إذا كنت قد وضعت العنوان في صيغة استفهام، فإن بعض الصحف المغربية وكذا الجزائرية تورد هذه الأيام العبارة السابقة في صيغة خبرية، بل وعلى نحو من الجزم والتوكيد. فقد نشرت المجلة الأسبوعية المغربية الناطقة بالفرنسية ماروك إيبدو في عددها ليوم 21 ماي 2009، مقالاً بعنوان "استعداد الجزائر والمغرب للحرب"، واضعة إياه على صدر غلافها. "" وبصرف النظر عمّا يمكن أن يكون في مثل هذه العناوين من قصد الإثارة الصحفية، فإن الاستدلال على نذر الحرب المحتملة بين البلدين قائم على أساس تصاعد رقم إنفاقهما العسكري في عام 2009 بشكل غير مسبوق. أرقام دالّة على التنافس لنتأمل هذه الأرقام قبل الإيغال في تحليل دلالاتها وفرضياتها: أورد المعهد العالمي للبحث من أجل السلام (استوكهولم) تقريراً مفصلاً عن تسابق البلدين المغاربيين, الجزائر والمغرب، نحو التسلح خلال عام 2008، منتهياً إلى تسطير ملاحظات مقلقة: فالمغرب، رغم وضعيته الاقتصادية الصعبة، كبلد مستورد لا منتج للنفط الذي تصاعد سعره خلال عام 2008، احتل المرتبة الخامسة بين كل الدول العربية من حيث الميزانية العسكرية، وذلك بإنفاقه حوالى 3.5 مليارات دولار، أي 16% من ميزانية الدولة المغربية. بينما الجزائر التي كانت تحتل المرتبة الثالثة بين الدول العربية من حيث الإنفاق العسكري بمبلغ 2.4 مليار دولار عام 2007، صارت في المرتبة الثانية عام 2008 بمبلغ 4.5 مليارات دولار. وإذا كانت هذه هي حصيلة الإنفاق عام 2008، فإن سنة 2009 تشهد ازدياداً ملحوظاً، حيث خصصت الجزائر مبلغ 6.25 مليارات دولار. وهذا الازدياد في مبلغ الإنفاق يلاحظ أيضاً في السياسة المالية المغربية. أسباب الإنفاق العسكري لكن لماذا هذا التنافس المحموم بين البلدين الجارين على إنفاق هذه المبالغ الهائلة، التي كان أولى أن تنفق في التنمية؟ وضد من تستعد الجزائر والمغرب بتقوية كل منهما ترسانتها العسكرية؟ ثمة جواب جاهز من الدولة الجزائرية، وهو أن تصاعد وتيرة الإنفاق على العسكر وآلياته راجع إلى خطة مسبقة كانت قد أعلنت عنها عام 1999، تحت عنوان «تحديث الجيش الوطني الشعبي»، ومعلوم أن من مستلزمات تحديث أي منظومة عسكرية هو الإنفاق على تجديد معداتها، الأمر الذي يجعل تصاعد الميزانية العسكرية أمراً بديهياً. كما يشير بعض المحللين إلى أن الوضع الأمني الجزائري، وخاصة في سياق الحرب على الإرهاب، يفرض الاستمرار في الرفع من المبلغ المخصص للميزانية العسكرية، قصد تأهيل البنية البشرية واللوجستيكية للجيش الجزائري. غير أن مثل هذا التبرير لا يقنع الملاحظ المغربي، الذي يبدو قلقاً تجاه نوايا جاره الجزائري، لأنه عندما ينظر في مبلغ الإنفاق ونوعية السلاح لا يستوعب أن يكون القصد منه فقط محاربة جماعات إرهابية، حيث إن الترسانة العسكرية الجزائرية التي يتم تطويرها الآن هي من مستوى محاربة دول وليس جماعات فقط. وفي المقابل لا بد من طرح السؤال ذاته عن سبب الإنفاق العسكري المغربي، لمحاولة الإمساك بفرضيات تفسره أو تبرره، إذ رغم الانعكاسات السلبية لارتفاع سعر النفط خلال عام 2008، ورغم الأزمة المالية والاقتصادية خلال عام 2009، ورغم ما يلاحظ من انخراط إيجابي للدولة المغربية في إعادة تأهيل البنى التحتية، وما يتطلبه ذلك من توفير إمكانات مالية مهمة، فإنه على مستوى الميزانية لم يبخل البرلمان المغربي على الإنفاق في مجال تقوية المنظومة العسكرية للجيش المغربي. فمنذ نهاية عام 2007 أي لحظة التوقيع على غلاف مالي يقدر ب2.4 مليار دولار لشراء أربع وعشرين طائرة من نوع إف16 الأميركية، استمر المغرب بوتيرة متصاعدة في تحديث بنيته العسكرية، ليتجاوز رقم الميزانية المخصصة لذلك حاجز الثلاثة مليارات منذ عام 2008. وذلك في سياق ما يسمى «تطبيق المخطط الخماسي» لتحديث الجيش المغربي. كما أن المغرب ينظر اليوم بقلق واستهجان لموقف الجزائر من مشكلة الصحراء، وخاصة بعد طرحه لمشروع الحكم الذاتي. وهو المقترح الذي لم يلق تجاوباً إيجابياً من قبل الجار الجزائري الذي بدا هنا صحراوياً أكثر من الصحراويين أنفسهم. إن الموقف الجزائري من الصحراء هو جوهر الخلاف الذي يفسر تسابق المغرب مع جاره في هذا الإنفاق الباذخ على منظومته العسكرية. ومن ثم فحل مشكلة الصحراء سيكون مقدمة لإنهاء ما يمكن أن نسميه حالة الحرب الباردة التي تنهك اقتصاد البلدين، وتؤثر سلباً على مشروع الوحدة المغاربية. بناء على المعطيات العسكرية والاقتصادية، يتضح أن التقارب كبير بين البلدين، الأمر الذي يؤكد أن عين كل منهما مركزة على النظر إلى الآخر، وبالتالي فصيرورة التنافس والتسلح تجري فيهما بنفس الوتيرة تقريباً. فهل يجوز القول إذن إن الحرب محتملة؟ هل يصح أن ننتزع من عنوان مقالنا علامة استفهام، فيتحول من جملة إنشائية إلى عبارة خبرية تفيد بأن الحرب بين الجزائر والمغرب وشيكة الوقوع؟ أستبعد ذلك، لأن المغرب والجزائر يدركان جيداً أن أي حرب فعلية بينهما لن يكون فيها سوى رابح واحد هو تاجر السلاح الذي سينهكهما معاً.