الموسم، موسم انتخابات.. وهي انتخابات برهانات متعددة، لأنها قد تقود بلادنا إلى دخول « زمن المافيا ». بالمعنى الذي يفيد أننا أصبحنا بلدا تنتظم فيه المصالح، ليس بمنطق الصراع والتنافس و« اللوبيات »، بل بمنطق ما يفرزه الفساد من أعراض، تتجمع وتنتظم في « مافيات » متعددة، تأخد مدنا وبلادا بكاملها رهينة لحساباتها العابرة للقارات.. هل هذا التحول، الذي تؤخد إليه دورة الإنتخابات المغربية، يغري المغاربة بالإنخراط فيه؟.. ظاهريا: لا.. لكن، على المستوى العميق، هو واحد من اللحظات، المثالية، لإنهاض الوعي العمومي بالمخاطر الهائلة التي يأخدنا إليه هذا الإتجاه « المافياوي ». وذلك من خلال بث وعي عمومي عبر وسائط اتصال متعددة، أن المعركة تقتضي النزول إلى ساحة التصويت من أجل مواجهة هذه المافيات وأقطابها السافري الوجوه اليوم بالمغرب. إذ، كلما ارتفع حجم المشاركة وارتفع التصويت، كلما تقلصت إمكانيات عبور تلك الوجوه إلى كراسي القرار في المدن والمجالس والجهات، وكلما قل الخطر. ذلك، أن المسار الذي قد تذهب إليه بلادنا ( أي مصير كل المغاربة، دولة ومجتمعا )، سوف يشبه أخطر النماذج تخلفا التي تسلطنت ( وتسرطنت ) فيه المافيات، مثل روسيا وكولومبيا وتوابعها من دول أمريكا اللاتينية الوسطى. دون إغفال الدروس التي تقدمها لنا أيضا، التجارب الإيطالية والتركية والهولندية، التي عرفت كيف تقلم من توحش مافياتها المتعددة، وأن تواجهها بالشكل الذي عزز من سلطة دولة القانون، وأيضا من دور فاعل للمجتمع في تقوية سلطته في تدبير الشأن العمومي. ولم يسمح قط للمافيات أن ترهن المستقبل السياسي، لبلد بكامله. من آليات التأثير الحاسمة في كل معركة سياسية، مثل لحظة الإنتخابات، الإعلام وتقنيات التواصل المعتمدة من قبل الجسم السياسي. ومناسبة انتخابات 12 يونيو الجاري، فرصة لقياس مدى نجاح المغاربة ( ونخبهم ) في بلورة سلطة مؤثرة للإعلام وتكنولوجيا التواصل، في صناعة خرائط الغد التدبيرية على المستوى المحلي، التي تعتبر العمق الحقيقي الملموس لكل تنمية. ومن الأسئلة التي تطرح في هذا الباب: - هل تقنيات التواصل الكلاسيكية المعتمدة من قبل الجسم السياسي المغربي لا تزال مفيدة في حمل الناس على المشاركة بكثافة؟ - هل النزول إلى الشارع، والإنصات للناس ومحاورتهم بشكل مباشر ( كما يحدث بالتجربة الفرنسية ) لا يزال مفيدا؟ أم أن التقنية السكندنافية، التي تعتمد آلية التواصل التقنية أكثر، هي المفيدة؟ - أليست التربية السلوكية للمغاربة، قد أصبحت تقرن بين الإنتخاب والفساد، وأنها أصبحت تعتبر عاديا ( بل ومطلوبا ) أن تأخد الرشاوى الإنتخابية في ما يشبه سوق مفتوحة للنخاسة، وأن « الحذاقة » هي أن يأكل الناخب من هنا ويأكل من هناك، حتى يخرج ب « حصيصة » عابرة في أيام الحملة الإنتخابية؟.. إن هذه الأسئلة وغيرها تطرح على كل الجسم السياسي المغربي ( دولة وأحزابا حقيقية ذات مشروع مجتمعي له عمقه الميداني ) أن تجد لها أجوبة في الميدان، من خلال حسن استغلال التقنيات الجديدة في التواصل، التي تأتي في مقدمتها، ما أصبحت تلعبه مدونات الأنترنيت من دور في تأطير الوعي العمومي للمغاربة، سواء في المدن أو البوادي. لأنه من الأمور التي قليلا ما ينتبه إليها، أن الأنترنيت والإنخراط فيه أصبح إنفلوانزا منتشرة على كامل الخريطة المغربية، من خلال عدد « نوادي الأنترنيت » التي تنتشر في كامل التراب الوطني، والتي تأسر الأجيال الجديدة من المغاربة بكافة شرائحهم ( ذكورا وإناثا ) إلى عوالمها التي تأخدهم إلى نوع من « الحريك » عبر شبكة الويب. ولأن المناسبة شرط، فقد صادف انطلاق الحملة الإنتخابية المغربية، أن جاء من مدريد خبر رحيل واحدة من أكبر وأهم مناصري الحزب الإشتراكي الإسباني، وزعيمه الشاب رودريغيز زاباتيرو، والتي ظلت تلعب دورا حاسما في دعم مرشحي الحزب في كامل إسبانيا وفي الخارج، من خلال موقعها الإلكتروني الخاص. إن الدرس الذي تقدمه تلك الأم الراحلة، التي كانت تعتبر زباثيرو ابنها الذي لم تلده من رحمها، أن الأنترنيت أداة حاسمة اليوم لحماية العملية الإنتخابية ولإعطائها معنى وفائدة، تسمح بحماية المجتمع من السقوط في حسابات الهوامش الفاسدة ( مثل حساب المافيات الإنتخابية التي بدأت تتسلطن عندنا مغربيا ). لقد لعبت السيدة ماريا أميليا لوبيز بسنواتها 97 دورا حاسما في تحويل الأنترنيت إلى أداة للتغيير وللتأطير وللإقناع وللنقاش العمومي حول قضايا مصيرية للأمة الإسبانية، وكان زوار موقعها الذين يعدون بالملايين عبر العالم، رسلا لإعلاء قيمة السياسة كبوابة للتدبير النبيل والشريف لمصير الناس. هل يكفي في هذا الباب التذكير بما تلعبه الأنترنيت من دور في استقطاب جماعات التطرف الديني والسياسي للزبناء من الشباب؟.. هل يكفي التذكير، أيضا، بالطريقة التي نجح بها الرئيس باراك أوباما، والدور الذي لعبته الأنترنيت في نجاحه؟.. أليس عدم الإهتمام بهذه الآلية الحاسمة في التواصل الجديدة، نوع من الخطأ الإستراتيجي القاتل، الذي يجعلنا نضيع فرصا حاسمة لربح المستقبل؟.. إن المعركة اليوم مغربيا، هي مصالحة المغاربة مع دورهم السياسي، من خلال إقناعهم أن المشاركة هي نوع من المساهمة الواجبة والأخلاقية من أجل الوقوف ضد الزحف الهائل ل « المافيات الإنتخابية » التي ترهن مستقبل أبنائهم جميعا.