وصف سعيد احميدوش المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في حديث خاص ل «الاتحاد الاشتراكي» عدم مطابقة تصريحات الأجور المنجزة من طرف بعض المشغلين مع وعاء الاشتراك ب «السرطان الذي تعيشه الحماية الاجتماعية». وأكد بأن إجراء «الالتقائية» في عملية المراقبة من قبل أجهزة الضمان الاجتماعي ومندوبيات الشغل الذي أسس له وزير التشغيل جمال أغماني، شكل قيمة مضافة في مجال احترام وتطبيق القانون، وقال بأنه بالقدر الذي يتفهم فيه الصندوق الأوضاع الاستثنائية والموضوعية لعدد من المقاولات، بالقدر الذي يلجأ فيه إلى مساطر المتابعة الجنائية والحجز لمجموع الحسابات المالية للمتملصين من تسوية أوضاعهم لدى الصندوق، وكشف لأول مرة بأن «الضمان الاجتماعي» تمكن جراء تفعيل مسطرة التحصيل الجبري، من تحصيل مليار درهم خلال السنة الماضية.جلسة الحوار هذه حضرتها السيدة لحلو لمياء مديرة قطب المهن، ومحمد عفيفي مدير الاستراتيجية. من القضايا التي تستأثر اليوم باهتمام المأجورين والفاعلين الاجتماعيين، عدم مطابقة تصريحات الأجور المنجزة من طرف بعض المشغلين مع وعاء الاشتراك . كيف تتعامل إدارتكم مع مثل هذه الحالات؟ هذا، ربما هو «السرطان» الذي تعيشه الحماية الاجتماعية، لأنه فعلا هناك عدد من الأجراء غير مصرح بهم من طرف بعض أرباب العمل، وهذه تمثل بالنسبة لنا «قنبلة موقوتة» بالبلاد، في جانبيها المعيشي والصحي لغير المصرح بهم، حين بلوغ هذه الفئة سن التقاعد القانوني، وأعترف بأن لنا في «الضمان الاجتماعي» جزءا من المسؤولية، لكن المسؤولية الأولى والأخيرة تعود بشكل مباشر الى المشغِّل، كما أن الدولة أيضا تعتبر طرفاً في المسؤولية، وذلك من حيث مساعدتها لنا في تطبيق القانون بحق المقاولات المخالفة له. هل قمتم بإجراء ما للحد أو معالجة الظاهرة؟ قمنا بتنفيذ إجراءين: الأول يتمثل في إصلاح استراتيجي لجهاز المراقبة والتفتيش، لأنه لا يمكنك إدماج العمال الضحايا إذا كان الجهاز المختص الذي تشتغل به، هو نفسه يحتاج إلى إصلاحات. ولا أخفي عنكم، أننا تلقينا انتقادات شديدة بشأن عمليات المراقبة والتفتيش، تتهم جهازنا بالتواطؤ مع بعض المشغلين، فبينما يتشدد مع آخرين ويخضعهم للمراقبة الدورية المنتظمة، لا تطأ أقدامهم مؤسسات لمدة سنوات، وقمنا في هذا الإطار، من أجل توسيع التغطية الاجتماعية وإلزامية المشغِّل بالتصريح ، بتغيير جذري لمساطر العمل التي كانت معتمدة لدى هذا الجهاز، لضمان الشفافية أولا، وتجاوز الممارسات والسلوكات البائدة التي سادت خلال سنوات السبعينات والثمانينات، حيث أن الادارة المركزية لم تكن تعرف وقتئذ، كيف ومتى يتحرك المفتش، ولماذا يقع الاختيار على مؤسسة دون غيرها. وقد أخذ منا إصلاح الجهاز وقتاً زاد عن السنة. وسأوضح لكم في هذا السياق، مَواطن التغيير التي نعتبرها إيجابية جداً: أولا، إن جميع عمليات جهاز المراقبة والتفتيش هي اليوم، مسطرة ومبرمجة وخاضعة للجدولة، ثانيا أن العملية لا يتكفل بها شخص واحد، بل فريق عمل، ثالثا، أن المؤسسة المعنية تخضع لفريق تفتيش ثانٍ للتأكد من مدى صحة المعلومات الواردة في تقرير الفريق الأول، رابعاً، وهذا ما أعتبره شخصياً قيمة مضافة لأداة المراقبة، الوقوف عند خصوصية كل مؤسسة خدماتية كانت أو إنتاجية أو فلاحية تعمل ، بطرق غير أخلاقية ، على التملص من التصريح بمأجوريها. هل لكم أن تقربوا القارىء من بعض هذه الحالات؟ سأعطيكم مثالا صارخا ويتمثل في مقاولات «الگارديناج»، على سبيل المثال لا الحصر، المؤسسة قد تشغل مثلا 5 آلاف عامل، لكنهم جميعاً موزعون على قطاعات متعددة، إما بشكل فردي أو جماعي، ومراقب الضمان الاجتماعي هنا وجهة تفتيشه هي المركز الاداري للمؤسسة، حيث لا يتجاوز فريق العمل بها 10 مستخدمين، هؤلاء جميعاً مصرح بهم لدى الصندوق، إذن المؤسسة هنا بالنسبة إلينا تعتبر في وضعية قانونية، ولم يكن أمامنا من خيار لضبط لائحة غير المصرح بهم سوى الرجوع والبحث في دفتر المحاسبات المالية للمؤسسة، لنكتشف انطلاقا منها زبناء الشركة، وبالتالي يتكشف على ضوئها عدد المأجورين الذين توظفهم الشركة الأم، لنجبرها حينئذ ، ودون سابق إنذار، على تسوية وضعيتها مباشرة لدى الضمان الاجتماعي. وقد أتت العملية بنتائج محمودة، ونحن الآن نركز على المقاولات التي يتبين لنا عدم ملاءمة عدد المصرح بهم، مقارنة مع نوعية وأهمية النشاط الذي تقوم به. في سياق هذا الطرح دائماً، أين يبدأ خيط التواصل بين مفتش الضمان الاجتماعي ومفتش الشغل للحد من تلاعب المشغل بالتغطية الاجتماعية؟ هذه من النقط التي يسميها السيد جمال أغماني وزير التشغيل ب «الالتقائية». فعلا يجب أن نعترف، بأنه، وإلى زمن قريب، لم يكن هناك تواصل وتعاون مباشر وفعال بين الجهازين. إلا أنه، ومنذ ما يقارب السنة، دخلنا في هذا النوع من التعاون أو التواصل، الذي أسس له وفَعَّلَه السيد الوزير، وعمم بشأنه دورية تشجع على العمل وفق هذا المنظور الجديد، الذي أبان عن نجاعته في وقف نزيف التجاوز ، ليس فحسب في حق الضمان الاجتماعي، بل على مستوى قانون الشغل، حيث أصبح كل جهاز مراقبة وتفتيش يُدوِّن الخروقات لفائدة الجهاز الآخر، وهكذا دواليك، وهو إجراء في نظري ساهم إلى حد بعيد في تفادي عدد من المقاولات الدخول في نزاع مع الضمان الاجتماعي ومندوبيات الشغل أفادتنا مصادر نقابية مسؤولة بأن ثمة مؤسسة بجنوب المغرب تشغل آلاف العمال، وأن صاحبها يرفض نهائياً دخول مراقبي الضمان الاجتماعي إلى مؤسسته تحت سلطة نفوذ واسعة يحتمي خلفها. ماذا تقولون بشأن هذه الواقعة؟ سأكون معك صريحاً وواضحاً، أنا هنا من أجل تطبيق القانون، والقانون لا ينص في مقتضياته على تنازلات لأحد، وتجاوزات لآخر، أويجيز الترامي على حق الآخر. بالنسبة لي، هذه المعطيات غير واردة بتاتاً، فكلما أُشعرت بخرق مؤسسة ما لقانون الضمان الاجتماعي، أعطي تعليمات فورية وصارمة للمراقبين بممارسة مهامهم بالمؤسسة أو المؤسسات المعنية، صناعية كانت أو تجارية أو فلاحية، وفي حال منع رئيس المقاولة مراقبينا من ولوج القطاع أثناء مزاولة هذا الأخير لنشاطه الإنتاجي، ألجأ إلى تطبيق