يجرب محمد أنقار في عمله الإبداعي الجديد كتابة النص المسرحي بعد أن جرب في مناسبات عديدة سابقة القصةَ القصيرة والرواية. ولعل ما يمكن أن يثير فضول القارئ في هذا العمل غرابة عنوانه، لكن ما أن يتوغل في القراءة حتى يكتشف أن الأمر لا يعدو استعمال كلمة شعبية مرادفة لكلمة الحلزون الفصيحة. ذلك أن المسرحية مكتوبة بكاملها باللغة الفصحى، وأن كلمة "الببوش" الواردة في العنوان ثم في المتن إنما تُوظَّف من أجل غايات دلالية وبلاغية عوض أن يكون القصد من ورائها التغريب أو التلغيز أو طمس المعنى. لذا لا تصبو هذه المسرحية إلى أن تثير من جديد الإشكال الأزلي للفصحى والعامية. تتشكل المسرحية من ثلاثة فصول يدور أولها في قرية غير مسماة. وفي بداية هذا الفصل يبتلع رجل دبوساً إنجليزياً أثناء تناوله صحبة زوجته أكلة الحلزون المطبوخ بالزعتر. ويسقط الرجل مغشياً عليه ويتأخر الإسعاف. وخلال ذلك يتوه بنا الحوار في سبل شتى نزداد خلالها معرفة وإدراكاً لأعماق الرجل المنكوب وزوجته وبعض شخصيات القرية. ويطالعنا في الفصل الثاني الرجل الضحية وقد نجا من حدث الابتلاع، وأُدخل المستشفى وتمدد في الفراش فاقداً القدرة على الكلام، بينما يحتد الصراع الخفي بين زوجته والممرضة المكلفة بالعناية به. وفي الفصل الثالث من المسرحية ثمة عودة إلى نفس قرية الفصل الأول. لكن هذه العودة ليست تكراراً قدر ما هي محاولة ثانية من قبل المؤلف من أجل زيادة التغلغل العميق في نفوس شخصيات الفصل الأول وعقولها. وإذا كان محمد أنقار في أعماله القصصية والروائية السابقة قد صدر عن فكرة رئيسة تتمثل في تصوير مدينة تطوان وضواحيها اعتماداً على التخييل؛ فقد تطلع في عمله المسرحي الأخير إلى التحليق في أجواء الفضاءات المجردة، والمعاني الإنسانية المتصارعة، من دون أن يسهو عن استثمار التفاصيل الشعبية التي وسمت باستمرار أعماله السردية. إن "الببوش أو أكلة الحلزون" دعوة ممسرحة إلى القارئ من أجل أن يتأمل عمليات تشريح المشاعر، وتصوير القلق، والغيرة الأنثوية، وبث روح الفكاهة، بغض النظر عن المكان الذي قد نوجد فيه.