أهم تحد هو المرتبط بتأهيل المدن، من أبرز التحولات التي عرفها المغرب، التطور السريع لحركة التمدن: معطى بنيوي أساسي، بداية الستينات 29 في المائة من مجموع السكان بالمدن، الآن أكثر من 16 مليون نسمة في 55 في المائة بالمدينة. فالمغرب أصبح مغرب التمدن الآن، ومن المرتقب أن ترتفع نسبة سكان المدن من العدد الإجمالي للسكان سنة 2025 إلى 65 في المائة، هذه الأرقام نوردها لإعطاء مقياس التحدي الكبير المطروح علينا في القريب العاجل، فبحسب الاحصائيات والتوقعات الخاصة بالسكان سوف يرتفع عدد الأسر خلال العشر سنوات القليلة القادمة إلى 5 ملايين أسرة بتزايد 144 ألف أسرة في السنة، وهو معطى أساسي لابد من الأخذ به بعين الاعتبار. أمام هذا الوضع المرتقب يبرز لنا عنصر أساسي بالنظر لحجم النمو والذي يرتبط بالسكن حيث يقتضي الأمر تجهيز 3000 هكتار سنوياً، وهو مايطرح علينا إشكالية تعبئة العقار، فالتطور السريع والمتوالي في التمدين وكذلك في الوظائف والأنشطة التي تقوم بها المدينة والتي أصبحت من خلالها فضاء للمواجهة التنافسية، فإن التحدي الكبير الآن هو الاعتناء بالمدينة في كل مستوياتها، التحدي هو تحد كبير، إذا أراد المغرب أن يربح هذه المعركة. السؤال المطروح بإلحاح الآن بعد الإطلاع على هذه المعطيات و حينما نقوم بتوقيع حصيلة التدبير الحضري في بلادنا هو «أين نحن من مواجهة الرهانات المستقبلية لمدننا مع الوتيرة التصاعدية للنمو الديمغرافي والعمراني بالمغرب؟» حصيلة السياسة المتبعة أبانت اليوم عن شيء أساسي، ففي عمق هذا الوسط الحضري نجد هناك عمقا للأزمة، وهي تتميز بمجموعة من الأمور، فهناك كوابح في التطور العادي للمدينة، هناك تراجع وعجز في الأداء الحضري لكل مدننا، ليست ذات مردودية مقبولة ولا تنشط بمتوسط الوتيرة المضبوط. حصيلة التمدن تشير إلى أن هناك انتظارات وحاجيات عديدة غير أن الوسائل والأدوات والإمكانات لاتسمح بالاستجابة لهذه الحاجيات الكبرى، لذلك أصبح ملحا اليوم بالنسبة لبلادنا تجسيد قطيعة إجبارية مع أساليب التدبير السابق، أصبح لزاما على كل الفاعلين أن يعملوا على بلورة رؤية جديدة لتنمية المدينة. خلال السنوات الماضية لم يسبق أن تم وضع مشروع رؤية منسجمة لبلورة الرؤية الجديدة لتنمية المدينة، أصبحنا أمام مطلب إنجاز تشخيصات للأزمة، فالحكامة كما تم العمل بها من قبل وأدوات التدبير أصبحت غير فاعلة ومن الضروري مراجعتها لتدبير مدننا بالشكل الذي يجعلنا نكسب الرهان مستقبلا. مراجعة سياسة التدبير تقتضي لزاما بل وجوبا ضرورة إدخال إصلاحات و إجراءات جريئة على سياسة التخطيط والدراسات، فالإشكال الآن هو في شكل التدبير و إشكالية التنمية تكمن في عدم نضج نظام الحكامة في تدبير شؤون المدينة ، فالمجال الحضري ببلادنا لايزال يطبعه الاختلال. عناصر الاختلال واضحة خاصة في المجال العمراني فالتوسع العمراني هو توسع سريع، تعمير عشوائي غير منظم وغير قانوني، نحن أمام اختلال قوي، فما بين 1994 و 2009 فقدت مدينة الدارالبيضاء عددا كبيرا من الأحياء، وسجلت تراجعات في السكان، وانتقلت الساكنة إلى الضواحي والذي يعتبر المجال المستقبلي للتطور، لكن كل ذلك تم من دون خطة مدروسة، و من أهم أسباب هذه الاختلالات في تدبير عملية التوسع هاته هناك سيادة منطق الاستعجال والتدخل حسب الظرفيات في تدبير القضايا العمرانية، فكان هناك هدر للوقت والإمكانيات، هدر نتج عنه عبث في ما يخص تدبير الشأن الحضري، والنتيجة، عدم التنسيق و عجز وغياب سياسة عقارية جريئة مع عدم تحديد الآليات التنفيذية الملائمة. لتجاوز أزمة المدينة المغربية والانتقال بها إلى مرحلة جديدة من سياسة تدبيرية متناسقة ، أصبح لزاماً اعتماد سياسة واضحة تشكل قطيعة مع الأساليب السابقة في التسيير والتدبير، لقد أصبح لزاما إعطاء الأولوية للمدينة في السياسة الحكومية، على اعتبار أن رهانات التنمية تنطلق منها وتنتهي فيها مرورا بباقي أشكال التجمعات الأخرى، فلتجاوز أزمة مدننا أصبح من المفروض وضع سياسة وطنية مضبوطة لتنظيم المدن الكبرى واعتماد سياسة أفقية وإحكام التنسيق في ظل تعدد الفاعلين المتدخلين مع ضرورة التفكير في الصيغ التي على كل متدخل أن يقوم بعمله في إطارها ، خاصة مايتعلق بإعداد التراب، ففي ظل ضعف الانسجام وغياب المشروع أصبح ضروريا اعتماد التصور الاستراتيجي في هذا المجال.