القانون، ولا يهمني ك «ضمان اجتماعي» موقع الرجل رئيس المقاولة إن كان شخصية نافذة أو غير نافذة، ولنا الحق في حالة الامتناع، بأن نستعين بالقوة العمومية بأمر صادر عن وكيل الملك، وفي مثل هذه الحالة، فإن الضمان الاجتماعي يلج ب «القوة» المقاولة المعنية. وقد وقعت لنا هذه السنة واقعة واحدة تم تسجيلها بالدار البيضاء وأنجزنا مهمتنا طبقا للقانون، حيث دخلنا (يشدد) عنوة المقاولة. ونحن في الضمان الاجتماعي نرفض أن يعتبر أياً كان من أصحاب المؤسسات نفسه فوق القانون، وغير وارد في نظامنا الاستثناء. أما بخصوص الحالة التي أشرتم إليها، أؤكد لكم بأنه لم تصلني معلومات بشأنها، وحين ورودها، فسنطبق المساطر المتبعة دون تردد ولو خطوة واحدة، لأنني أعتبر أن المغاربة جميعاً سواسية أمام القانون. تُجمع تصريحات الفاعلين الاجتماعيين على أن عدداً من المشغلين يحتفظون لديهم بصفة غير قانونية بوجيبة اشتراك الأجراء لفائدة الضمان الاجتماعي. ما مدى إعمال إدارتكم للمقتضيات المنصوص عليها قانوناً في حق المخالفين؟ يجب أن نوضح الأمور، علاقة الضمان الاجتماعي بالمقاولات في جانبها المالي لها مستويان: المستوى الأول يتعلق بالاقتطاعات التي تتم من أجرة العامل من جهة، ونسبة المشغِّل من جهة ثانية، أما المستوى الثاني، فإنه يتعلق بالتعويضات التي يؤديها الصندوق إلى المؤمِّنين، والتي كان جزء منها وإلى زمن قريب، يحولها الضمان الاجتماعي إلى رئيس المقاولة، قصد منحها إلى المؤمَّنين. الجانبان لا يخلوان من مشاكل كبيرة يمكن أن أوجزها في أن المقاولة حين لا تصرح بوجيبة اشتراك الأجير التي تقتطعها بصفة منتظمة من راتبه، فإنها عمليا تضع نفسها في حالة تجاوز على ثلاثة مستويات: أولها الترامي غير المشروع على اشتراك العامل تجاه الصندوق، وعلى نسبته ثانيا، كمشغل، وقد يمتد الترامي أو التلاعب، ثالثا، في صرف التعويضات. لأوضح، حين تكون عملية التحصيل تمر بشكل عادٍ، فإن هذا يعني أن وضعية المقاولة لدى الضمان الاجتماعي سليمة، وحين يثبت العكس، إذاك نلجأ إلى تطبيق القانون. وقد أسفرت مسطرة المتابعة عن نتائج إيجابية، ليتبين لنا بعدئذ أن المسطرة ذاتها تتضمن بعض الهفوات، وعلى رأسها طريقة الزجر بالنسبة للتحصيل، حيث كنا نقوم بالحجز على آليات إنتاج المقاولة التي لم تكن كافية لاستخلاص الديون المستحقة للصندوق، لننتقل الى خطوة إجرائية أكثر فاعلية، ألا وهي الحجز على مجموع الحسابات البنكية للمؤسسة. منذ متى دخلتم في تنفيذ هذا الإجراء، وهل كانت له نتائج بخصوص تصحيح وضعية المقاولة لفائدة المؤمَّنين ومعها الضمان الاجتماعي؟ دخلنا في إعمال هذه المسطرة منذ حوالي السنة، وأستطيع أن أقول بأن النتائج كانت جد إيجابية، لأن المشغِّل أصبح في ظل عملية الحجز الشمولي أمام وقف شامل لكل عملياته البنكية، ما يجعل المشغِّل يقوم بتصحيح وضعيته لدى الصندوق بشكل فوري وعاجل، أو وفق صيغة متوافق عليها بيننا. وهنا يجب الإشارة إلى دور بنك المغرب في العملية الذي لولاه، لما كتب لهذه الاستراتيجية أن تأتي بنتيجة. ألم تكن لأرباب العمل ردود فعل إزاء إجرائكم هذا؟ هل تعتقدون أن مثل هذه العملية، وعلى درجة خطورتها، كانت ستمر بسلام لولا سلامة موقفنا وقوته وسنده القانوني، ومع ذلك ارتفعت منذ حوالي الشهرين أصوات هنا وهناك تدعي «قتل» الضمان الاجتماعي للمقاولة، والأزمة المالية و و و.. والغريب أنهم قاموا بعملية واسعة ومنظمة لدى بعض الوزارات والمنظمات المهنية، لكن ما يجب أن يدركه الرأي العام هو أننا لم نلجأ إلى تنفيذ هذه المسطرة إلا بعد فشل كل المساطر الادارية الجاري بها العمل التي قد تتجاوز السنة والنصف. وقد مكنت عملية التحصيل الإجباري لفائدة الضمان الاجتماعي من تحصيل مليار درهم خلال السنة الماضية، وهو ما لم يحصل في تاريخ الصندوق منذ نشأته. { بالمقابل، كيف تتعامل إدارتكم مع المقاولات التي أصبحت، ولأسباب خارجة عن إرادتها، في وضعية مالية حرجة ومعرضة للإفلاس؟ > في مثل هذه الأوضاع، نقوم بتتبع دقيق لهذه المقاولات التي تكون قد فقدت أسواقاً وزبناء، ونكون على بينة من حركة نشاطها، ولا نشكل إكراهاً مضافاً إلى الإكراهات التي تعيق حركتها الإنتاجية، لأن هدفنا هو ضمان استمرارية المؤسسة لا توقيف نشاطها. لقد تمكنا، وبشراكة مع عدد من رؤساء المقاولات، من تخطي التجربة، والاحتفاظ بالمقاولة كزبون للضمان الاجتماعي. { في هذا السياق، يلجأ بعض أرباب العمل إلى إعلان إفلاس مقاولاتهم للتخلص من مجموع الديون المتراكمة عليهم، ومنها دين التغطية الاجتماعية، ويلجأون بالمقابل إلى فتح مقاولات أخرى وبنفس المأجورين، كيف تواجهون الموقف؟ > هؤلاء لا يستحقون أن يحملوا ، في نظرنا ونظر الجميع، «صفة مقاول». وقد قمنا لمواجهة هذا التحايل والتملص الذي لا يدخل في ثقافة المقاولة الحديثة، أقول قمنا، ولأول مرة، واستناداً إلى حجج دامغة، بمتابعة المتملصين جنائياً أمام القضاء، ولنا الثقة الكبيرة في عدالتنا بإنصاف المتضررين، والضرب على كل من تسول لهم نفسه النيل من الحقوق الاجتماعية بالطرق غير الشرعية. { من القضايا الكبرى التي تستأثر باهتمام الرأي العام العمالي، البعد الدلالي للضمان الاجتماعي كإطار حمائي ل «سلة» عيش المؤمن، في الوقت الذي لا يزيد فيه راتب معاش عدد كبير من الأرامل عن 600 درهم في الشهر، ألسنا هنا أمام تعارض مطلق مع مفهوم الحماية الاجتماعية، كما يكرسها القانون ذاته؟ > بالنسبة إلى التقاعد، إذا أخذنا المعدل العام لمعاش التقاعد الذي يؤديه الصندوق، فإنه في حدود ألف و 700 درهم، وهذا إنما يعكس واقع الانخراط إلى جانب أنه يعكس أيضاً الخلل الكامن في الوعاء. المسؤول المباشر، في نظرنا، عن هذا الوضع يبقى هو المشغِّل، فحين يصرح هذا الأخير ولسنوات ب 500 و 600 درهم للأجير، فلكم أن تتصوروا قيمة المعاش ! أما بالنسبة للأرامل، فإن القاعدة القانونية واضحة، وهي بالمناسبة قاعدة معمول بها ومتفق عليها دوليا، وهي 50 في المائة من معاش المتوفى. والمسألة ترتبط في جوهرها بالوعاء والاشتراكات والانخراط، حيث كلما ارتفعت قيمة التصريح، كلما ارتفعت سلة المعاش.