شكلت الإعاقة المزدوجة الجسدية والذهنية التي يصاب بها الأطفال، عبءا ثقيلا على الأسر المعوزة والفقيرة، حيث تضطر إلى مضاعفة الجهود في العناية بالطفل المعاق في أكله وعلاجه، وفي توفيرالأدوية اللازمة له أثناء إصابته بأدنى مرض، لعدم قدرة جسده على التحمل. وتتضاعف مشاكل الأسر الفقيرة أكثر، والتي يعاني أبناؤها من إعاقة جسدية وذهنية معا، لكون المعاق يفرض عليها أن تلازمه ليل نهار، لأنه لا يقوى على الحركة نهائيا، لهذا يستلزمها ذلك البقاء بجانبه لتقديم أي خدمة وتلبية أي شيء... مايجعل الأسر أكثر معاناة وحزنا، هو عدم قدرة المعاق، العاجز عن التحرك والكلام، على التعبير عن آلامه ورغباته. وبحسب ما استقيناه من آراء لدى بعض الأسر التي يعاني أبناؤها من إعاقة مزدوجة، فالصعوبة تزداد أكثر عندما تكون الأسرة فقيرة لاتستطيع تحمل مصاريف العلاج، خاصة إذا كان ابنها أو ابنتها، لايتكلم ولايستطيع استخدام -على الأقل- الإشارة، للتعبير ولو عن آلامه وأحزانه وعن رغباته، مما يشكّل حزنا عميقا لدى هذه الأسر، ومن ذلك حالة الطفلة «هند» التي توفيت منذ سنوات، والتي ازدادت معاقة جسديا وذهنيا، فعاشت لمدة 13 سنة إما ممّدة على الفراش أو جالسة على كرسيها المتحرك، لاتتكلم ولاتستطيع الإشارة بحركة، بالرغم من أنها تفهم الكلمات والإشارات. فالأم «خدوج» -كما حكت لنا- عانت الأمرّين طوال هذه المدة، إذ كانت لاتستطيع مغادرة المنزل، إلا إذا حضر إخوتها، هذا فضلا عن كثرة الأمراض التي تتعرض لها المعاقة/هند، ولاسيما أمراض الجهاز الهضمي، خاصة أنها لاتستطيع الهضم والمضغ مما زاد من صعوبة تغذيتها، فكل ما تتناوله من غذاء ووجبات كان على شكل سوائل. هذه الوضعية المعقدة، أثرت كثيرا على نفسية الأسرة التي تضطر في كل مرة وفي أي وقت إلى حمل هذه الطفلة المعاقة إلى المستشفى أو إلى الطبيب المختص. ففقر الأسرة الذي منعها من استأجار خادمة لهذا الغرض، وكثرة الإصابات التي تتعرض لها الطفلة المعاقة الصغيرة، إما بسبب الأطعمة نفسها أو بسبب نزلات البرد وغيرها... كلها عوامل ساهمت في تأزيم وضعية الأسرة نفسيا وماديا. الأسر الفقيرة عاجزة عن تحمل مصاريف الخادمات لرعاية أطفالها المعاقين تزداد معانات الأسر الفقيرة مع فلذات أكبادها، لاسيما إذا كانت لديهم إعاقة معقدة، تشل حركتهم وكلامهم، وتجعلهم لايمشون ولايتكلمون، حيث يبقون طول حياتهم كالجماد باستثناء ما يصدرونه من أنّات وصرخات ونبضات قلبهم، أمام الكلام والحركة، وقدرة على الوقوف والمشي لقضاء حاجتهم على الأقل، فهي منعدمة لدى المعاقين الملازمين للفراش ولكراسيهم المتحركة، فالأسرالفقيرة لاتستطيع استأجار خادمة تتكلف برعاية الطفل المعاق والحرص على نظافته وملازمته لتلبية حاجياته مثلما هو الحال لدى الأسر الميسورة. هذا