على عكس ما اجتاح مدينة مكناس من برد وأمطار تكاد تكون طوفانية، كانت قاعة الاجتماعات بمقر جهة مكناس- تافيلالت تعيش دفئا من نوع آخر؛ دفء الذكرى، ودفء الحضور، ودفء استشراف لآفاق نضال لا بد وأن يكون مشتركا؛ كان ذلك بمناسبة تخليد الذكرى الرابعة والثلاثين لاغتيال الشهيد عمر بن جلون، التي أحيتها الكتابة الإقليمية وفروع الإسماعيلية والزيتونة وحمرية عشية الجمعة 25 دجنبر 2009 من خلال ندوة فكرية حول موضوع: «الممارسة السياسية والنقابية والإعلامية بين الأمس واليوم»، أطرها الإخوة عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وعبد الحميد فاتحي، نائب الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس فريقها بمجلس المستشارين، والإعلامي والصحفي طالع سعود الأطلسي، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي. على عكس ما اجتاح مدينة مكناس من برد وأمطار تكاد تكون طوفانية، كانت قاعة الاجتماعات بمقر جهة مكناس- تافيلالت تعيش دفئا من نوع آخر؛ دفء الذكرى، ودفء الحضور، ودفء استشراف لآفاق نضال لا بد وأن يكون مشتركا؛ كان ذلك بمناسبة تخليد الذكرى الرابعة والثلاثين لاغتيال الشهيد عمر بن جلون، التي أحيتها الكتابة الإقليمية وفروع الإسماعيلية والزيتونة وحمرية عشية الجمعة 25 دجنبر 2009 من خلال ندوة فكرية حول موضوع: «الممارسة السياسية والنقابية والإعلامية بين الأمس واليوم»، أطرها الإخوة عبد الهادي خيرات، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وعبد الحميد فاتحي، نائب الكاتب العام للفدرالية الديمقراطية للشغل ورئيس فريقها بمجلس المستشارين، والإعلامي والصحفي طالع سعود الأطلسي، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي. دفء الذكرى كان استحضارا لروح الشهيد عمر بن جلون رحمه الله حتى لا ننسى غدر الظلام والجهل الذي أطفأ شمعة مناضل فذ ووفي وهو ما يزال في عنفوان البذل والعطاء، كما قال الأخ عبد الهادي خيرات في مستهل مداخلته، ودفء الحضور الذي امتزج فيه كل أقطاب الطيف التقدمي ومن مختلف الأعمار والتوجهات، فكان السياسي، والنقابي، والإعلامي، والشبابي، والحقوقي والجمعوي ؛ وهو الحضور الذي منح القاعة حرارة ضد طبيعة الأشياء كما جاء في مداخلة الأخ طالع سعود الأطلسي؛ ودفء استشراف آفاق نضال من أجل علاقات وقيم عنوانها المكاشفة والوضوح، كما حاول الأخ عبد الحميد فاتحي تبليغه في شق الندوة المتعلق بالجانب النقابي. وبعد كلمة الكتابة الإقليمية والفروع التي جاءت مدمجة في كلمة التقديم التي ألقاها الأخ محمد إنفي الكاتب الإقليمي للحزب، والتي حيا من خلالها الحضور، مذكرا برمزية الذكرى وبأهمية استحضار الرصيد النضالي والفكري للشهيد عمر بن جلون الذي، وإن حاول خفافيش الظلام بجريمتهم النكراء إسكات صوت عز أن يجود الزمان بنظيره، فإنهم لم ولن ينجحوا في إطفاء شمعة فكره ووفائه. وبعد الوقوف وقراءة الفاتحة ترحما على روح الشهيد وكل شهداء التحرر الوطني والوحدة الترابية، تناول عبد الهادي خيرات الكلمة معتبرا أن الشهيد عمر هو التجسيد الكامل لكل قيم الوفاء والإخلاص لدرجة أن السامع يكاد يتذوق حلاوة لفظ «الأخ» كما كان يستمتع الشهيد أثناء النطق بها؛ ولأنه كان وفيا ومخلصا لكل رموزنا وأحلامنا وقيمنا، فقد كان رحمه الله مستهدفا في حياته، وكان بحدسه السياسي يعي هذه الحقيقة، ويدرك ما كان يتهدده من غدر وتآمر على حياته؛ وكنا- نحن إخوانه- نخاف عليه إلى درجة أننا كنا نصاحبه لحضور أطوار المحاكمة السياسية الوحيدة التي لم يكن متهما فيها، وإنما كان محاميا يعري ويفضح آليات القمع والبطش؛ إنها محاكمة مراكش. الشهيد عمر رحمه الله، يقول عبد الهادي خيرات، لم يكن مطمئنا بعض الاطمئنان على حياته إلا وهو في السجن، حيث كان يردد بروحه المرحة:»هنا بعدا راه ما يقدروش ربما يوصلوها للتصفية الجسدية». اليوم وعلى بعد 34 سنة من اغتيال شهيد الطبقة العاملة وشهيد الشبيبة الاتحادية وشهيد الإخلاص والوفاء للقيم النبيلة للشعب المغربي، إلى أين يسير المغرب؟ اليوم وبعد مرور مياه كثيرة تحت الجسر، هل يريد الحاكمون ديمقراطية حقيقية مبنية على تعاقدات واضحة؟ للأسف الشديد «لا»، يقول خيرات؛ الحاكمون يريدون فقط ديكورا ديمقراطيا(مؤسسات صورية، برلمان بدون صلاحيات، هيئات لا صلاحية لها إلا في التصفيق والمباركة...)