بقراره عزل قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، يكون وزير الدفاع روبرت جيتس قد أعرب يوم الاثنين الماضي ضمناً عن اتفاقه مع الانتقادات المتزايدة في الدوائر العسكرية، والتي ترى أن الجهد العسكري الأميركي بات يعاني من نقص في الأفكار والابتكار. ولعل أبرز عيوب الجنرال »ديفيد ماكيرنان«، الذي استُبدل كقائد للقوات الأميركية وقوات الناتو، هو افتقاره لخطط عملية جديدة وجريئة، وتردده في تبني استراتيجيات أثبتت نجاحها في العراق، كما يقول ضباط ومسؤولون في «البنتاغون». وبالمقابل، يُعتبر الضابط الذي اختاره «جيتس» ليحل محله، وهو الجنرال ستانلي ماكريستال، سريع البديهة وكثير الحيلة؛ ويُتوقع أن يعمل بقوة أكبر على تحسين مستوى القوات الأفغانية، وإصلاح عملية جمع المعلومات الاستخباراتية، واعتماد تغييرات تنظيمية كان«ماكيرنان» قد قاومها من قبل. ففي عهد القائد المنصرف، كان مسؤولون عسكريون في واشنطن يشتكون في المجالس الخاصة من القيادة الأميركية في أفغانستان. ورغم أن مسؤولين قلائل فقط انتقدوا ماكيرنان بالاسم، إلا أن جيتس أوضح يوم الاثنين أن رسالتهم وصلت حين قال في مؤتمر صحافي في البنتاجون: «إن مهمتنا هناك تتطلب من قادتنا العسكريين تفكيراً جديداً ومقاربات جديدة»، مضيفاً «واليوم، لدينا سياسة جديدة وضعها رئيسنا الجديد. ثم لدينا استراتيجية جديدة، ومهمة جديدة، وسفير جديد. وأعتقد أن المطلوب أيضا قيادة عسكرية جديدة». والجدير بالذكر أن «جيتس» سبق أن أقال عدداً من المسؤولين العسكريين الكبار منذ توليه مسؤولية وزارة الدفاع، ومنهم وزير الجيش وقادة كبار في القوات الجوية، كما قبل استقالة القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط. ولكن ماكيرنان هو أول قائد للقوات البرية يقيله جيتس. وكان من المفترض أن يستمر »ماكرينان«، الذي تولى القيادة العسكرية قبل 11 شهرا، في أداء مهامه لفترة عامين. وإذا كان المسؤولون قد أشادوا بماكيرنان، الذي ساهم أيضا في قيادة القوات البرية الأميركية خلال الغزو العراقي، فإن جيتس اعترف يوم الاثنين بأن الخطوة ستنهي المشوار العسكري للجنرال الذي يبلغ 58 عاما. وتعد الخطوة إشارة أخرى على زيادة التخوفات الأميركية بسبب الحرب في أفغانستان، والتي فاقمها القلق بشأن الأوضاع في باكستان المجاورة. وقال جيتس إنه استشار المسؤولين العسكريين الكبار بشأن التغيير، ومنهم الأدميرال مايكل مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأميركية. وأفاد مسؤولون عسكريون بأن مولن هو أكثر من ضغط بقوة في اتجاه التغيير. كما حصل جيتس أيضا على موافقة الرئيس أوباما، الذي قال خلال تحديده لاستراتيجية جديدة قبل ستة أسابيع إن أفغانستان تتحول إلى مكان »خطير بشكل متزايد«. كما وافق أوباما، الذي أمر بإرسال 21000 جندي إضافي إلى أفغانستان، على أن الاستراتيجية الجديدة «تحتاج إلى زعامة عسكرية جديدة»، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس. وكان مسؤولون كبار في وزارة الدفاع محبطين لأن ماكيرنان لم يعمل بسرعة على وضع مخطط مفصل لحملة عسكرية جديدة في الأيام التي تلت الإعلان عن استراتيجية جديدة. وفي هذا السياق يقول جاك كين، وهو جنرال متقاعد قدم المشورة لإدارة بوش بخصوص زيادة عديد القوات في العراق عام 2007: «إن الجنرال ماكيرنان رجل طيب؛ ولكنه كان الرجلَ الخطأ في التوقيت الخطأ لأن ما تحتاجه الحرب هي استراتيجية جديدة وخطة جديدة». واللافت أن عددا من المسؤولين العسكريين الكبار أشاروا إلى مثال بترايوس أثناء تشديدهم على أهمية تنفيذ الاستراتيجيات الرئاسية الجديدة، وذلك على اعتبار أن بترايوس عمد، بعد تعيينه من قبل الرئيس بوش لتولي القيادة العسكرية في بغداد، إلى طرح مخططات من سبقوه جانباً وتحديد سلسلة من المبادرات الجديدة مثل تسوير أحياء بغداد قصد حمايتها من الهجمات وإنشاء مراكز عسكرية مشتركة أميركية-عراقية عبر مختلف مناطق البلاد. أما في أفغانستان، فقد قاوم ماكيرنان إجراء أي تغيير على عملياته، مفضلا التمسك بخطة الحملة العسكرية للناتو والتي يعتبرها المنتقدون قديمة وغير فعالة. كما لم يكن ماكيرنان يرغب في استعداء الحلفاء داخل «الناتو» من خلال تغيير الهيكلة التنظيمية للقيادة أو تغيير خطط العمليات المتفق عليها، كما يقول محللون عسكريون. وإضافة إلى ذلك، ينتقد مسؤولون سابقون ماكيرنان وقيادته لأنها لم تعمل بسرعة على تبني بعض الاستراتيجيات التي أثبتت نجاحها خلال زيادة عديد القوات الأميركية في العراق. وفي هذا الإطار يقول مسؤول عسكري كبير: «إننا في حاجة إلى تطبيق الأشياء التي أثبتت نجاحها»، مضيفا «ينبغي أن تؤمِّن السكان، وينبغي أن تساعدهم على مساعدة أنفسهم، وينبغي أن تجعلهم يصدقون أن مستقبلهم بأيديهم». ومعلوم أن أحد العوامل الأساسية في النجاح في العراق تمثل في الزيادة السريعة في قوات الأمن المحلية؛ حيث أضاف العراق في 2007 مثلا أكثر من 100000 جندي. أما خلال الأشهر الأحد عشر التي قاد فيها ماكيرنان المهمة الأفغانية، فإن جيش البلاد ازداد من نحو 60000 جندي إلى نحو 83000 فقط. وتعليقا على هذا الموضوع يقول مسؤول سابق في وزارة الدفاع: »لقد كانت زيادة قوات الأمن الأفغانية بطيئة جدا. وكنا غير مستعدين للتغلب على بعض العراقيل، ولكن الجنرال ماكريستال سيتخطى كل ذلك«. القائد الجديد يعتبر خبيراً في الحرب ضد حركات التمرد، ومهندسَ المهمات التي نفذتها قوات العمليات الخاصة في العراق؛ حيث زاد من استعمال الجنود المدربين تدريباً جدياً وساهم في تقليص المتمردين السنة والمليشيات الشيعية. كما خُص ماكريستال بالإشادة بعد العملية التي قُتل فيها زعيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي في يونيو 2006 . ومؤخرا، تزعم ماكريستال جهود بحث سبل تحسين الجهد الحربي في أفغانستان، جهود قال مولن يوم الاثنين إن الهدف منها التأكد من أن أكثر الضباط حنكة وتجربة يُرسَلون إلى أفغانستان وضمان الاستفادة من تجربتهم. عن «لوس أنجلوس تايمز»