هل هذه هي ملامح الحرب التجارية الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية؟ بأمر من الكونغرس بشراء المنتجات الأميركية فقط خلال إنفاق أي أموال من ال787 مليار دولار التي رُصدت لتنشيط الاقتصاد الأميركي، فاجأت مدينة بيرو (بولاية إينديانا) أحد مورديها برفضها شراء مضخات لنظام الصرف الصحي مصنوعة في تورونتو الكندية. وفي كاليفورنيا، وبعد أن انتبه أحد ضباط القوات البحرية إلى أن الأنابيب في أحد مشاريع البناء في قاعدة بيندلتون بكاليفورنيا كندية الصنع، طلب اقتلاعها من الأرض واستبدالها بنسخ أميركية. والواقع أن عدداً من المصنعين الكنديين الآخرين الذين تجمعهم مشاريع بالحكومة الفدرالية وحكومات الولايات، يقولون إن ضغوطاً قوية تمارَس عليهم ليوقعوا التزامات يتعهدون فيها بأن يقدموا فقط المواد المصنوعة بالولاياتالمتحدة. ونتيجة لذلك، امتد الغضب إلى كندا، حيث تأسفت صحيفة «تورونتو ستار» الأسبوع الماضي ل«التدابير الحمائية الأميركية»، وأعربت شركات كندية عن قلقها من أن تضطر إلى نقل الوظائف إلى الولاياتالمتحدة قصد استيفاء شرط التصنيع في أميركا. وهذا الأسبوع، جاء الرد الكندي، حيث ردت بعض بلدات أونتاريو بتدابير تحرم الشركات الأميركية من عقود محلية في ما يمكن اعتباره الطلقة الأولى ضمن حملة أكبر قد تحرم الشركات الأميركية من مليارات الدولارات من المشاريع الكندية. غير أن هذه الحرب ليست كالحرب التجارية التي كانت دائرة زمن آبائنا حول الجبن. فمع سعي بلدان العالم جاهدة إلى خلق الوظائف والحفاظ عليها وسط الركود العالمي، يُبرز النزاع بين الولاياتالمتحدة وجارتها الشمالية، الصديقة والحليفة عادة، كتجل لما يبدو أنه أكبر تهديد لحرية التجارة خلال الأزمة الاقتصادية. وبدلا من الاكتفاء برفع الضرائب على السلع المستوردة، والتي تحكمها الاتفاقيات الدولية، تجد بلدان منها الولاياتالمتحدة، طرقاً مبتكرة للانخراط في الحمائية من خلال قرارات السياسة الداخلية التي لا يحكمها القانون الدولي؛ إذ خلافاً للحروب التجارية الكلاسيكية، تنعدم أو تكاد فرصة الاحتواء عبر الاحتكام إلى منظمة التجارة العالمية مثلا. وعلاوة على ذلك، فإنه غالباً ما يكون لمثل هذه الخطوات على الأرجح عواقب غير مقصودة، بل ويمكن أحياناً أن تضر بالهدف المعلن والمتمثل في خلق وظائف محلية. ولنأخذ على سبيل المثال شركة دوفيركو فارل ، وهي عبارة عن شراكة سويسرية روسية استحوذت على شركة فولاذ أميركية مفلسة بالقرب من بيتسبورج في التسعينيات ووظفت 600 شخص هناك. تقول الشركة إن المقتضيات الجديدة التي تحث على شراء المنتجات الأميركية يجري تأويلها على نحو واسع جداً إلى درجة أن دوفيركو فارل باتت على شفا الإغلاق. ويشار إلى أن هذه الشركة التي تعد جزءاً من سلسلة إمدادات عالمية ولديها عمليات إنتاج في دول متعددة، تصنع الأسلاك الفولاذية بمصنعها في ولاية بنسلفانيا باستعمال الألواح الفولاذية المستورَدة غير المتوفرة تجارياً في الولاياتالمتحدة. غير أن عملية الإنتاج، الخارجية في جزء منها، تعني أن ألواح الشركة لا ينطبق عليها التعريف الحالي «صنع في أميركا»، وهو تسمية ينص عليها قانون تنشيط الاقتصاد وتهم آلاف المشاريع في البلاد. وخلال الأسابيع الأخيرة، أشعر أكبر زبون لدوفيركو فارل، وهو مصنع للأنابيب الفولاذية يقع على بعد ميل واحد، مسؤولي الشركة بأنه سيلغي طلبات الشراء. ويعتزم الزبون التعامل مع شركات تنتج منتجات مصنوعة في أميركا بالكامل قصد استيفاء القواعد والتنظيمات الجديدة الهادفة لتنشط الاقتصاد الأميركي. ونتيجة لذلك، اضطرت دوفيركو إلى تسريح 80 في المئة من عمالها. وتعليقاً على هذا الأمر، يقول بوب ميلر، نائب رئيس دوفيركو فارل: »أخبرني كيف يؤدي تقييد التعامل بين شركتين يفصلهما ميل واحد إلى إنقاذ الوظائف الأميركية!«، مضيفاً: «لدي 600 عامل سيفقدون وظائفهم لهذا السبب؛ وتقول لي إن هذا أمر في صالح أميركا؟!». والواقع أن الولاياتالمتحدة ليست الوحيدة التي تسن سياسات داخلية يصفها المنتقدون بالحمائية. فبريطانيا وهولندا، على سبيل المثال، ترغمان البنوك التي تستفيد من الإنقاذ المالي للدولة على العودة إلى الإقراض في الداخل على حساب الزبائن في الخارج. وفي فرنسا، كان الرئيس ساركوزي يلح في البداية على ضرورة قيام شركات صناعة السيارات الفرنسية بنقل عملياتها التصنيعية إلى الداخل حتى تستفيد من الإنقاذ المالي الحكومي، قبل أن يتراجع عن ذلك بعد غضب زملائه في الاتحاد الأوروبي، والذي تعد فرنسا عضواً محورياً فيه. لكن عدد التدابير، المقترحة والمعتمدة، من إدارة أوباما والكونجرس خلال الأشهر الأخيرة، يثير قلق بعض الحكومات الأجنبية والمراقبين ووسائل الإعلام. والحقيقة أن المقتضيات التي تحث على شراء المنتوجات الأميركية ضمن حزمة تنشيط الاقتصاد، التي اعتُمدت وحولت إلى قانون في فبراير الماضي، ليست سوى البداية. ففي الأسبوع الماضي، كشف أوباما النقاب عن سلسلة من المقترحات الرامية إلى زيادة الضرائب بما يناهز 200 مليار دولار على الشركات الأميركية التي لديها أنشطة في الخارج خلال العشر سنوات المقبلة، وقال إن التدابير تهدف إلى «إغلاق الثغرات» التي تسمح للشركات ب«دفع ضرائب أقل إذا قام المرء بخلق وظيفة في بنجالور في الهند مقارنة مع خلقها في بوفالو في نيويورك». عن «لوس أنجلوس تايمز»