؛ أما ما يحاولون تقديمه على أنه أجهزة للتتبع والمراقبة، فهي لا تعدو كونها مراقبة بعدية للتصديق وليس للمحاسبة، وإلا كيف لا تعرض المنجزات الكبرى على البرلمان في شكل مشاريع لإخضاعها للدراسة وترتيب الأولويات؟ وكيف يتم التغاضي عن ما تتعرض له خيرات البلاد من نهب وتهريب؟ وكيف...؟ وكيف...؟ «حتى واحد ما يقول لينا ما عارفش أو ما سمعش». لم يعد مقبولا هذا العبث، يقول الأخ عبد الهادي خيرات؛ إنها سكتة قلبية أخرى في طور التشكل... جيراننا جادون في قرع طبول الحرب. فقد صرفت الجزائر على تقوية ترسانتها العسكرية أكثر من 12 مليار دولار في السنتين الماضيتين... وحدتنا الترابية تتعرض لأخطر المؤامرات، ولذلك، يضيف الأخ خيرات، يظل همنا الأكبر هو التراب، هو الأرض وحماية الوحدة الترابية؛ وبدون ذلك يستحيل الحديث عن شيء اسمه الدستور أو المؤسسات أو الديمقراطية. فهل هناك بالفعل استعداد للدفاع عن وحدة التراب، بعدما قتلت سنوات القمع وتمييع القيم وتبذير الثروات وتشجيع اقتصاد الريع ما بناه جيل الاستقلال من روح الوطنية والمواطنة؟ وفي مداخلته، اعتبر الأخ عبد الحميد فاتحي رئيس الفريق الفدرالي بالغرفة الثانية ونائب الكاتب العام لف.د.ش، أن النقابة قد فشلت في تدبير مرحلة الانتقال الديمقراطي، كونها لم تستطع أن تكون جزءا من البرنامج المجتمعي للمرحلة، وذلك عكس ما كان منتظرا منها. وفي تذكيره بتفرد الشهيد عمر، ذكر الأخ فاتحي بأن تفرد شهيدنا ينبع من كونه نجح في أن يكون سياسيا لامعا، في نفس الوقت الذي كان فيه نقابيا صلبا، كما كان ذا قلم إعلامي بارع بين أقلام التحرر والديمقراطية والاشتراكية... وبعد مروره على مراحل من تاريخ العمل النقابي في المغرب حددها في التحام الفعل النقابي بحركة التحرر الوطني، فمرحلة الانحراف النقابي ونحت مصطلح النقابة الخبزية، ثم مرحلة تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والزخم النضالي والإشعاعي الذي حققته بفعل نضالاتها طيلة حقبة أواخر السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، ثم مرحلة الانتقال الديمقراطي التي انطلقت مع حكومة التناوب التوافقي واستمرت إلى آخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ركز على معيقات العمل النقابي في هذه الفترة، مبرزا أن عدم قدرة النقابة على التأطير، وطغيان منطق الزبون، فمنطق المقايضة، هو أكبر عائق يحول دون تطور العمل النقابي بالمغرب، معتبرا أن منطق المقايضة هو أخطر هذه المعيقات، حيث يتم التقايض بدور النقابة الحقيقي مقابل تحقيق مصالح نقابية ضيقة هي أبعد ما تكون من مصالح الشغيلة؛ وقد خلص الأخ فاتحي في الأخير إلى طرح السؤال الكبير: كيف يمكن أن ندبر المرحلة اليوم؟ مقدما ثلاث اقتراحات في هذا الباب: بناء علاقة شفافة وواضحة مع الشغيلة ومع مؤسسات الإنتاج؛ إعادة الاعتبار للقيم في بناء الشخصية المغربية؛ بناء النقابة/المؤسسة مع الحرص قبل كل ذلك على ضمان استقلال القرار النقابي. أما الأخ طالع سعود الأطلسي، فقد استهل مداخلته بالتساؤل عما أعطاه عمر من وقته ودمه للصحافة بالمغرب، ليبادر فيجيب بأن الشهيد عمر رحمه الله قد أعطى الكثير، ثم الكثير رغم قصر المدة التي قضاها على رأس جريدة المحرر ورغم قلة الوسائل ورغم ظروف القمع، حيث لا راقنة ولا فاكس ولا حاسوب ولا... ولا... وحيث الرقابة الشرسة لسلطة الرقيب في أحلك سنوات المغرب السياسي: استغلال، قمع، محاكمات صورية للرأي بالجملة. ولم يقتصر نضال عمر الإعلامي على ما هو وطني، بل امتد بحسه المرهف ونضاله الإنساني إلى ما هو قومي وجعل من قضية فلسطين قضية مفصلية في كل نضالات القوات الشعبية بالمغرب، فسعى رحمه الله برفقة المرحوم محمد الوديع الأسفي إلى تأسيس جريدة «فلسطين». فما حال إعلامنا اليوم؟ يتساءل الأخ الأطلسي، ليجيب بأن الإعلام في بلدنا تخترقه ثلاث نزعات: نزعة تجارية، نزعة شعبوية ونزعة ذاتية موغلة في التطرف الليبرالي. وإن ما وصل إليه الإعلام اليوم بفعل هذه النزعات يوحي للمرء بأن من وراء هذا التردي رسالة مفادها: إنك، أيها المناضل، مهما ناضلت ولو إلى حد الاستشهاد، فإن ما تؤمن به،وتناضل من أجله من أفكار، لا يمكن تحققه إلا بالقدر الذي نريد، ومتى أردنا، وليس متى أردت! ! ! وقد كانت أسئلة ومداخلات الحاضرين التي أعقبت الندوة حول فكر عمر، وحول الواقع السياسي والنقابي والإعلامي ببلادنا مناسبة للإخوة الأساتذة المؤطرين للندوة لتوضيح وتفصيل الرؤى والأفكار التي قدموها في العروض على شكل رؤوس أقلام. فرحم الله الشهيد عمر حيا وميتا.