باحجي يستقيل من رئاسة جماعة مكناس    سجن العرجات يوضح بشأن " قلب زيان"‬    رصاصة شرطي توقف جانحا خطيرا    البوليزاريو: لا صفة له للتفاوض مع السوق الأوروبية المشتركة    المكتب الوطني المغربي للسياحة يطلق حملته الترويجية الثانية "نتلاقاو فبلادنا"    قيس سعيّد رئيسا لعهدة ثانية ب 90.69%    وليد الركراكي يستدعي بالعامري لتعويض غياب مزراوي    الداكي: رئاسة النيابة العامة حريصة على جعل حماية حقوق الإنسان ومكافحة التعذيب أولى أولويات السياسة الجنائية    لوديي وبريظ يستقبلان وفد مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يقوم بزيارة للمملكة    توقعات احوال الطقس ليوم الثلاثاء.. أمطار وانخفاض في درجة الحرارة    مديرية الأمن وبنك المغرب يعززان التعاون    الرجاء والجيش الملكي في مجموعة واحدة بدوري أبطال إفريقيا    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء        "سباق ضد الزمن" .. هل تستطيع إيران إنتاج سلاح نووي في أقل من أسبوع؟    النقيب الجامعي يوجه رسالة مفتوحة لعزيز أخنوش.. إلى أين تسيرون بالمغرب وبالمغاربة؟    النادي السينمائي لسيدي عثمان ينظم مهرجانه ال10 بالبيضاء    مجموعة "لابس" تتحدى الهجوم الجزائري وتغني في المغرب    مهنيو النقل الدولي للبضائع يستنكرون توقيف الحكومة لدعم الغازوال    زهير زائر يعرض "زائر واحد زائر مشكل" بالدار البيضاء ومدن أخرى        "القسام": طوفان الأقصى ضربة استباقية وندعو لأكبر تضامن مع فلسطين    إحباط محاولة للهجرة السرية نفذها حوالي 60 شخصا    حموشي يمنح ترقية استثنائية لشرطي فقد حياته بين طنجة والفنيدق    المنتدى العربي للفكر في دورته 11    المغرب يحتضن النسخة الأولى لمؤتمر الحوسبة السحابية    السلطات المغربية تعتقل مجرما خطيرا فر من السجن بإحدى الدول الأوروبية    بركان تتعرف على منافسي "كأس الكاف"    افتتاح السنة التشريعية حدث دستوري وسياسي واجتماعي واقتصادي بدلالات وأبعاد وطنية ودولية    اغتيال حسن نصر الله.. قراءة في التوقيت و التصعيد و التداعيات    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    جائزة نوبل للطب تختار عالمين أمريكيين هذه السنة    ريال مدريد يعلن إصابة داني كارفاخال بتمزق الرباط الصليبي الأمامي وعدة إصابات خطيرة أخرى    جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام    أرباب المخابز يحتجون على عشوائية القطاع وتدهور وغياب الدعم المالي    جهة سوس تسجل أعلى معدل بطالة على المستوى الوطني    بطولة احترافية بمدرجات خاوية!    الدحاوي تمنح المغرب الذهب ببطولة العالم للتايكوندو للشبان في كوريا الجنوبية    منتخب "U17" يواجه السعودية استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    كتائب القسام تقصف إسرائيل تزامنا مع ذكرى "طوفان الأقصى"    تعريف بمشاريع المغرب في مجال الطاقة المتجددة ضمن أسبوع القاهرة للطاقة المستدامة2024    "حزب الله": لا بد من إزالة إسرائيل    فيلم "جوكر: فولي آ دو" يتصدر الإيرادات بأميركا الشمالية    حماس تعلن إطلاق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل تزامنا مع إحياء ذكرى 7 أكتوبر    في لبنان مصير العام الدراسي معلق على وقع الحرب وأزمة النازحين    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    انطلاق منافسات الدورة ال25 لرالي المغرب    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    إسرائيل ربحت معارك عديدة.. وهي في طورها أن تخسر الحرب..    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأزمة العالمية والوضع العام في المغرب..
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 05 - 2009

حضور كثيف، نوعي ومتميز ملأ قاعة الاجتماعات لمجلس جهة مكناس - تافيلالت، تابع العرض الهام الذي ألقاه عضو المكتب السياسي
ونائب الكاتب الأول للحزب، الأخ فتح الله ولعلو حول موضوع «انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الوضع العام في المغرب » الذي يدخل ضمن برنامج فرع حمرية الإشعاعي، تخليدا للذكرى الخمسينية لتأسيس الحركة الاتحادية.
في بداية هذا اللقاء التواصلي مع ساكنة الحاضرة الإسماعيلية، استهل الأخ ولعلو مداخلته بتذكير الحاضرين بمعركة وادي بوفكران، التي ألهمت حماس الشهيد المهدي بنبركة وهو شاب صغير. وتحدث عن معرض الفلاحة الدولي، لينتقل إلى الأحداث الكبرى التي شهدها العالم، والتي لعبت دورا أساسيا في بروز الأزمات المالية العالمية، انطلاقا من ثلاثينات القرن الماضي وصولا إلى أحداث 11 شتنبر 2001 وما تلاها من غزو لأفغانستان والعراق بدعوى محاربة الإرهاب، مرورا بأزمة النفط قي 73 و79 ثم انهيار الاتحاد السوفياتي. ثم أكد الأخ ولعلو أن رد الاعتبار للسياسة، ورجوع الفكر الاشتراكي وبروز القطبية هي أهم النقط التي يجب استخلاصها من هذه الأزمة، مشددا في ذات الوقت على أن التحولات التي سيعرفها العالم تطابق تماما الدور الذي يلعبه الاتحاد الاشتراكي.
في أواسط الثلاثينات، انخرطت مدينة مكناس في معركة وادي بوفكران في الحركة الوطنية، وفي ذلك الوقت برز شاب صغير السن، بين الطفولة والشباب سيصبح دينامو الحركة الوطنية في هذه البلاد، هذا الشاب هو فقط شهيدنا المهدي بنبركة. ويمكن أن أقول لكم أن الأحداث التي عرفتها مكناس في ذلك الوقت كانت من الأشياء التي انتبه إليها وهو صغير السن وهي التي قادته وهو شاب ليصبح مكونا أساسيا في الحركة الوطنية ،بل دينامو الحركة الوطنية وطبعا بعد الاستقلال أصبح مرجعا أساسيا لإدماج مفهوم التقدمية في مفهوم الوطنية، الشيء الذي أدى إلى ميلاد الاتحاد الوطني / الاتحاد الاشتراكي.
طلب مني إخواني اليوم بهذه المناسبة أن أتحدث عن موضوع يتحدث عنه العالم كله وسيبقى الحديث عنه طوال هذه السنة وربما جزءا من السنة القادمة، يتعلق الأمر بما يسمى اليوم بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وهي بطبيعة الحال أكبر أزمة تخترق الاقتصاد العالمي منذ ثمانين سنة، لأن الأزمة الأخرى هي أزمة الثلاثينات في القرن الماضي وباعتبارها أزمة كبيرة، لأن أهميتها لا تكمن في الأزمة في حد ذاتها ولكن في نتائجها، وعندما أقول النتائج لا تكون دائما سلبية، لأن القوي سيستفيد من هذه النتائج والضعيف لن يستفيد كثيرا. لذلك الذي يهمني هو إعطاؤكم فكرة ولو مركزة وغير وصفية وما مفهومية هذه الأزمة، ثم بعد ذلك نسأل عن نتائجها بالنسبة للمنطقة وبالنسبة للمغرب وأخيرا نربطها بالآفاق أي ما بعد الأزمة.
قبل أن أصل إلى هنا وباعتباري زرت مدينة مكناس كان من الطبيعي أن أتوجه إلى المعرض الدولي للفلاحة مثل السنة الفارطة زرته بصفة شخصية، طبعا زرته لأنه من المفيد أن نعرف كيف تتطور الفلاحة المغربية وإن هذه السنة بحمد الله ستكون سنة طيبة وهذا ما نحمد الله عليه بطبيعة الحال بفضل أمطار الرحمة.لكن الذي كان يهمني هو أن القضية الغذائية أصبحت قضية خطيرة في العالم ويجب أن ننتبه إليها ولذلك وكأنني سأصل إلى الخاتمة، من الأشياء الأساسية التي يجب أن نهتم بها في تمنيع وتنويع مصادر الإنتاج في بلادنا، يجب أن ننتبه إلى أنه من الضروري إعادة الاعتبار للفلاحة المغربية من أجل مواجهة التوجهات الخطيرة أو المخاطر الكبرى التي تنتظر العالم في المجال الغذائي. ومن المؤكد أنكم ستقولون وما علاقة ذلك مع الأزمة؟ ابتداء من شتنبر 2008 برزت الأزمة المالية، ولكن لا يجب أن ننسى أن 2008 بدأت بأزمة الطاقة، حيث ارتفع سعر النفط إلى 147 دولارا من جهة والأزمة الغذائية عندما ارتفع كذلك سعر المزروعات بشكل كبير عالميا. وهذان الأزمتان سنلاحظ كيف ستؤثران على بروز الأزمة المالية. هما ناتجتان عن تزايد كبير للطلب في الطاقة وفي النفط وفي الغذاء من طرف البلدان الكبرى من الناحية الديمغرافية الأسيوية بالأساس، ما يسمى الآن بالبلدان المنبثقة وعلى رأسها الصين والهند، وفي الجانب الآخر البرازيل. وهكذا فإن طلب هذه البلدان نتيجة التطورات التي بدأت تعرفها أعطى إشارة بأنها ستلعب دورا كبيرا في المستقبل في الحكامة الاقتصادية في العالم ونهاية السنة ابتداء من غشت - شتنبر 2008 ستأتي الأزمة المالية من قلب اقتصاد السوق /الرأسمالية ،أي من الولايات المتحدة.
إذن الأزمة الأولى بدأت من البلدان المنبثقة، والأزمة الثانية بدأت في البلد الأكثر تقدما وهذه المعطيات هي التي أدت وستؤدي إلى التغيير في هندسة التدبير الاقتصادي عالميا، كما سنرى فيما بعد.
هذه الأزمة ستؤدي إلى تغيير كبير في تدبير الشأن الاقتصادي، وستؤدي إلى تغيير كبير في علاقة الدولة بالسوق، وستؤدي أيضا إلى تغيير كبير في الأفكار وفي المواجهات الفكرية والإيديولوجية. سألخصها أولا وقبل كل شيء في أربع نقط، قبل أن أًصل إلى نتائجها وبعد ذلك سنتحدث عن تأثيرها على المغرب.
