قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وقامت السلطة الوطنية (التي لم ينص الاتفاق على كلمة وطنية)، ودخل القائد ياسر عرفات الى غزة عام 1994 ومعه عشرات الآلاف من المقاتلين كأفراد لقوات الأمن الوطني (حيث لم ينص الاتفاق على تشكيل جيش فلسطيني)، وأصبح المسؤولون السياسيون والإعلاميون وزراء ومسؤولين في السلطة (رغم أن الاتفاق لم ينص على تسمية وزراء)، وتحول قادة القوات الفدائية إلى قادة للأجهزة الأمنية من شرطة واستخبارات ومخابرات وأمن وقائي وغيرها، مع ما جره ذلك من انحرافات. ولعلم قيادة منظمة التحرير بأن الجماهير العربية كانت تنتظر أن تحقق الثورة الفلسطينية الديمقراطية المفقودة في معظم الأقطار العربية، أجرت السلطة انتخابات رئاسية نافست خلالها السيدة سميحة خليل الأخ ياسر عرفات الذي فاز بأغلبية 83% من الأصوات وليس ب 99.9% كما يفعل بعض الرؤساء العرب، وأجرت انتخابات تشريعية لم تشارك فيها حركة حماس التي اعتبرتها كفرا وخيانة لأنها تستند لاتفاقيات أوسلو، وقاطعتها بعض فصائل منظمة التحرير بحجة أنها لا تريد الاعتراف باتفاقات أسلو،رغم أن قياديي بعض هذه الفصائل قدموا قوائم بمئات من أعضائهم ليعملوا في دواليب السلطة (المنبثقة عن أوسلو). وكان من المفروض أن تمر (فترة انتقالية) مدتها خمس سنوات يتم خلالها حل القضايا السهلة أو الثانوية، ولكن هذه الفترة مرت دون تغيير يذكر سوى إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الضفة والقطاع. بحيث قسمت أراضي الضفة والقطاع إلى ثلاثة مناطق: منطقة (أ) وتشمل المدن المكتظة بالسكان تخضع لإدارة وأمن السلطة الفلسطينية. منطقة (ب) وتشمل بعض البلدات الكبيرة وتخضع للسلطة الفلسطينية إداريا مع بقاء أمنها بيد اسرائيل، منطقة (ج) وتشمل المناطق القريبة من المستوطنات وهي معظم الأراضي، تبقى خاضعة لإسرائيل إداريا وأمنيا. ولم يتم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، كما لم يتم التوقف عن إنشاء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة، وبدأ الصهاينة بإقامة جدار الفصل العنصري، كل ذلك رغم عقد العديد من جولات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وبعضها بمشاركة مندوبين أمريكيين ودوليين وأحيانا من مصر والأردن. وكان آخرها مفاوضات كامب ديفيد أواسط عام 2000، والتي فشلت بسبب التعنت الصهيوني والانحياز الأمريكي، حيث حاول الطرفان إجبار القائد ياسر عرفات على الرضوخ للإرادة الصهيونية فيما يتعلق بالتخلي عن حقوق لاجئي 1948 في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم تنفيذا لقرار الأممالمتحدة رقم 194، وكذلك الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى مع السماح للسلطة الفلسطينية بالإشراف على زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه فقط. ونتيجة لرفض الرئيس ياسر عرفات الرضوخ للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، تقرر أمران سيكونان حاسمين في التطورات المقبلة وهما: حصار الرئيس ياسر عرفات بمقر قيادته في رام الله ومن ثم اغتياله بالسم، وإعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. مما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) التي لم تحقق ما حققته الانتفاضة الأولى، لسبب رئيسي هو أنها رغم بدايتها السلمية تحولت إلى انتفاضة مسلحة - بفعل اسرائيل وانسياق بعض أطراف الانتفاضة وراءها - مما أفقدها الكثير من تجاوب الرأي العام العالمي. وفي نونبر 2004 توفي الرئيس ياسر عرفات بفعل السم الذي استطاع الصهاينة وحماتهم أن يدسوه له، متى وكيف وأين لا نستطيع الجزم بذلك. وجرت انتخابات رئاسية تعددية فاز بها الأخ محمود عباس (أبو مازن) بأغلبية 63% من الأصوات. وحان وقت إجراء الانتخابات التشريعية التي أعلنت حماس أنها ستشارك فيها (متناسية ما قالته سابقا) كما أعلنت كل فصائل منظمة التحرير مشاركتها فيها، و عندما أرادت اسرائيل منع حركة حماس من المشاركة في الانتخابات، أعلن الرئيس أبو مازن أنه لا انتخابات بدون مشاركة حماس مما اضطر اسرائيل للقبول بمشاركة حماس، وأسفرت الانتخابات عن فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي، وهنا لابد من التوقف للحديث عن أسباب فوز حماس واندحار حركة فتح. * نص محاضرة ألقيت في مقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط يوم 3 مارس 2009. حماس تشكل الحكومة الفلسطينية من الطبيعي أن يتساءل المتتبعون للشأن الفلسطيني كيف نجحت حماس في الفوز بأغلبية المقاعد وهي التي لم تبلغ العشرين من عمرها، وكيف خسرت فتح الانتخابات وهي مفجرة وقائدة الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها في 1965/1/1، وهي التي بيدها السلطة. فقد جرت عادة العالم الثالث ان يفوز من بيده السلطة، ونرى أنه من المفيد أن نلقي بعض الاضواء على حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، التي تنفرد من بين كل الفصائل الفلسطينية بأن اسمها لا يتضمن أية اشارة الى كونها فلسطينية. فمن المعلوم أن سلطات الاحتلال الصهيوني اجرت انتخابات بلدية في الاراضي الفسلطينية مرة واحدة عام 1976، وفاز فيها المرشحون المحسوبون على منظمة التحرير ورفضت اسرائيل التعامل مع هؤلاء الفائزين، بل و قتلت بعضهم وسجنت البعض وابعدت البعض، ومع ذلك ظل الولاء الشعبي لمنظمة التحرير، وهنا تفتق الخبث والدهاد الصهيوني عن فكرة ضرب الفلسطينيين ببعضهم البعض مستفيدين من فشل محاولة (روابط القرب) التي كان وراءها النظام الاردني، وارتأى الصهاينة ان الاقدر على مواجهة منظمة التحرير (العلمانية) هم الاسلاميون، مستفيدين من تجارب بعض الدول العربية التي ضربت القوى التقدمية بالجماعات الاسلامية. فقرر الصهاينة عدم ملاحقة الاسلاميين وغض الطرف عن نشاطاتهم ، خاصة وانهم كانوا ضد الكفاح المسلح ويسمون شهداء الفصائل الفلسطينية ( جيفة) لانهم لم يستشهدوا تحت راية الاسلام. ومن المعلوم أن حركة الاخوان المسلمين انشئت في مصر عام 1928 ولها فروع في كل البلدان العربية وغيرها، وتشكل حركة حماس - كما هو وارد في ادبياتها - تنظيم الاخوان المسلمين في فلسطين، هذه الحركة التي تستهدف احياء الخلافة الاسلامية اضافة الى أهداف اخرى من بينها اراضي الاسلام من الاحتلال، ومن ضنمها فلسطين. وقد أكدت حماس علنا هذا الامر يوم 2008/12/14 في المهرجان الذي اقامته في احدى ساحات غزة في الذكرى الواحدة والعشرين لتأسيسها عندما ردد الجميع قسم الولاء لحركة الاخوان المسلمين والطاعة لقيادتها، اما كيف فازت حماس وخسرت فتح، فانه يعود الى: