تخلد المركزيات النقابية المغربية فاتح ماي لهذه السنة في شروط ومتغيرات عديدة. كيف تحضِّر الفيدرالية للاحتفاء بالعيد الأممي؟ عيد العمال فاتح ماي، هذه المناسبة العمالية بامتياز التي عبر من خلالها المأجورون على امتداد عقود طويلة عن الواقع والتطلعات والآمال وعن المكاسب والمطامح، لايزال يحتفظ بشحنات تجسدها الشغيلة بمختلف بقاع العالم، من خلال مهرجاناتها ومسيراتها وشعاراتها. وبطبيعة الحال ذاكرة فاتح ماي بالمغرب حبلى باحتفالات مهمة ومشاركة قوية جعلت منه خلال سنوات خلت، نقطة جدب ومشاركة جماعية، عبرت من خلالها الشغيلة المغربية عن واقعها وأكدت مواصلتها للنضال لتحسين أوضاعها وتحقيق مطالبها. ونستحضر جميعا تلك الاستعدادات الحماسية، وذاك الحضور الهام والقوي لعموم القطاعات وعموم المناضلين للقيام بالمهام النضالية التنظيمية والتعبوية، والدعم الهام للقوى الديمقراطية للنضال العمالي، والحشود الجماهيرية التي تشارك وتتابع مسيرات فاتح ماي. نسترجع هذا التاريخ بكل زخمه وعنفوانه باعتباره تاريخا مشتركا، عشناه وساهمنا فيه، يدعونا لأن نعمل على استمراريته. وفي هذا الإطار مناسبة فاتح ماي بالنسبة لنا فيدراليا مناسبة لتواصل أكبر، وتعبير عن الطموح الفيدرالي، واستحضار المنجز على كل الجبهات، وهي أيضا لحظة قوية لتفاعل المناضلين من مختلف القطاعات في التحضير والاستعداد، وإنجاز المهام المتعددة، وصولا للحظة الاحتفال بعيد الشغل، والملاحظ أن الفيدرالية تحرص من خلال برامج التظاهرة على إدخال الجديد سواء من خلال التنظيم أو من خلال فقرات فنية تقدم خلال التظاهرة. الأزمة الاقتصادية العالمية عنوان كبير يؤطر المناخ العام لهذه السنة. أية تداعيات للأزمة ؟ وما المطلوب للصمود في وجهها ؟ من حسن حظ بلدنا، أن نظامنا المالي والمصرفي يتميز بتوفر العديد من القواعد الاحترازية الحامية من المخاطر، وبضعف تعاملاتنا الخارجية خصوصا مع أمريكا، ومع ذلك فانعكاسات الأزمة العالمية بدأت تمس بعض القطاعات الحيوية كالنسيج والألبسة والسيارات والاستثمار الخارجي المباشر وتحويلات العمال المهاجرين والسياحة. وفي هذا الإطار، قررنا تخليد العيد الأممي لهذه السنة تحت شعار "لندعم حقوق ومطالب المأجورين واستقرار الشغل لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية" وذلك لننبه إلى الآثار السلبية لهذه الأزمة على الأوضاع الاجتماعية لكافة المأجورين، وهو ما يتطلب في نظرنا اتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية، عبر مقاربة شمولية تحمي رصيد الشغل وتمكن من الرفع من الطلب الداخلي، وتوسيع سوق الاستهلاك الجماهيري عبر تحسين الدخل بما يتلاءم وغلاء المعيشة، وأخذا بعين الاعتبار إكراهات بعض القطاعات الإنتاجية والخدماتية ودون المس بالاستثمار العمومي. خضتم نضالات عديدة خلال هذا الموسم الاجتماعي حدثونا عن الأسباب والأهداف. الموسم الاجتماعي الحالي عرف نضالات واسعة خضناها بكل مسؤولية، حيث اضطررنا لتنفيذ إضرابات، والتحضير لمسيرة احتجاجية لزحزحة الصمت الحكومي، وحث الحكومة على التجاوب مع المطالب المشروعة للشغيلة المغربية. خضنا إضرابي 23 يناير و10 فبراير 2009 من أجل حوار حقيقي يصل بنا إلى نتائج ملموسة تتجاوب مع مطالب الشغيلة، لفرض الاحترام الفعلي للحرية النقابية، والتصديق على الاتفاقية الدولية 87 وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، ولتحسين الدخل بما يتلاءم وغلاء المعيشة وإعادة النظر في منظومة الأجور ومنظومة الترقية ، ومرسومي التنقيط والتقييم، وإقرار ترقية استثنائية ابتداء من سنة 2003 وإصلاح نظام الضريبة على الدخل والإسراع بحذف السلاليم من 1 إلى 4 في ظرف سنتين وكذلك من أجل وقف مسلسل إغلاق المؤسسات الإنتاجية والخدماتية، وتشريد العمال والعاملات، وتفعيل قرار التعويض عن فقدان الشغل، واحترام المقتضيات القانونية لمدونة الشغل بتنفيذ بنودها والحرص على إجراء انتخابات مناديب العمال وإخراج لجنة المقاولة ولجنة الصحة والسلامة إلى حيز الوجود، وإصلاح أنظمة التقاعد ومن ضمنها النظام الجماعي RCAR بما يضمن استمراريتها، ويصون حقوق ومكتسبات المنخرطين، هذا بالإضافة لضرورة النهوض بمجمل الخدمات الاجتماعية التي تنعدم ببعض القطاعات، وتعاني من الضعف والهزال بقطاعات أخرى. لهذه الأسباب مجتمعة نواصل نضالاتنا وحوارنا مع المسؤولين الحكوميين من أجل حلول ملموسة لمجمل مطالب المأجورين، والهدف طبعا التوصل إلى نتائج تطمئن الشغيلة المغربية لاسترجاع ثقتها في الحوار الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى تخفف من معاناة عموم المأجورين، الذين ازدادات معاناتهم بفعل الزيادات في الأسعار وثقل الأزمة. استأنفتم الحوار بعد مؤاخذات متبادلة بين الحكومة والمركزيات النقابية ما الملابسات، أية نتائج ؟ نؤكد لكم قبل الإجابة عن السؤال، أن الفيدرالية الديمقراطية للشغل لم تنسحب من الحوار، ولم تدع للانسحاب منه، لأننا بمنطق نقابي مسؤولون على إنجاح الحوار، ومعنيون بأن نجعل الحوار الاجتماعي منتجا يصل بنا إلى نتائج ملموسة. لقد سمح بعض المسؤولين لنفسه بتصريحات لم تخدم تقدم الحوار، وعملت على إشاعة أجواء من التوتر والاحتقان، وكان ردنا وموقفنا صريحا وحاسما في ذات الوقت، حيث لم نسمح بالمغالطات ومحاولات التملص من الالتزامات، وفي ذات الوقت مارسنا حقنا في محاورة الحكوميين من خلال منهجية عمل وجدول أعمال يسمحان بالتغلب على الصعوبات. وبالفعل انطلق الحوار الاجتماعي من جديد من خلال لجنتين إحداهما للقطاع العام بإشراف وزير تحديث القطاعات، والثانية للقطاع الخاص تحت مسؤولية وزير التشغيل، والعمل متواصل من خلال اللجنتين، ونأمل أن تكون النتائج في مستوى انتظارات وتطلعات الشغيلة المغربية. بادرت الفيدرالية لإطلاق مبادرات تنسيقية، وخطوات مشتركة بنفس وحدوي ملحوظ في الساحة الاجتماعية. هل من توضيحات في هذا الجانب؟ قناعتنا بالوحدة النقابية راسخة، وتشكل أحد مرتكزات بديلنا النقابي الديمقراطي الحداثي على اعتبار أن واقع التشرذم القائم لا يعكس قدرا محتوما، والكثير من المسميات والعناوين النقابية مجرد تسميات بدون مضمون، بل إن بعض الانقسامات والتصدعات مبعثها ذاتيات وزعامات ليس إلا، والتاريخ النقابي ببلادنا منذ الاستقلال لم يعرف سوى لحظتين قويتين، أعقبهما تصدع أفقي وعمودي في بداية الستينيات عند تأسيس الاتحاد العام للشغالين، بعد انقسام حزب الاستقلال في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وسنة 1978 عند تأسيس البديل النقابي السبعيني الذي لم يقو على الاستمرار موحدا بعد عقدين تقريبا، وأصبحت الحاجة لبديل نقابي ديمقراطي ضرورة فرضت نفسها واقعا سنة 2003. لكن، إذا كان الاشتغال داخل الإطار قد تعذر، هذا لا يعني الاستسلام للتفرقة، وتقوية جدران التشتت بين الفاعلين النقابيين. لذلك جعلت الفيدرالية من مهامها صياغة علاقات نضالية مع النقابات الأخرى على قاعدة ما هو مشترك، وما يجمعنا كشغيلة لتقوية الموقع التفاوضي، واسترجاع الثقة في العمل النقابي من خلال صيغ ومبادرات تنسيقية بين المركزيات المتقاربة. وبالفعل فقد أثمر مجهود الفيدرالية في هذا الاتجاه بحكم توفر شرط التجاوب الذي لمسناه في إخواننا بالمركزيات النقابية التي ساهمت في إنجاح المهام التنسيقية، سواء من خلال النضالات المشتركة خلال الإضرابات والتحضير للمسيرة، أو من خلال جولات التفاوض التي نباشرها بتشاور متواصل داخل إطار التنسيق. والأمل معقود على تطوير المنجز، و التقدم في إنجاح مهام وحدة نقابية قوية قادرة على التفاوض والنضال والمساهمة في التنمية المجتمعية المنشودة. وكما أشرتم فإن العمل التنسيقي بين المنظمات النقابية يحظى بتقدير هام في الساحة الوطنية، وأصبح حافزا على إطلاق المبادرات المتعددة في هذا الاتجاه، والمؤكد أن التراكم الإيجابي في هذا الباب، وانفتاح المنظمات النقابية على بعضها البعض، كل ذلك من شأنه أن يحدث التطور الكيفي المنشود، المرتبط باستراتيجيتنا الهادفة لوحدة نقابية معبرة عن واقع ومطامح الشغيلة المغربية. تخلدون فاتح ماي لهذه السنة في أجواء انتخابية تخص مناديب العمال وأعضاء اللجن الثنائية ما هي استعداداتكم أولا ؟ أي جديد في هذه الانتخابات المهنية ؟ الانتخابات المهنية بالنسبة لنا في الفيدرالية ذات أهمية بالغة، ونوليها عناية فائقة في إطار استراتيجيتنا، لتجسيد إرادتنا ووعينا ومواقفنا من خلال الفوز بتمثيلية واسعة سواء من خلال اللجن الثنائية بالقطاع العام، أو من خلال مناديب العمال بالقطاع الخاص، وانشغالنا بهذه التمثيلية ليس من زواية انتخابية بحتة، وإنما لتأمين حضور الفيدرالية من داخل المؤسسات، وإيصال المواقف الفيدرالية دفاعا عن حقوق ومكاسب المأجورين. هذه التمثيلية على مستوى المؤسسات مرتبطة بالمحطة الثانية التي يزاولها الناخبون الكبار بالتصويت على المرشحين للغرفة الثانية بالبرلمان، وفي هذا الإطار، لا نخفيكم اعتزازنا كفيدراليين بما حققناه على مستوى الواجهة البرلمانية، من خلال الفريق الفيدرالي الذي جسد وبالملموس المواقف الفيدرالية المسؤولية بالإحاطات والتدخلات والمواقف، والمؤكد أن حيوية الفريق الفيدرالي تدفعنا لتقوية جهودنا في هذا الاتجاه نصرة لقضايا عموم الشغيلة المغربية. حقيقة أن الشرط غير مسعف للتقدم أكثر، بفعل عدم التجاوب مع مقترحاتنا بخصوص التعديلات على القوانين الانتخابية، وإعادة النظر في التمثيلية المتناسبة ما بين القطاعات وكذا رفع الوصاية عن بعض القطاعات المتحكم فيها، بتأمين شروط النزاهة الانتخابية داخلها. ورغم هذه الشروط، فإن عملنا متواصل بكل جدية لكسب الرهان في هذه الواجهة الأساسية. يجري على لسان العديد من المتتبعين ربط الفيدرالية بحزب الاتحاد الاشتراكي، في حين أنكم تؤكدون على استقلالية الفيدرالية ؟ هل من توضيحات في هذا الجانب؟ يؤسفنا أن يواصل بعض الإعلاميين والمتتبعين أحكامهم المسبقة بأن المنظمة هي تابعة للاتحاد الاشتراكي، وفق نمطية لا تعبر عن الواقع الذي نحياه ونعيشه يوميا، الفيدرالية الديمقراطية للشغل لها علاقات مع كل قوى الصف التقدمي، وقد كانت لنا خلال السنتين المنصرمتين لقاءات مع قيادات الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية، الاشتراكي الموحد، الطليعة، العمالي، جبهة القوى ، النهج الديمقراطي للتشاور وتبادل وجهات النظر حول الأوضاع الاجتماعية المقلقة التي تعيشها بلادنا، علما بأن العديد من مناضلي هذه الأحزاب اختار الفيدرالية الديمقراطية للشغل كإطار للنضال النقابي. لذلك فكل هذه الأحزاب وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي نعتز بها، ونعتبرها حليفة لنا في معاركنا، ونتقاسم معها هموم إقرار دمقرطة الدولة والمجتمع والدفاع عن الفئات الاجتماعية المستضعفة وفي مقدمتها الشغيلة المغربية. لقد صوتت الفيدرالية الديمقراطية للشغل ضد مشروع القانون المالي لسنة 2009 في الوقت الذي صوت فيه الاتحاد الاشتراكي لصالح هذا المشروع، كما كانت لنا مواقف وتقديرات لإخواننا في اليسار المشارك في الحكومة، لأننا نمارس النضال النقابي الذي يختلف عن النضال الحزبي، كما أن مجالسنا الوطنية مفتوحة في وجه الصحافة الوطنية بمختلف مشاربها من أجل تغطية مناقشاتنا وكيفية اتخاذ قراراتنا بشكل ديمقراطي وجماعي، وهذا الانفتاح الإعلامي ننفرد به لوحدنا داخل الحقل النقابي. كما أود أن أشير إلى أن قياديي الفيدرالية الديمقراطية للشغل الاتحاديين، منعوا عن أنفسهم الترشح للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي خلال المؤتمر الوطني الأخير وهذا دليل آخر على تمسك الفيدراليين باستقلاليتهم التي لا تعني بحال من الأحوال فك الارتباط بالحركة الديمقراطية والتقدمية. شهدت الساحة الوطنية مؤخرا تحاملا وتهجما على الشهيد المهدي من قبل أحد مسؤولي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ، ما تعليقكم على الحدث؟ التهجم الذي تعرض له عريس الشهداء المهدي بنبركة من طرف أحدهم ،هو عمل ملغوم تتوخى من ورائه جهات معينة الاغتيال السياسي للشهيد الذي لايزال لحد الساعة يخيف العديد من البؤر الرجعية، وطمس الحقيقة وعرقلة مسار البحث عنها وطنيا وخارجيا. ونحن في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، نعتبر أن ملف المهدي بنبركة لايزال وسيبقى قائما، ونعتبر حله هو مفتاح الإصلاح الحقيقي لأوضاع بلدنا على المستويات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وللرد على هذا الهجوم الجبان، قررت منظمتنا استحضار روح الشهيد في مهرجانات ومسيرات عيد الشغل فاتح ماي التي ستكون مطبوعة بصور الشهيد وشعارات الاستنكار ضد الأقزام التي تفتقد لأدنى الأخلاق السياسية والنقابية. فشهيدنا الكبير، أكبر من شطحات بعض الصغار. ما هي كلمتكم للفاعلين الاجتماعيين في العيد الأممي للشغيلة بمناسبة فاتح ماي 2009؟ بمناسبة العيد الأممي للشغيلة، أدعو كل الفاعلين الاجتماعيين إلى استحضار الوضع الاجتماعي المتأزم الذي أصبح معولما، والذي يقتضي منا بذل كل المجهود البيداغوجي والنفسي من أجل التنسيق والتشاور حول كافة القضايا الاجتماعية التي تهم بلدنا ولتجاوز واقع التشردم والتشثت. ذلك أن التجاوب مع المطالب العادلة للمأجورين، ومحاربة الفوارق الاجتماعية والامتيازات والاحتكارات والريع الاقتصادي والغلاء الفاحش، تقتضي منا تقوية التنسيق الحالي وتصليب عوده لجعل الملف الاجتماعي في قلب السياسة العمومية لبلادنا، ودعم ليس فقط تنافسية المقاولة الوطنية، بل كذلك تنافسية المجتمع والبلاد برمتها.