة نظرا لتشبث الناس بالصحافة الورقية، ولأن جل الدول العربية، باستثناء البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، تتوفر على نسبة تقل 10% من الساكنة المرتبطة بشبكة الإنترنت في منازلها. ورغم التراجع الذي عرفه تطور عدد القنوات الفضائية بالمنطقة بسبب الأزمة الاقتصادية، إلا أن التوقعات تشير إلى أن الاستهلاك الإعلامي هنا سيظل محافظا على نسب عالية على امتداد السنوات العشر القادمة. والسبب في ذلك، كما سبق الإشارة هو الكثافة السكانية وطابعها الشبابي، إلى جانب الثورة التكنولوجية والرفع التدريجي للقيود التقليدية المفروضة على الإعلام. ولعل أبرز ما يميز المشهد الإعلامي بالشرق الأوسط ذلك الظهور لقناة الجزيرة والتغير الإيجابي الذي يشهده التلفزيون السعودي بعرض شخر دجنبر من السنة الماضية لشريط سينمائي بعد غياب دام لأكثر من ثلاثين عاما. كما أن ثمة أمر إيجابي آخر يتمثل في تحسن المحتوى الإعلامي العربي، الذي يعد بالشيء الكثير في القادم من السنوات. ويرى الكثيرون أن خلق المقاولات الإعلامية والبنى التحتية المتعلقة بها طريقة تتيح تنويع الموارد الاقتصادية، التي ظلت لوقت طويل تعتمد على مصدر واحد. ولقد باشرت دبي قبل عشر سنوات عملية إعداد الأستوديوهات والفضاءات اللازمة لاستقبال المؤسسات الإعلامية العالمية فقط لمواكبة ذلك التوجه الذي يهدف لتنويع الموارد الاقتصادية للبلد، وهذا ما تحقق لها، حيث تمكنت من استقطاب العديد من كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية من مؤسستي «إم تي في» و«نيكلوديون» التابعة ل «فياكوم» إلى «سي إن إن» التابعة ل «تايم وورنر»، وكلها اقتنعت بأهمية فتح مكاتب محلية لها في المنطقة. ومؤخرا، تبنت أغنى إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أبو ظبي، خطوة نحو جلب مختلف الخبراء من أجل قطب إعلامي عربي رغبة فيها هي الأخرى في تنويع مداخيلها الاقتصادية والانفتاح أكثر على عصر الإعلام والتكنولوجيا بامتياز. يقول «توني أورست»، المدير التنفيذي لمؤسسة «توفور54» التي تمولها حكومة أبوظبي من أجل إقامة مركز للتكوين والإنتاج الأعلاميين: «إن المنطقة تسعى لكي لا تكون مجرد بنايات لإيواء الشركات الكبرى والأشخاص». وتشير تسمية «توفور54» لإحداثيات أبوظبي على خريطة العالم». ويضيف «أورست» قائلا: «إن لدى أمير أبوظبي، الشيخ محمد زايد آل نهيان، رؤية ثقافية تتجاوز مسألة إقامة البنايات». ولعل أكبر دليل على ذلك التوجه، ما تعرفه جزيرة السعديات، المحادية لسواحل أبوظبي، التي تراهن عليها الإمارة لتغدو العاصمة الثقافية للبلد، حيث تحتضن متحف «غوغنهيم»، ومتحف «اللوفر» لأبوظبي، والمركز الثقافي لأبوظبي ومركز العروض الفنية. ويتحدث «أوستن» عن هاته الإنجازات بالقول: «إن الفكرة وراء كل ذلك تكمن في استقدام الأفضل من عوالم الثقافة الدولية، وهكذا ستكون الأرضية مهيأة لباقي الأنشطة لتنمو وتزدهر في نفس الآن». ويندرج مشروع «توفور54» في إطار المخطط الرامي لتنويع الموارد الاقتصادية لأبوظبي، وعدم الاكتفاء بمداخيل النفط، وذلك بحلول سنة 2030. كما يدخل ذلك في إطار التأسيس لنموذج يرسم ملامح أي برنامج يسعى للنهوض بعالم الإعلام وجعله أكثر مهنية وأكثر قابلية للاستغلال. يقول «أوستن»: «إن الأمر يتعلق بتحويل الشرق الأوسط لقوة ثقافية على الصعيد العالمي». وستعمل هذه المؤسسة بحلول سنة 2014 بصرف ما لا يقل عن ثلاثة ملايير دولار على إقامة البنايات التي تضم الأستوديوهات والمكاتب ومراكز التكوين، كما ستوفر تمويلات يستفيد منها مهنيو الإعلام المحلي والمؤسسات الإعلام الدولي التي تسعى لتقديم منتوج يخاطب السكان المحلليين. وحسب «أوستن»، فإن: «البحث عن مواضيع تلفزيونية بالنسبة لهذه المنطقة من العالم لا يتطلب ميزانيات ضخمة، لقد اتضح لنا أن التركيز هنا يتم بالأساس على البرمج التي تخص شهر رمضان بالتحديد. إننا نريد تقديم المساعدة من أجل إغناء المسار التنموي ككل، لذلك أعددنا ما لا يقل عن 36 مؤسسة إنتاج ستباشر عملها هنا في أفق السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة». ولقد أثار مشروع «توفور54» انتباه العديد من عمالقة الفضائيات الغربية من قبيل «بي بي سي» و«هابر كولينز» و«سي إن إن»، كما لم يستثن ذلك كبريات الشبكات التلفزيونية العربية ك «روتانا»، التي يملكها الملياردير السعودي، الأمير وليد بن طلال»، وهو الذي كان وراء استصدار الإذن بعرض فيلم «مناحي» في المملكة العربية السعودية العام الماضي، واضعا بذلك حدا مع القطيعة التي كان قد فرضها النظام على عرض الأفلام السينمائية منذ سنوات السبعينات من القرن الماضي. ويعتقد «فريدريك سيشلر»، رئيس استوديوهات روتانا، هذا المشروع سيفتح المجال أمام النساء المحليات من أجل الانخراط أكثر في عالم الإعلام على اعتبار أنهن «يستطعن فهم ما يريد الناس مشاهدته وما ينتظرونه منا. والأكيد أن المكانة المتقدمة التي يحتلنها حاليا في الإعلام تسمح لهن بتبوأ موقع الريادة بكل سهولة». وفي نظره، فإن أصحاب المواهب والكفاءات يستطيعون بكل سهولة إيجاد طرق للتعبير عن أنفسهم دون الاكتراث بالقيودة التي قد تصادفهم، والأكيد أن التاريخ الفني والإعلامي لإعلامي المنطقة تثبت ذلك. ويضيف أن دور المؤسسات الإعلامية الكبرى المشاركة في هذا المشروع يتمثل في مساعدة هؤلاء الأشخاص على القيام بما يريدون وكيفما يريدون لكن بطريقة احترافية وناجحة. عن «الغارديان»