سلّط تنامي حوادث إطلاق النار وعمليات تهريب المخدرات التي شهدتها كندا في الآونة الأخيرة الضوء على معضلة تهريب الأسلحة النارية عبر الحدود الأميركية والتحديات الأمنية التي تفرضها على كندا. والحال أن هذا التدفق للأسلحة إلى المدن والبلدات الكندية بات مشكلة حقيقية تؤرق المسؤولين الأمنيين بسبب ارتفاع نسبة الجريمة، وتزايد معدلات حوادث إطلاق النار، وهو ما يؤكده الرقيب في الشرطة الكندية مايك ماكايج قائلا: «إننا نكتشف كل يوم العديد من الأسلحة القادمة من الولاياتالمتحدة سواء كانت بنادق، أو مسدسات، أم غيرها، وقد أصبح الأمر خطيراً للغاية». ومع أن الوضع في كندا لم يصل إلى مستوى خطورة الأحوال في المكسيك التي تندلع فيها المعارك أحياناً في الشوارع، وحيث الآلاف من قطع السلاح تهرب من الولاياتالمتحدة لتستخدم في حروب المخدرات المشتعلة في المدن المكسيكية، إلا أن السلطات الكندية لا تخفي حجم المصاعب التي تواجهها لوقف تدفق الأسلحة غير القانونية عبر حدودها الجنوبية. ويشير المسؤولون الكنديون إلى أن النموذج نفسه الذي يسمح للأسلحة الأميركية بالوقوع في أيدي عصابات المخدرات المكسيكية ينطبق على كندا مثل تباين القوانين في البلدين، وتساهلها في الولاياتالمتحدة، والمساحة الطويلة للحدود غير المحروسة بين الجانبين، فضلا عن تنامي تجارة المخدرات. وفي هذا السياق يقول ديفيد ميلر ، عمدة مدينة تورونتو الكندية: »إن هذه الأسلحة تتسبب في سقوط الكثير من الأشخاص في شوارع المدينة، وهي تُهرب إلى كندا لأن القوانين الأميركية متساهلة للغاية ولا تدقق كثيراً في عملية شراء وحمل الأسلحة، كما أنه من الصعب مراقبة الحدود وتفتيش كل القادمين من الولاياتالمتحدة«. وعلى رغم ندرة الإحصاءات التي من شأنها تأكيد تهريب الأسلحة وتدفقها إلى كندا، إلا أن حوادث إطلاق النار المتكررة وحالات القبض على تجار المخدرات تساهم في رسم جزء من الصورة، فقد اكتشفت الشرطة مثلا خلال مداهمة أحد المنازل بمنطقة »نيو برونسويك« في ديسمبر 2006 مسدسين تعود أرقامهما التسلسلية إلى الولاياتالمتحدة فضلا عن احتجاز كمية من الكوكايين والماريجوانا بالإضافة إلى مبلغ مالي يصل إلى 120 ألف دولار، ومجموعة من البنادق، وكانت تلك الأسلحة ضمن مجموعة أخرى وصلت إلى ستين قطعة تم تهريبها من ولاية »ماين« الأميركية، وأُدخلت بصورة غير قانونية إلى كندا. وقد استخدم أحد تلك الأسلحة التي اشتريت من »ماين« في جريمة مروعة عام 2007 عندما فشلت صفقة مخدرات بأحد الفنادق في مدينة »أوتاوا« فأطلق التاجر المدعو »بورتر« النار على البائع ليرديه قتيلا ويجرح زميله الذي أصيب بالرصاصة نفسها، وبعد إلقاء القبض على التاجر استطاعت الشرطة تعقب المسدس إلى أن وصلت الخيوط إلى ولاية »ماين« الأميركية حيث قام أحدهم بشراء ثمانية مسدسات لصالح المدعو »بورتر« الذي استخدم أحدها في عملية القتل. وقد ساهمت »بولا سيلسبي«، وهي المدعي العام في ولاية »ماين« في تحريك القضية ضد الشخص الذي قام بشراء الأسلحة في الولاية لتتم إدانته في المحاكم المحلية كجزء من التعاون الأميركي- الكندي لمكافحة التهريب والتنسيق الأمني، وقد علقت »سيلسبي« قائلة: »على الذين يساعدون في تهريب السلاح من الولاياتالمتحدة، أو يقومون بشرائه لفائدة أشخاص آخرين أن يعرفوا أنهم سيتعرضون للملاحقة وسيزج بهم في السجن«. ويسعى عمدة تورونتو بأقصى جهده لسن قانون يحظر استخدام الأسلحة في المدن الكندية، لكنه أيضاً أشار إلى ضرورة انخراط الولاياتالمتحدة التي تشكل مصدراً رئيسياً للأسلحة بتشديد قوانينها ومراقبة الحدود، ويقول العمدة إن ثلثي الأسلحة التي ضُبطت في جرائم بتورونتو تأتي من أميركا. غير أن »ريجينا لومباربدا« الملحقة الأميركية في تورونتو، والمكلفة بالتنسيق مع السلطات الكندية، تشكك في الإحصاءات التي يوردها الكنديون، مؤكدة أن تلك الأرقام ليست دقيقة بما يكفي لإلقاء اللوم على الولاياتالمتحدة وتحميلها مسؤولية ارتفاع الجريمة في المدن الكندية. وفي عام 2007 أدين أحد سكان واشنطن بتهمة تهريب 200 قطعة سلاح إلى كندا مقابل الحصول على المخدرات، كما احتجز حرس الحدود في شهر يناير الماضي عشرة أسلحة أوتوماتيكية وأكثر من 300 قطعة ذخائر. هذا وسجلت الشرطة الكندية أكثر من 2500 جريمة مرتبطة بإطلاق النار في المدن الكندية خلال عام 2008 وقد تم تعقب ثلاثة أرباع الأسلحة المستخدمة فيها لتصل خيوطها إلى مصادر في الولاياتالمتحدة، وهو ما يؤكده أيضاً »ويندي كاكر« من جمعية مراقبة الأسلحة في تورونتو، حيث يقول: »إن معظم الأسلحة التي نراها في كندا تأتي من المدن الأميركية، لاسيما الأسلحة الخفيفة والمسدسات التي يسهل تهريبها عبر الحدود«، مضيفاً »إن لدينا أطول حدود غير محمية في العالم، والحرس يفتشون جزءاً بسيطاً فقط من السيارات القادمة من الولاياتالمتحدة«. عن «كريستيان ساينس مونيتور»