كلما انخفضت درجة الحرارة وتساقطت الأمطار بغزارة، إلا وازدادت التخوفات من احتمال تسجيل وفيات في صفوف المتشردين، الذين يجوبون شوارع الدارالبيضاء وأزقتها ليل نهار، لكونهم لايتوفرون على مأوى قار يقيهم شدة البرد، اللهم بعض المقابر والبنايات المهجورة بحثا عن دفء في ليلة باردة، في حين يفضل آخرون النوم بالقرب من المحلات التجارية وأمام أبواب المساجد، وبالحدائق العمومية، وعلى ذكر هذه الأخيرة فقد تم العثور على جثة متشرد ملقاة على الأرض تحت الأشجار بشارع أنوال، خلال شهر دجنبر الماضي، هذا بالإضافة الى إصابة أعداد كثيرة منهم كل يوم، إما بأمراض، إما بسبب شدة البرد، او بجروح بسبب الشجارات التي تقع بينهم، وغالبا ما يكون مردها إلى المخدرات. مشاهد أصبحت تؤثث أزقة وشوارع المدينة الاقتصادية، فأينما ذهبت إلا وتجد مجموعة من الاشخاص من مختلف الاعمار، مستلقين على جنبات الطرق، فمنهم من يفترش الكارطون ويلف جسمه بغطاء ممزق، عثر عليه بأحد صناديق القمامة، ومنهم من ينام وهو جالس «مكمش» من شدة البرد جوار إحدى البنايات، في المقابل تستعين أغلبيتهم ب «الدوليو» أو «الماحيا» من أجل مواجهة وطأة أحوال الطقس المتقلبة. وأنت تتجول بمنطقة حي التشارك، مثلا، لا بد وأن يثير انتباهك «با محمد» الذي يبلغ من العمر 60 سنة، ليس له أبناء، لأنه لم يتزوج قط، ينحدر من نواحي مدينة تارودانت، كان يشتغل بأحد المحلات بدرب عمر يبيع الملابس، لكن بعد أن كبر في السن، تم التخلي عنه ليجد نفسه في الشارع، دون معين، واضعا «سداري» وبعض أغراضه الخاصة قرب إحدى العمارات. يقول با (محمد) «إن سكان هذه المنطقة يمنحونني الملابس والاغطية وكذلك الاكل، مضيفا «هناك بعض السكان الذين يدفعون لي ثمن الحلاق والحمام من أجل التخلص من الروائح الكريهة والاوساخ التي تكون عالقة بجسدي لكوني أعيش بالشارع». وقد أشار الى أنه تم ضبطه من طرف إحدى دوريات وحدة المساعدة الاجتماعية، لكنه بعد وصوله الى المركز بتيط مليل، فضل الهرب، «إنني تعودت على البقاء حرا طليقا عوض العيش داخل أية مؤسسة»! (بامحمد) ليس هو الشخص الوحيد الذي «يعيش» تحت رحمة التقلبات المناخية، بصقيعها شتاء وحرارتها صيفا، إذ هناك المئات من المتشردين الذين تخلى عنهم المجتمع والاهل، فوجدوا أنفسهم، دون سابق إنذار، على قارعة الطريق!