النقطة الأولى هي أنه على غرار الأزمات الكبرى التي بدأت في الرأسمالية في القرن 17 هي أزمة كبيرة، لأنها انطلقت من قلب أو من المركز الرائد للاقتصاد في الولايات المتحدة، وهي في الواقع نتيجة سوء توزيع في المداخيل وفي الثروات داخل الولايات المتحدة، انطلاقا تقريبا من التراكمات التي كانت خلال الثلاثين سنة والتي تكرست كثيرا في المرحلة التي تحكم فيها الرئيس بوش. لما لاحظت السلطات المحلية أن سوء التوزيع يجعل أن الفئات الفقيرة أو المتوسطة في الولايات المتحدة لم تعد بمقدورها الزيادة في الطلب أو المشتريات تركت السلطات المحلية الحرية للبنوك تقوم بتوسع القروض بدون ضوابط مالية وبدون ضوابط قانونية اعتقادا منها أن توسيع القروض سيؤدي إلى تحريك النشاط الاقتصادي وسيؤدي إذن إلى تحسين أداء الاقتصاد الأمريكي. وهذا الوضع عمليا كما سأرجع إلى ذلك بسرعة، بدأ منذ الثمانينات ولكنه تقوى في العشر سنوات الأخيرة، أي أنه عوض أن تكون مداخيل الناس والعائلات هي المحركة، أصبحت البنوك هي المحركة وهذه البنوك أصبحت تعطي بعض القروض خارج الضوابط وأخذت توظفها خارجها في كل بلدان أوروبا، واليابان الخ، وهذا ما جعل في أحد الأوقات قيمة العقارات التي كانت أساس الرهن هبطت وحينها وجدت البنوك نفسها في مأزق، حيث لم يجد الناس الذين عليهم ديون ما يسددوا به اقتراضاتهم، مما اضطرت معه البنوك إلى انتزاع تلك المنازل من أصحابها وطردهم، مما أدى هذا عمليا إلى منغلق عند البنوك التي لم تبق لها هي أيضا مداخيل وأصبحت في وضعية سيئة، الأمر الذي أدى بهم إلى طلب مساعدة الدولة ولكن لم تبق لهم القدرة على اقتراض الناس، سواء في المجال الصناعي أو الخدماتي و... الأمر الذي أدى بدخول هذه القطاعات المنتجة في أزمة وهكذا انتقلت الأزمة من القطاع المالي إلى القطاع المنتج أو القطاع الحقيقي. هذا السبب الأول الذي يمكن تلخيصه في سوء التوزيع الذي دفع السلطات العمومية إلى إغماض عينيها عمليا وتركت البنوك تقوم بأعمال غير قانونية وغير خاضعة لضوابط. وهذا أدى إلى استدانة كبيرة للعائلات وخاصة في مجال العقار.
السبب الثاني هو أن العالم منذ 15 سنة تقريبا أصبحت فيه الثنائية ما بين بلدان مثل الولايات المتحدة بالرغم من أنها قوية ومثل فرنسا إلى حد كبير،عندها عجز في ميزانيتها وعجز في ميزانها التجاري ، أي أنها تشتري أكثر مما تبيع، وبجانب هذه البلدان أصبحت دول أخرى تتوفر على وفر كبير وعلى رأس هذه البلدان إلى جانب البلدان النفطية هناك البلدان المنبثقة وعلى رأسها الصين،وبهذا الوفر أصبحت الصين تشتري سندات الخزينة العامة لأمريكا، أي أنها هي التي أصبحت تسد عجز الولايات المتحدة. الصين في صالحها أن تبيع أكثر والولايات المتحدة في صالحها أن تشتري الصين منها تلك السندات، إذن الولايات المتحدة إلى جانب الاستدانة الكبرى للعائلات هناك الاستدانة الكبرى للدولة. هذه هي المعطيات وهذا الوفر الموجود في الصين والهند وأيضا البرازيل هو الذي أدى إلى ارتفاع سعر النفط وهو الذي أدى إلى ارتفاع المزروعات وهو الذي أدى إلى الأزمتين الغذائية والطاقية.
إذن هذه هي الانطلاقة من الناحية المفهومية،
المعطى الثاني لهذه الأزمة أنها أدت إلى تغيير كبير في تدبير الاقتصاد داخل هذه البلدان، فإلى غاية الفترة الراهنة فإن التوجه الليبرالي وكما سأبين فيما بعد تقوى منذ الثمانينات، لأن الدولة لم تكن تتدخل، وتترك ما يسمى باليد الخفية أن الضبط الذاتي كاف في هذه البلدان، لكن لما وقعت الأزمة،أصبحت البنوك في مأزق وكذلك القطاعات الأساسية وخاصة قطاع السيارات بجانب قطاع العقار.
الاقتصاد في بلدان ليبرالية استنجد بالدولة التي أصبحت تتدخل، وهذا ما حدث بالضبط في الثلاثينات وهذا ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ثلاث عقود في السبعينات تتمكن البلدان المنهارة في الحرب العالمية الثانية من بناء بنياتها التجهيزية. إذن الجديد هو رد الاعتبار للدولة، لكن ليس اختياري بل إلزامي، أي أن التدخلات الأولى كانت في عهد بوش اليميني والليبرالي ولكن لإنقاذ المنظومة البنكية وبعد ذلك إنقاذ المنظومات الأخرى الإنتاجية. فإذن الجديد في هذه الأزمة والذي يجب الانتباه إليه هو رد الاعتبار للدولة، أي إعادة الاعتبار للسياسة، على اعتبار أن ما وقع من قبل كان على حساب السياسة وعلى حساب للديمقراطية، هو إعادة الاعتبار كذلك لبعض القيم السليمة وخاصة قيمة الاجتهاد وقيمة العمل على حساب قيمة المضاربة وقيمة الريع هي إعادة الاعتبار للادخار على حساب الاستهلاك المبالغ فيه خاصة من طرف الفئات الغنية. هو إعادة الاعتبار أيضا للفكر الاشتراكي الذي يدعو إلى نوع من التكافل في توزيع المداخيل وهنا نرجع للسبب الأساسي للأزمة هو سوء التوزيع الذي أدى بالبنوك للعب دور القاطرة لتحل محل مداخيل الأفراد والعائلات.
النقطة الثالثة: إن هذه الأزمة ستدخلنا إلى عالم جديد وأنا عادة أقول بأن القرن21 لم يبدأ مع سنة 2000 ولكن بدأ مع سنة 2008 أي مع هذه الأزمة لأننا سندخل إلى عالم متعدد الأقطاب،. العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى الآن مر من مرحلتين. والآن سيدخل إلى مرحلة ثالثة.
المرحلة الأولى هي مرحلة ثنائيات الأقطاب في إطار الصراع بين الغرب والشرق. انتهى هذا القطب مع نهاية سنة 1989 كذلك جاء بعدها عالم آخر أحادي الأقطاب. الولايات المتحدة تتحكم في كل شيء في الاقتصاد وفي الإستراتيجية وفي الجيوسياسية. الآن هذه الأزمة ستبقي الولايات المتحدة حاضرة، لكن ليس لوحدها، هيمنتها ستصبح نسبية، في حين كانت مطلقة. واجتماع ما يسمى بمجموعة العشرين يبرز ، أي أننا سندخل إلى حكامة ستتدخل فيها دول أخرى ومنها تلك التي تقوت خاصة الصين التي ستخرج أكثر انتصارا مما يحدث الآن هنا سأذكر كذلك ثلاث تواريخ أساسية وخاصة بالنسبة لنا نحن الاتحاديين والاشتراكيين ستؤدي هذه التواريخ إلى تجاوزات :
التاريخ الأول هو 1980 ستلعب فيه شخصيتان بارزتان دورا أساسيا في البلدان الغربية: الرئيس ريغان والوزيرة الأولى مارغريت تاتشر، سيأتيان بعد الرجة الأولى والثانية للنفط سنة 1973 و1979 التي جاءت مع مجيء الخميني للحكم وسيقولان أن حل المشاكل الاقتصادية هي بالأساس أن تتراجع الدولة ولا تتدخل أي أن التوجه هو الليبرالية المطلقة والمبالغ فيها وبالتالي هذا التوجه هو الذي ساد خلال الثلاث عقود الأخيرة وكان إلى حد كبير على حساب التوجه الاشتراكي، بالرغم من أن كثيرا من الاشتراكيين في أرويا وصلوا إلى الحكم في فرنسا ميتران و إسبانيا كونزاليس وألمانيا ويلي براند .... ومع ذلك بقي الإطار العام الاقتصادي يتحكم فيه جو سنة 1980 إلى الآن. ولما جاء الرئيس جورج بوش الابن كرس هذا الجو، لكن أوقعه في شيئين آخرين .
التاريخ الثاني هو 1989 ، أي نهاية الاتحاد السوفياتي وقيل آنذلك إن الأمر يتعلق بنهاية التاريخ وبالتالي هناك من قال بأن الاشتراكية انتهت، في حين أن الاتحاد السوفياتي ليس هو الاشتراكية، بل هو ديكتاتورية الحزب الوحيد، هو انحراف عن الاشتراكية لأن الاشتراكية توجه لإصلاح المبالغة في الرأسمالية أي الاستغلال الاجتماعي، ولكن باسم ما وقع أي نهاية الاتحاد السوفياتي هناك من قال إن المد الاشتراكي انتهى ومع ذلك فإن الاشتراكية الاجتماعية بقيت حاضرة غير أنها تواجه صعوبات.
التاريخ الثالث هو 11 شتنبر 2001 : الأحداث التي وقعت في نيويورك، دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار الدخول إلى أفغانستان والعراق بدعوى محاربة الإرهاب، وهنا لم تبق الصراعات سياسية، بل أصبحت حضارية بالأساس وأحيانا عقائدية. هذه المعطيات الثلاثة سوف تتراجع مع بروز الأزمة المالية، هذه الأزمة ستفرز ثلاثة أشياء:
أولا : إعادة الاعتبار للسياسة لأن الاقتصادي أصبح يستنجد بالسياسي، أي الدولة.
ثانيا : ستبين أن اقتصاد السوق يجب أن تدخل عليه إصلاحات لكي لا تكون فيه انحرافات ويأتي بعدها المد الاشتراكي.
