تتسارع المجريات في الحياة الداخلية لحزب الاصالة والمعاصرة. وهي مجريات فيها ما هو شأن داخلي، يرتبط «بالسيادة» التنظيمية للحزب الجديد، وفيها ما له علاقة بالوضع السياسي، وبالشأن الوطني. وفي هذا الشق يمكن أن تختلف المقاربات والاجتهادات، والقراءات، بما يجعل لكل متدخل الحق في أن يتخذ زاوية للنظر. فقد أعلن حزب الاصالة والمعاصرة، الذي يختزل في حزب الهمة عن تموقعه في المعارضة. وجاء قراره كمطر مفاجئ في نهار صيفي. وبالرغم من كل المسوغات التي ساقها بيان الشيخ بيد الله، فإن الكثيرين والمتتبعين لم يقتنعوا بالقرار وبحيثياته. فماذا يقول القرار؟ يقول بأن الهمة غاضب من الوزير الأول، ومن وزير الداخلية ومن وزير العدل لأنه راسلهم ولم يجيبوا على رسائله، بخصوص ما يتعلق بترشيحات حزبه. وإذا سلمنا بأن المرشحين يملكون ما يجعلهم فعلا مرشحي حزب الجرار، فهل يكون على وزير العدل مثلا أن يجيب الهمة ، في الوقت الذي أجاب القضاء لفائدته؟ وهل يكون فعلا من اللائق أن يكون الحكم لصالح الحزب الذي رفع الدعوى ضد الدولة والحكومة، وربحها، غير كاف في «جبر الخاطر» المكسور لزعيم الحزب؟ نعتقد بكل صدق أن الذي سوغ به الحزب غضبه غير قائم الحجة أو القدرة . ثم هل القرار ، من قبيل مساندة أو معارضة الحكومة، يتم اتخاذه في الظروف التي تمت؟ واضح أن القرار، الذي لم يستدع له المجلس الوطني للحزب، قرار سريع الطلقات. فهي المرة الأولى التي يكون فيها ملك البلاد في الخارج والوزير الأول في الخارج ويتم اتخاذ قرار من طرف حزب سياسي مغربي في هذا الوقت. إن ملك البلاد معني ، بأمر الحكومة، كما هو أمر الوزير الأول، وكان ربما من اللياقة السياسية عدم تغيير تقاليد ، تحترمها حتى الدول التي قطعت أشواطا كبيرة في الديموقراطية والاستقرار المؤسساتي. يمكن أن نعتبر بأن «تكسير» التقليد المغربي بهذا الخصوص سيدخل التاريخ المغربي المعاصر، ويكون الهمة قد خرج من الحكومة قبل أن يدخل التاريخ، لكن لا يمكن بأي حال ألا تكون لهكذا أمر، تداعيات كثيرة. لقد جاء الرد الملكي سريعا بتجديد الثقة في عباس الفاسي وحكومته، واتضح بأن الذين ظلوا على تحليلهم يعتبرون بأن القرب من المؤسسة المركزية في البلاد هو مشروع الحزب، وأن ذلك دليل على نوع من «التزكية» والمباركة، كانوا مخطئين، وأن هناك حدودا لا بد من الالتزام بها. جانب آخر لا بد له أن يطرح، ويخص البقاء في الحكومة: لقد كان العديد من أطر الحزب ومنظريه، بمن فيهم رئيس المجلس الوطني يعتبرون «المساندة النقدية» عبثا، ويعتبرون أن موقف الاتحاد متناقض، بالرغم من إدراكهم العميق أن حكومات الائتلاف يمكنها أن تختلف حول العديد من النقط، نظرا لاختلافات الاحزاب المشكلة لها. اليوم يخرج الحزب الى المعارضة، وهو باق في الحكومة، مع الاعلان عن أن «ذلك شأن ملكي». كما لو أن الشعار هو: «لنا المعارضة وما يتعلق بالحكومة بيد الملك»، يبقينا أو يزيلنا. وهو شعار يفقد القوة للقرار، حتى ولو سلمنا بأن اتخاذه كان فيه تجديد وخروج عن المألوف. ثم هناك جانب يتعلق بالسيد اخشيشن ، وزير التعليم:لقد كان وزيرا قبل الحزب؟ بمعنى آخر، لقد تعين في الكرسي الرسمي قبل أن يولد الحزب الذي يتحمل مسؤوليته.وهي الحالة التي نختص فيها مغربيا، حيث أن الشأن العام يسبق الحزبية ، بل إن الممارسة السياسية تسبق السياسة..! الخطوة الثانية التي لا يمكن إلا أن تسير في الاتجاه ذاته هي فك الارتباط مع الحليف السياسي ، التجمع الوطني للاحرار.. فقد بقي الحزب في الحكومة وصرح أمينه العام، مصطفى المنصوري أن «هذا قرار ملكي سامي وحكيم يعطي نفسا جديدا لحكومة جلالته ولأغلبيتها» مضيفا أن تجديد الثقة جاء «من أجل أن تقوم الحكومة بعملها في الظروف العادية، وأن تنجز مهامها خلال الإستحقاقات المقبلة، وأن تواكب كل المشاريع الكبرى التي فتحت خلال السنوات الأخيرة بالمملكة». ولعل الشيء الوحيد الذي حققه الاصالة في مساره القصير هو الارتباط مع الاحرار، وهو حزب يعرف الجميع «وسطيته» وتوازنه في المعادلة السياسية. والموقف الذي اتخذ «حبيا» من الطرفين يعني طلاقا سياسيا بخصوص تقدير المرحلة ، وبخصوص الموقف من الحكومة الحالية. الاكثر من ذلك هو أنه سبق للهمة أن انتقد وزيرا تجمعيا، هو أخنوش ولم يؤد ذلك الى فك الارتباط ولا الى إعلان الطلاق. اليوم يبدو أن الأمر أكبر من انتقاد وزير، حتى ولو كان الانتقاد ضربة كبيرة بالفعل لأنه جاء في صيغة تشكيك بأن أخنوش يسير ضد الإرادة الملكية (من يصدق هذا فعلا؟). لقد سكت التجمع الوطني عندما كان معنيا وحده، ولكن يبدو أن الأمور أكبر من موقف حزبي صرف .. نحن أمام تفاعلات كبيرة لا بد لها أن تعطي صورة عما يقع في المخيلة السياسية للطبقة السياسية المغربية، خصوصا مع كل الالتباس والريبة والضباية التي انتشرت حول تصريحات فؤاد عالي الهمة، والتي أقحم فيها اسم جلالة الملك..عند الحديث عن المشروع الملكي.. هناك حالة ضيق واضحة اليوم من «تطاير» الفعل السياسي وتأرجحه بين الضبابية والتسرع، والشخبطة واللخبطة..