في ليلة باردة انخفضت فيها درجة الحرارة وحده الصمت وضوء الشوارع الخافت يخيمان على الأجواء حتى أضحت المدينة جاثمة في سكونها غير المعتاد، وشلت الحركة إلا من بعض الأشخاص الذين قادتهم الأقدار إلى أحضان الأزقة والشوارع بعيدا عن دفء «الدار» وكنف الأهل والأحباب، قضت «الجريدة» ساعات في «ضيافة» بعض مشردي المدينة. الانطلاقة كانت من محيط المحطة الطرقية أولاد زيان حيث فضل عدد من المشردين النوم خارج أسوارها، أجساد ملقاة دون حراك وقد استسلمت للبرد القارس. على بعد أمتار من المحطة في اتجاه حي الفرح شخص لايزال «يلملم» عشاءه من «بركاسة» قرب مسجد، قبل أن يتوجه إلى جوار منزل ليشرع في سد جوعه، قبل أن يسند رأسه إلى قطعة كرطون ملتحفا السماء. بادرنا بسؤاله قبل أن يسلم نفسه للنوم . اسمه (عزيز) ينحدر من الجنوب انقطعت به «الحبال»، منذ 3 سنوات وهو يجوب أزقة المدينة، بعدما طرده الاخوة ليواجه مصيره بنفسه، تتقاذفه الازقة وترمقه نظرات من باب الشفقة والاهانة أحيانا فيما تمد له الأيادي السخية عطاءها خاصة يوم الجمعة ،يقول. في حديثنا معه سنكتشف أنه يعاني اضطرابات نفسية أحيانا تغيب ذاكرته فلا يتذكر أي شيء، فيكون الجواب (أنا ولد باب الله... وماشي في طريق الله). وجهتنا الثانية كانت حي الألفة عبر شارع الفداء، حيث يستلقي بعض المشردين بساحة السراغنة ممددين فوق الكراسي الاسمنتية وأحيانا بجنبات الطرق في وضع محفوف بالمخاطر. الساعة تشير إلى الواحدة و45 دقيقة صباحا، وصلنا إلى حي الفردوس بالألفة مرورا بشارع عبد الرحيم بوعبيد، حيث فضل أحد المشردين الاستلقاء بجوار بناية محول كهربائي ملفوفا في قطعة بلاستيكية. وبعودتنا إلى حي الفردوس كان هناك شخص لايزال يجمع علب الكرطون، اتضح أنه على أهبة لقضاء ليلة على ضوء القمر، اقتربنا منه وبعدما اطمأن لرفقتنا، قادنا إلى مرقده بجوار إحدى البنايات. لم يمكن من السهل على محمد الخوض في الحديث عن معاناته التي بدأت عندما كان طفلا صغيرا نتيجة طلاق والديه هو المنحدر من إحدى قرى إقليمسطات. ليل المتشردين لاينتهي عند حدود ساعة معينة، فهذه الفئة تزداد محنتها عند تهاطل الأمطار، فيستعين البعض منهم بحرارة ودفء «الدوليو» وبعض المخدرات، فتكون النتيجة كارثية أحيانا: وفيات نتيجة البرد القارس والتسممات أو المواجهات الدامية تحت تأثير بعض المواد المخدرة. قبل أن نختم الليلة التي قضيناها في «ضيافة» بعض المتشردين، كانت وجهتنا «لاكورنيش» عين الذئاب، لاشيء يثير الانتباه غير السيارات المصطفة ، وأمواج البحر المتقاذفة، فجأة يخترق السكون صوت آدمي غير بعيد عن مخفر الشرطة بسيدي عبد الرحمان ، يسير مترنحا ،اتضح أنه تحت تأثير مخدر ما. هي قصص / واقع ليلة في «ضيافة» من تخلى عنهم المجتمع والأهل...