ثالثا : لا يمكن للعالم أن يتحكم فيه قطب واحد ولكن يجب أن تتحكم فيه أقطاب أخرى ولذلك مباشرة بعد مجيء الأزمة كانت الاجتماعات التي يجب أن ينتبه إليها الجميع هي مجموعة السبعة أو مجموعة الثمانية، إذا أضفنا إليها روسيا ولكن هذه المرة قالت الولايات المتحدة و أوروبا أننا غير كافين لوحدنا يجب أن ننظر ونتجاوب مع الآخرين وبالفعل اجتمعوا في نونبر 2008 وكان هذا الاجتماع شكليا، وبعده كان الاجتماع الأساسي وبالضبط في 02 أبريل في لندن. وفي هذا اليوم (24/4/09) كان وزراء الاقتصاد والمالية العشرين مجتمعين في واشنطن وتتكون هذه المجموعة من المجموعة 8 (G8) والمجموعة المنبثقة القوية ديمغرافيا أو قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة، إذن نحن ندخل إلى عالم آخر وليس غريبا أبدا أن الأمريكيين في الانتخابات الأخيرة قرروا انتخاب رئيس آخر هو باراك أوباما لأنهم فهموا أن التغيير ضروري داخليا وعالميا، وحتى الزيارات التي يقوم بها وخطاباته تسير في هذا الاتجاه بالضرورة.
النقطة الرابعة والأساسية: لأن كل الأزمات الكبرى تؤدي إلى انحدار طبعا ولكن في خضم التطور التكنولوجي يسهر العلماء لدفع الاقتصاد طيعا لكي تخلق قطاعات رائدة جديدة التي ستصبح هي قاطرة التطور لأن الأزمة في الثلاثينات، سأذكركم بالاكتشافات التي كانت في هذه الآونة وبالطبع كانت من قبلها أزمات أخرى وهذه القطاعات هي السيارات، وهي الكهرباء وهي السكك الحديدية. وفي الثلاثينات هي التي أدت إلى الحرب وكانت عسكريا هي الأسلحة النووية ومدنيا منتوجات مثل الرادار والنيلو NYLON والذي سيؤدي إلى تغيير كبير في قطاع النسيج .
الآن ما هي القطاعات التي ستبرز وستتحكم في الثلاثين والأربعين سنة القادمة أي بالنسبة لأبناء أبنائنا هما قطاعان أساسيان :
القطاع الأول يدخل في إطار الطاقة وسندخل الآن إلى مرحلة انتقال الطاقة، حيث لن يعتمد على الفحم أو النفط ولكن سيعتمد على الطاقات البديلة. والقطاع الثاني هو البيئة . القطاعان لهما علاقة كذلك بالقضية الغذائية التي بدأت بها عندما ذكرت لكم أنني زرت المعرض الدولي للفلاحة اليوم .
أعود للاجتماع الذي تم في لندن، لقد وقع فيه نوع من الاتفاق، هذا الاتفاق سأقول أولا وقبل كل شيء وبوضوح أنه يزكي رجوع الدولة ورجوع السياسة ويدعو لأن يصبح القرار متعدد الأقطاب. ويقول بضرورة مساعدة البنوك لكي تخرج من منغلقها ويقول كذلك بضرورة وضع بعض ضوابط المراقبة والمتابعة التي لم تكن متواجدة وخاصة في بعض المناطق التي تسمى الجنان الضريبية التي ليس بها ضرائب وتصدر لها الأموال والتي لعبت دورا أساسيا في تقوية هذه الأزمة . وبصفة عامة يتضح بأن هناك تجاوز لليبرالية المطلقة لصالح توجه أساسي.
ولذلك أقول بأن هذه الأزمة ستؤدي إلى تغيير في العلاقات السياسية والفكرية، لأن النقاش الذي اندثر منذ سنة 1989 سيرجع بين اليسار واليمين، النقاش بين التوجه الليبرالي والتوجه الاشتراكي سيعود. وستظهر البرامج واضحة ولن يبقى هناك الخلط أو الضبابية حتى في أرويا والتي أثرت علينا لتجعل الناس في الانتخابات تقول إن برامج الأحزاب متشابهة، لكن البرامج غير متشابهة. الآن سيتضح للعقول أن الأشياء غير متشابهة.
هناك التوجهات الليبرالية وهناك التوجهات الاشتراكية الديمقراطية، إذن النقاش الذي كان سائدا في الستينات والسبعينات والذي عشناه خاصة في الجامعة وتعلم منه الشباب الكثير في ذلك الوقت، هذا النقاش سيرجع من جديد طبعا في إطار عالم جديد وهذا العالم هو العالم المعولم، أي العولمة حاضرة نستهلكها عندما ندخل إلى منازلنا ونفتح جهاز التلفزيون نستهلكها كذلك وننتج فيها من خلال الإنتاج الذي نحن نعيشه أو ننخرط فيه.
وبالرجوع إلى المهدي بنبركة، لأن الظروف السياسية تجعله من جديد مرجعا للنضال الديمقراطي والوطني، نعيش الآن منعرجا سياسيا واقتصاديا لصالح التوجه الاشتراكي وستلاحظون ذلك خلال الخمس سنوات القادمة. لقد بدأت تظهر حتى في الولايات المتحدة وفي أروبا و ستطهر أيضا عندنا فيما بعد.