ولم تستطع عائلة كَركَاب الفقيرة بمدينة الدشيرة، مثلا، أن تتحمل أجرة خادمة لمراقبة ورعاية ابنتها المعاقة «ندى»، لكون دخلها الفردي الشهري لايكفيها لتغطية مصاريف البيت بما في ذلك أجرة الكراء ومصاريف الماء والكهرباء، بل أكثر من ذلك تعجز عن شراء الأدوية للطفلة الصغيرة/المعاقة التي تتعرض بين الفينة والأخرى لعدة أمراض لعدم قدرة جسمها الهش على مقاومة كل الأمراض حتى ولو كانت عبارة عن زكام أوغيره. الأم«زهرة» التي تشتغل عون مصلحة بإحدى ثانويات أكَادير، وحسب روايتها، تضطر يوميا إلى أخذ ابنتها المعاقة صباح مساء إلى العمل، وتضطر معها الطفلة تحمّل متاعب التنقل عبر الحافلة من الدشيرة إلى بنسركَاو مما زاد من أمراضها. وتضيف: «أصبحنا نعيش في جحيم حقيقي، لأن الأب/الأبكم هو كذلك معاق، تضطره إعاقته إلى عدم إيجاد شغل مناسب، فهو يذهب يوميا إلى الميناء للبحث عن عمل مؤقت قد يجده وقد لايجده، ولا يعود إلا في المساء، وأنا بحكم عملي مضطرة إلى الذهاب منذ الصباح إلى الثانوية ولا أعود إلى المنزل إلا في المساء. وبحكم الأجرة الهزيلة التي أتلقاها لاأستطيع دفع أجرة الخادمة لكي تسهر على العناية بابنتي المصابة بإعاقة مزدوجة جسدية وذهنية. غياب مراكز خاصة بإيواء المعاقين يكرس معاناة الأسر الفقيرة ما يحزّ في أنفسنا، تقول زهرة، هو أن العديد ممن تعرفت عليهم من الأسر الفقيرة التي زرقها الله معاقا أو معاقة، هو أنها تشتكي من غياب تام لمراكز خاصة لرعاية وحضانة المعاقين بالمجان أو بثمن مناسب، بل أكثر من ذلك، استهجنت تعامل القائمين على إدارة مركز الترويض للمعاقين بالدشيرة الذين رفض تسجيل ابنتها بذات المركز، متذرعين بكون هذا الفضاء مخصص فقط للترويض وليس للحضانة، وكنّا نعقد آمالا كبيرة على بناء مركز خاص للأطفال المعاقين، لكن هذا المركز لم ينشأ بعد. فانعدام مراكز للترويض أو لاحتضان المعاقين جعل العديد من الأسر التي تعيش نفس حالتي، تتأزم وضعيتها، فلاهي قادرة على استئجار خادمة لهذا الغرض، ولاهي قادرة على المكوث بالبيت والبقاء بدون عمل، عكس الأسر الميسورة التي لها إمكانيات عديدة للتغلب على الطفل المعاق وإخضاعه للترويض وإدخاله إلى مراكز خاصة بما في ذلك الحضانة. على الدولة والجماعات المحلية، يقول أحد الآباء، أن تولي اهتماما بالغا لإحداث مراكز وفضاءات تكون بمثابة حضانة لإيواء الأطفال المعاقين المعوزين لتلقي الترويض والتربية والقراءة صباح مساء، حتى لايشعر الطفل المعاق بالدونية والنقص، لاسيما وأنه يظل حبيس المنزل ممددا على الفراش، أو فوق كرسيه المتحرك. فالأسر الفقيرة على الخصوص، في حاجة ماسة إلى هذه المراكز، يضيف أب آخر، لأن أغلب الأمهات يشتغلن ويقضين أوقاتا طويلة خارج المنزل، فيصعب عليهن العناية بأطفالهن المعاقين.