أدرجت القناة الثانية فيلمين تلفزيونيين جديدين من إنتاجها للمخرج رضوان القاسمي، و«حد الصداقة» للمخرج عادل الفاضلي. وكلا الشريطين جديرين بالمتابعة. بعد أن كنت قد وطنت نفسي على أن أكتب حول الفيلم التلفزيوني «الطاحونة» لمخرجه رضوان القاسمي، سلوت عن ذلك بفعل إكراهات اليومي التي كثيرا ما تكون تافهة وبلاجدوى. إلا أن سببين على الأقل ألحا علي وجعلاني أصر على اقتناص بعض من وقت لأسجل انطباعات خاصة حول هذا الفيلم الذي اعتبره بسرعة و بلا تردد عملا يستحق الانتباه والتثمين. السبب الأول ذاتي، ويعود لكون الفيلم يتصدره إهداء من المخرج رضوان قاسمي إلى الفقيد العزيز،الناقدالسينمائي المرهف، مرادالشاعر، الذي رحل عنا وهو في عنفوان شبابه وعطائه، وكان ذلك ذات زمان مفعم بالحلم بالقلق والمسرات الهاربة تماما مثلما «الشعاع الأخضر» في الفيلم الأثير اياه للمؤلف السينمائي الفرنسي إريك رومير، وهي لعمري لفتة إنسانية تجاه فتى مات وفي نفسه بقية من عشق لا يقاوم للسينما. السبب الثاني موضوعي، وهو أن رضوان قاسمي الذي وقع على إخراج مميز لمسلسل «وجع التراب» رفقة شفيق السحيمي، وأيضا لفيلمه التلفزيوني الأول «موسم جاف» يعود بنفس الرصانة في فيلمه الجديد «الطاحونة»، ليؤكد أنه يرسي بدأب بصمت وبوجل فني حقيق، عتبات رؤية إخراجية خصبة تشي بمعالم الفيلم الذي نريد،وعليه فان هكذا منحى فني واعد يفرض علينا بداهة أن نسنده مهما استطعنا إلى ذلك سبيلا. واذا كانت قصة فيلم الطاحونة تحكي فصلا من الصراع الأبدي بين الشر والخير، من خلال معركة عادلة يخوضها سالم وأمه، بمؤازرة بعض من أبناء القرية، ضد الإقطاعي الحاج الكلاع، الذي أراد أن يناهض طموح الشباب في إعادة الروح للطاحونة، وجعلها تدور من جديد، مستغلا سطوته وحظوته لدى السلطة وكذا توظيفه للفكر الخرافي، قد تبدو بسيطة في أول وهلة، فإن القيمة المضافة تكمن في نجاعة الرؤية الإخراجية التي تجلت في نجاح المخرج في إضفاء الطابع الملحمي على هذا الصراع، الشيء الذي جعل مجريات «الحدوثة» ترتقي بسلاسة إلى مستوى من الرمزية والمجاز المنتج للمعنى الذي هو هنا بكل وضوح الانتصار لقيمة المقاومة ومناهضة الاستبداد والفكر الخرافي. فيما يتعلق بالكاستينغ، أوكل المخرج رضوان القاسمي بطولة الفيلم التلفزيوني «الطاحونة»، الذي تدور أحداثه بالعالم القروي، إلى كل من الممثل القدير محمد خيي والممثلة المخضرمة زهور المعمري والممثلين أمين الناجي وعبد الغني الصناك بمشاركة وازنة لكل من عبد اللطيف شكرة، محمد خدي وعباس كميل. هذا الاختيار الموفق للممثل المناسب في المكان المناسب، ساهم بقوة وفاعلية فنية في رسم الشخصيات المحورية في الفيلم، وهو ما جعل إدارة المخرج وجدارة الممثلين وسخاءهم يتكاملون بإبداعية ملفتة أنتجت المصداقية الضرورية للحكي الفيلمي، وهو ما عكسته عمليا نسبة مشاهدة الفيلم، التي بلغت 3،8 مليون مشاهد، خصوصا عند إعادته بعد يومين من عرضه الأول، وهو ما اعتبر رقما قياسيا حسب الإحصائيات التي عممتها الصحافة. هنيئا، إذن، للمخرج رضوان القاسمي الذي استطاع أن يتوسل بكتابة فيلمية شفافة للانتصار لقيم إنسانية نبيلة رمز إليها بدوران الطاحونة، ضدا على الاستبداد المتوسل بالخرافة واستغلال النفوذ. كما جاء على لسان «الصناك» الأحمق «الصناك» الحكيم. الطاحونة تدور.. تدور واللي ما بغاها تدور لازم يرجع اللور.