بصفة عامة سنكون متأخرين وهذا شيء طبيعي، لأننا بلد نام، ولكن نعتبر أن حزبا كالاتحاد الاشتراكي الذي كان سباقا سنة 1975 من القرن الماضي في المؤتمر الاستثنائي بإدخال مفهوم الديمقراطية والاشتراكية والتحرير، يمكن أن يكون الآن سباقا من جديد في إدخال هذه المفاهيم، أي استيعابها والتكيف معها لأن العالم يتغير. طبعا من القضايا التي ستطرح هي قضية تعدد الأقطاب، أي أن عالم اليوم لا تتدخل فيه البلدان ولو كانت كبيرة ولكن تتدخل فيه الأقطاب كأمريكا الشمالية، ومعها أمريكا الجنوبية و الصين واليابان وكوريا الجنوبية بآسيا وهم الآن يتعاونون من أجل تطويق الأزمة وفي نفس الوقت يتعاونون ليكونوا حاضرين ما بعد الأزمة ويمكن أن يكونوا حاضرين في تلك القطاعات التي تحدثت عنها بالنسبة للطاقة والبيئة. أوربا التي تحس بأنها شاخت تهب للدفاع عن نفسها، مرة تقترب من روسيا وأخرى تقترب من البحر المتوسط، أي تقترب منا وهذا في صالحها وفي صالحنا أيضا ستطرح بعض القضايا الأساسية التي تهمنا كذلك وهي حق الشعب الفلسطيني.
أنا أعتقد أن الأزمة ستساهم في كون التعامل مع هذا الملف لا يمكن أن يكون كما كان في العشر سنوات الأخيرة من طرف الولايات المتحدة، وبالتالي هنا كذلك نحن كعرب يجب أن نعمل على تقوية المنزل العربي والإسلامي لنكون في الموعد. كما أن النقاشات العقائدية أو المواجهات الدينية بالرغم من أننا لا زلنا نعيشها، فإنها ستقل في السنوات القادمة وسيصبح النقاش هو السياسي/الاقتصادي ما بين التوجه الليبرالي المفرط والتوجه الاشتراكي في إطار اقتصاد السوق طبعا وفي إطار العولمة، لأن العالم تغير ولكن هذا هو الإطار المطلوب.
سأمر الآن إلى المغرب، هل تأثر أو سيتأثر
أولا، لا يجب أن نتعامل مع هذا الملف بشكل صحافي بسيط، بل يجب أن نتعامل معه علميا، في نهاية هذه السنة ستخرج بعض الأرقام بالنسبة للاقتصاد المغربي، وسوف يكون معدل النمو لابأس به ، لأنه كانت عندنا أمطار والحمد لله، الميزانية مثل ميزانية السنوات الأخيرة ربما سيكون فيها وفر على عكس ما كان من قبل، لأنه خلال السنوات العشر الماضية عملنا على تحسين ميزانيتنا وماليتنا.
ولكن سبب وفر هذه السنة يرجع إلى انخفاض سعر النفط الذي سيؤدي إلى نقص في إمدادات الدولة بالنسبة لما كان في السنة الفارطة بالأساس، والتي كانت تؤدي فارقا كبيرا بين السعر الوطني والسعر الدولي ومعنى ذلك أنه دوليا سيظهر أن الأرقام في المغرب محترمة، في حين بفرنسا مثلا سيكون لها هذه السنة عجز ( 3- ) وإسبانيا (3-) واليابان (6-) والولايات المتحدة سيكون لها ( -2.8) أما البلدان النفطية سيكون عندها نقص بسيط، لأن السنوات الماضية كان لها وفر أكثر من اللازم.
هل هذا يعني أننا لم نمس ؟ لا هناك قطاعات لابد أن تمس وهي بصفة عامة القطاعات المرتبطة بالطلب الأوربي مثل النسيج بالأساس، المنتوجات المرتبطة بما يسمى بمكونات السيارات، كذلك ستتأثر بالنسبة لبعض الصادرات الفلاحية المتوجهة لروسيا، لأن العملة الروسية "الروبل" تراجعت بنسبة 40% إذن سيقع ضرر في هذه القطاعات.
تحويلات المهاجرين ستقل أيضا ،النشاط السياحي سيقل على ما كان عليه، ولكن أنا شخصيا أعتبر أنها ستقل بنسبة أقل مقارنة مع الدول الأخرى. لأن الأزمة وعامل القرب سيكون في صالحها، لنتصور سائحا فرنسيا مثلا مسته الأزمة لكن له بعض المداخيل لن يختار لسفره الوجهة البعيدة،لأنها مكلفة وسيبدأ أولا ببلده ونلاحظ أن السياحة الداخلية في فرنسا ارتفعت نتيجة الأزمة ولكن على حساب أسفار أخرى ومن بعد يمكن أن يسافر إلى تونس أو المغرب أو مصر لا يذهب إلى آسيا في هذا الإطار، لكن مع ذلك سيقع نقص في النشاط السياحي.
من المؤكد أن بعض الاستثمارات الخارجية ستتأخر وهذا شيء طبيعي، بالطبع أنا متأكد أن مشروع السيارات رونو مقرر، لكن من المؤكد أيضا أن هناك استثمارات ستتأخر ستة أشهر أو سنة، لكن الذي أريد التنبيه إليه أن البلدان النفطية التي نتعامل معها ستقل مداخيلها واستثماراتها في العقار وفي السياحة وهذا طبيعي. إذن فالحكومة مطالبة بأن تقرر بعض البرامج لمصاحبة هذا القطاع الذي يواجه صعوبات، لقد وضعت هذه البرامج الآن لكن يجب على الإنسان أن يبقى حذرا. يمكن أن تدوم الأشياء بضعة أشهر، إلا أننا مطالبون أن نعمل لكي تدوم الأمور أقل ما يمكن .لكن والحمد لله الطلب الداخلي سيكون مهما وسيعوض إلى حد كبير جزءا كبيرا من الطلب الخارجي نتيجة الأمطار التي ستجلب الطلب من البادية هذه المرة وليس من أوربا هذا معطى موجود، طبعا علميا الأمطار هي عنصر إيجابي ومرتبطة بالأزمة لكن من حظ المغرب أنها جاءت في هذا الوقت. المهم ليس هو هذا ولكن المهم هو ما بعد الأزمة، وكما قلت لكم ما بعد الأزمة سيؤدي إلى ثلاث تغييرات، التغيير الأول هو إعادة الاعتبار للعمل السياسي وللدولة وللتدبير، إذن الرهان المطروح على بلدنا ونحن نقترب من الانتخابات يستوجب علينا أن نكون على موعد مع إعادة الاعتبار للسياسة وجعل التدبير غير مرتبط بالمال أو الجاه ولكن مرتبط بالفعالية وبالتوجه السياسي والمشروع ،معنى هنا أن على كل حزب حقيقي أن يتوفر على مشروع ثم كل حزب حقيقي يجب أن ينبثق عن المجتمع ومن التناقضات التي تخرق هذا المجتمع وبالتالي نحن الذين طالبنا في المؤتمر الثامن بإعادة الاعتبار للسياسة وبالإصلاحات الدستورية والمؤسساتية، من حظنا أن هذه الأزمة تعطينا الحق لأنها تعيد الاعتبار للسياسة في العالم أي المدبر والمسير الآن ليست هي البنوك ، ليست هي المقاولات، هم يستنجدون الآن بالعامل السياسي فيجب أن نكون على موعد مع ذلك وبالتالي كل الإصلاحات السياسية والدستورية ليست فقط شعارات إنها مرتبطة مع الوضع الذي نعيشه .
وحتى إخوانكم في فرع حمرية لما قرروا طرح موضوع الأزمة المالية في هذا اللقاء، قد انتبهوا إلى أن التأثير لن يكون بالأساس اقتصاديا ،بل على الوضع العام، لأن الأزمة عابرة ولكن الذي يهم هو التحولات التي ستقع فيما بعدها. لذا يجب أن نكون على موعد مع التغيير في الحكامة التي تعتبر من التحولات الأساسية.
وإذا كان قد اتضح في 07 شتنبر 2007 من خلال العزوف أن هناك أزمة سياسية فيجب مصالحة المغاربة مع السياسة ومع الأحزاب التي تمثل التوجهات السياسية. هذه نقطة أساسية ومعنى أن الناخبين مطالبين بالتصويت على الأحزاب والمشاريع أكثر من الأفراد، إذ لا يجب أن تكون الأسماء هي الغالبة أو المهيمنة، لأن العالم الآن يتغير وهذا هو الدرس الأول الذي يجب أن نستخلصه.
الدرس الثاني وكما قلت لكم العالم هو عالم الأقطاب طبعا يجب أن نقوي اقتصادنا أن نقوم بتلميعه أن نقوي سياستنا الفلاحية والطاقية والسياحية والصناعية يجب أن نقوي القطاعات المصاحبة لها وعلى رأسها القطاعات التي تتكون منه الموارد البشرية، أي التعليم والتكوين يجب أن نقوم بإصلاحات القطاعات الأساسية مثل القضاء هذا كله ضروري، يجب أن يكون المنزل المغربي قويا ومنيعا والآن حينما قلت لكم بأن الصين هي التي ستنتصر لأنها منيعة وليس لها عجز في ميزانيتها ،لأن إطارها الماكرو اقتصادي قوي ولأنها تدخر أكثر مما تستهلك لذلك الآن القطب الذي خلق في العالم هو الولايات المتحدة/الصين، هناك بعض الاقتصاديين الذين بدؤوا في تسمية عالم الغد هو صين/أمريكا الاثنتان معا في إطار علاقات مصلحية، بالرغم من التناقض الإيديولوجي فيما بينهما. إذن عالم القطبية هذا يحتم علينا العمل في إطار المغرب العربي الذي أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى.
من جديد وأقولها من مدينة مكناس ،لأنني أعرف أباءكم وأجدادكم وهم يعرفون أن هذا المدينة لها ارتباط كبير بالمغرب العربي وبالجزائر بالأساس . وحتى الفرنسيين الذين كانوا هنا لما وضعوا هندسة السكك الحديدية طنجة / فاس أو القادمة من مراكش على أساس أن وجهتها هي المغرب العربي عبر الجزائر في توجه استعماري وأحزاب أكتوبر 1956 بعد اختطاف بنبلة كانت في مكناس، وبالتالي تاريخ المدينة سيستوعب هذه القضية وهنا كذلك يجب أن نكون مع هذا المنعرج. طبعا نحن نتوجه إلى إخواننا الجزائريين لنقول لهم كفى (باراكا ) لقد ضيعنا 50 سنة وبالمناسبة وفي ظل هذه الأزمة كان علينا أن نحتفل بين قوسين بالذكرى العشرينية لميلاد اتحاد المغرب العربي. لم نحتفل لأننا لم نفعل أي شيء يذكر ولكن منذ عشرين سنة أسس المغرب العربي في مراكش ولم يتقدم، وكم كنا محتاجين إليه الآن وسأعطيكم مثالا صغيرا ويتعلق الأمر بالسياحة، قلنا قبل قليل أن عدد السياح الأوربيين سيقل ولو كانت الأمور عادية والسياح المغاربيين يأتون لن يكون هناك مشكل. إذن الأزمة ستعطي الأولوية لعالم القرب، الأسيويون الآن يتوحدون ويتآزرون أمريكا الشمالية كذلك الأوربيين أيضا وفي هذا الإطار بطبيعة الحال المغرب العربي له علاقة مع أوربا ولا ننسى أن 3.5 مليون مغاربي موجود في أوربا يعيلون عائلات في كل المدن ولا ننسى أن أوربا قريبة منا وبأن أوربا تضعف بالنسبة لبلدان أخرى لأن علاقتها في المنطقة محدودة بسبب قضية الشرق الأوسط وأشياء أخرى.
الأمر الذي يجب أن نكون حاضرين فيه هو المناخ، الانتقالات التي ستفرزها الأزمة التي تهم منطقتنا، الانتقال الأول طاقوي، العالم سيمر من الطاقة التقليدية إلى طاقة جديدة، فيجب أن نكون على موعد مع هذا التحول وهناك الانتقال الديمغرافي، فالمغرب له بنية ديمغرافية شابة ولكنها تشيخ ولكن حظنا أن الديمغرافية الأوربية تشيخ أكثر، وهناك الانتقال البيئي.
وما بعد الأزمة سيقع اهتمام بهذه القضايا الأساسية.فإذن نحن كاتحاديين هذه فرصة لنا أولا لنعيد ابتكار آلية الفكر الاشتراكي الديمقراطي في بلداننا هذه هي الفترة والتوقيت وخاصة أن الأممية الاشتراكية أسست مجموعة ومن حظي أنني أشارك فيها لتفكر في الفكر الاشتراكي غدا ،كانت هناك مجموعة تأسست منذ 15 سنة برئاسة فليبي كونزاليس والآن هذه أخرى برئاسة اقتصادي أمريكي حاصل على جائزة نوبل اسمه ستيكليس.
الحزب الاشتراكي الفرنسي أسس منذ عشرة أيام خمسة مختبرات فكرية لتفكر فيما بعد الأزمة، ونحن في الاتحاد الاشتراكي سيدخل هذا الموضوع ضمن أولويات اهتماماتنا بعد الانتخابات. فإذن يجب أن يعرف المغاربة أن المنعرج الذي يعرفه العالم الآن هو لصالح الاشتراكيين الديمقراطيين، وبالتالي يجب على الاتحاديين أن يكونوا على موعد مع هذا المنعرج فهو يلتقي مع تفكيرنا الذي خرجنا به من المؤتمر.
في المؤتمر كنا منزعجين لأنه بعد عشر سنوات من تدبير الشأن العام، رأينا تناقضا، المغرب يتطور اقتصاديا ومجتمعيا ( مدونة الأسرة - المصالحات مع الماضي الخ..) ويتأخر من حيث المجال السياسي. وقلنا في آخر الأمر أنه أصبح من الضروري رد الاعتبار للسياسة، والقيام بالإصلاحات الدستورية والمؤسسية. ومن حظنا أن هذه الشعارات تأتي في الوقت الذي توجد فيه الأزمة التي تعطي من ضمن ما تعطيه، رد الاعتبار للسياسة في العالم.
لهذا، فإن الانتخابات القادمة ليست بانتخابات صغيرة لذلك يجب على المغاربة أن يستوعبوا هذه الفترة التاريخية الكبيرة. كما يجب علينا كاتحاديين أن نكون مسلحين فكريا وإيديولوجيا كما كنا في سنة 1975 في المؤتمر الاستثنائي لنتقدم بالنسبة لموقع حزبنا، لكن حزبنا ليس هو الأساس، بل هو فقط أداة، وما يهمنا هو مصلحة بلدنا. لذا يجب على بلدنا أن يكون على موعد مع ما بعد الأزمة.
واليوم ونحن جالسون، هناك مجموعة العشرين مجتمعة في نيويورك لتسوية الأوتار والنظر إلى تسيير العالم مستقبلا، خاصة هؤلاء العشرين ولكن هناك مجموعة أخرى.
من قبل، كان العالم يسير ب G1 أي مجموعة واحدة هي الولايات المتحدة والآن هناك G8 مجموعة الثمانية، وهناك G20 مجموعة العشرين وهناك مجموعة أخرى هي مجموعة تضم 172 دولة، وهذه الأخيرة لا يجب أن تكون على الهامش ولا يجب أن نقتصر على الكلام لأن لا نكون على الهامش، بل بالمجهود الداخلي، نعرف أن بلدنا صغير وليس كالصين وليس غنيا ولكن لو كنا في إطار المغرب العربي لكنا كبارا، ولو كنا في إطار الدول العربية سنكون اكبر ولو كنا في إطار البلدان المتوسطية سنكون أكبر ولو كنا في البلدان الإفريقية. إن مفهوم القطب هو الذي يجب أن نكون فيه.
فمجموعة 172 يجب أن ندافع عنها ولكي ندافع عنها يجب أن تتحسن قوتنا التفاوضية، ولكي تتقوى يجب إعادة الاعتبار للسياسة النظيفة في هذه البلاد. السياسة النظيفة التي لا تعني المال، سياسة لا تعني انعدام الأخلاق ولكن السياسة تعني الاجتهاد، الابتكار، المشروع، التوجه. هذا هو الأساس ولذلك أنا شخصيا متفائل بالنسبة لهذه التحولات التي سيعرفها العالم، لأنها تطابق تماما الدور الذي يلعبه الاتحاد الاشتراكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.