كرمت، أخيرا، "مؤسسة محمد البوكيلي: إبداع وتواصل"، الكاتب والمبدع والباحث المتخصص في الأدب الشعبي، مصطفى يعلى، بمقر المؤسسة الثقافية بمدينة القنيطرة، بحضور مجموعة من المثقفين والكتاب، والباحثين، الذين اشتغلوا مع المبدع والباحث المتميز مصطفى يعلى.الكاتب المحتفى به مصطفى يعلى وفي تقديمها لهذا الحفل الثاني بالمؤسسة، التي دشنها الناشر محمد البوكيلي صاحب "دار البوكيلي للنشر" بالقنيطرة، من أجل خلق فضاء للتواصل الثقافي والفني بالمدينة، ذكرت مريم البوكيلي، أن هذا الحفل الثاني من نوعه، لهذه المؤسسة الفتية، هو احتفاء بمبدع متميز في كتابة قصة مغربية قصيرة، ذات نكهة خاصة، تمتح من الواقع المغربي، بما يحفل به من خصوصيات شعبية ومعاناة يومية. هذه الكتابة التي رافقت مختلف التطورات، التي عرفتها الساحة المغربية، إن على مستوى الإبداع القصصي، وإن على مستوى الواقع الاجتماعي، منذ أواسط ستينيات القرن الماضي حتى الآن. وأضافت أن الباحث مصطفى يعلى، عرف باستغراقه في الدراسة الأدبية المهتمة بالقصة القصيرة والرواية في المغرب، وبتخصصه العميق في القصص الشعبي بالمغرب والعالم العربي، وبما أنجزه على المستوى البيبليوغرافي مبكرا حول الرواية والقصة القصيرة بالمغرب، باعتبار هذا الحقل العلمي الدقيق بمثابة البنية التحتية للبحث الأكاديمي. الأمر الذي مكنه من أن يحقق تراكما مهما في الإبداع القصصي وفي الدراسة الأدبية والشعبية والبيبليوغرافية. وأشارت إلى أنه لكل ذلك وغيره، عملت "مؤسسة محمد البوكيلي: إبداع وتواصل"، في إطار أنشطتها الثقافية برسم السنة الحالية، بفخر واعتزاز على برمجة هذا التكريم، الذي يعتبر حقيقة أقل ما يمكن تقديمه، لقاء كل الجهد والبذل اللذين قدمهما مصطفى يعلى في الحقول المعرفية والتربوية والإبداعية، في تواضع جم ونكران ذات مشهود له بها من الجميع. وفي شهادته التي ألقاها في حق مصطفى يعلى، والمعنونة ب "أديب وليس أيقونة"، ذكر الكاتب محمد أنقار أن فحوى العنوان أن "يعلى ليس من صنف أولئك المثقفين، الذين تكاثروا في زمننا كالفقاعات وغدا الناس يمتدحونهم كما لو كانوا أيقونات تعبد. أولئك الذين يلهثون وراء الشهرة والمصالح المادية والبريق الكاذب". وأضاف أنقار أن ما شده إلى يعلى هو ولعه بكتابة القصة القصيرة ونشرها وقراءة الرواية، مثل ولعه هو نفسه. وقال "عرفت يعلى كاتباً للقصة القصيرة بامتياز مثلما عرفته رجلاً يرفض الشهرة والظهور المجاني بمناسبة أو من دون مناسبة. ولعل هذه واحدة من أبرز سماته في ممارساته الثقافية والإبداعية. هو رجل يعشق الجلسة الفريدة من أجل القراءة والتأمل. يزور عن التجمعات والتظاهرات الكثيفة، ولا يجد ذاته في المديح الزائف والإطراء الكاذب. كأنه وطد نفسه منذ البدء على أداء الرسالة في صمت بعيداً عن الأضواء. وكم ناجيت نفسي قائلاً إن مصطفى يعلى ليس أيقونة تعبد في حقل الثقافة المغربية المعاصرة. بل هو رجل الصراحة والمثابرة والعمل في الظل". أما الناقد محمد السولامي، فتحدث في شهادته عن صداقة العمر، التي تربطه بمصطفى يعلى، وقال إن ما شده إليه منذ البداية بساطته، ولاحظ مع مرور الأيام أنه مهووس بالبساطة، قريب جدا من البسطاء، ينجذب إليهم في الواقع المعيش، وعندما يعود إلى صومعته يعطي لكل واحد منهم دورا في عوالم يبدعها محملة بأحاسيسه ومعاناته، ويطل علينا منها وهو يردد " كم أنا مترع شوقا إلى تراب الحارة، إلى بقالنا البسيط، إلى ترهات الشلة المحببة، أبطال هم في عذابهم، في أحلامهم ...". وأضاف السولامي أن بساطة يعلى حصنته ضد ألوان الادعاء والبهرجة الزائفة، ونأت به عن الانتهازية والوصولية، كما أن جرأته كانت لافتة، فقد كان السباق إلى اقتحام عدد من العوالم. وأوضح "كشف لي قربي منك أن كنزك الثمين، الذي تعتز به هو الكتاب، ولعل الكتب أهم ما يربطك بهذا العالم، كما جاء في إحدى قصصك، وقد جعلتك صداقتك للكتاب خزانة متحركة، عشت معي تجربة البحث في الدبلوم والدكتوراه منذ أن انبثقا فكرة إلى أن استويا كتابين بأبواب وفصول، ما استعصى علي باب فيهما إلا وجدت عندك مفتاحه. وقد أثمر تعلقك بالكتاب مشروعا ثقافيا بدأته برسالتك الرائدة حول "ظاهرة المحلية في الفن القصصي بالمغرب" التي تناولت فيها بالدرس والتحليل ألفة المكان، كما تراءت لعدد من رواد أدبنا القصصي. وشيدت بنيانا مهما للقصة الشعبية المغربية حين تقصيت هذه القصة في اللغات العربية والفرنسية والإسبانية والأمازيغية، وبحثت عن نصوصها في شرق المغرب وغربه، شماله وجنوبه، فتجمع لديك كم ضخم، حددت أنواعه، وحللته بمنهج بروب المورفولوجي، واستطعت أن تتجاوز الحكاية العجيبة، التي حصر بروب نفسه فيها وأخضعت ذلك المنهج لكل أنواع القصص الشعبي المغربي التي توافرت لك". من جهتها فضلت الناقدة زهور كرام الاحتفاء بالكاتب مصطفى يعلى، بتقديم قراءة في مجموعته القصصية "شرخ كالعنكبوت"، الصادرة سنة 2006 عن "دار البوكيلي للنشر"، وقالت إن مواطن القوة متعددة بالمجموعة، لكن يمكن "اختزالها في تركيبة النص القصصية، التي شخصت بصنعة محكمة سرديا حالتين: حكي الحالة الإنسانية في هذا الزمن من خلال الاشتغال على العجائبي، وحكي حالة الإبداع عن الحالة عبر طبيعة العلاقة بين السارد والكاتب في المجموعة القصصية". وسجلت كرام أن نصوص المجموعة القصصية تخضع لقواسم مشتركة في ما بينها، في البناء وكذا المواضيع، وأنه رغم أن زمن الكتابة يمتد في عقد بكامله من سنة 1990 إلى 2000، فإن تركيبة واحدة تنسج عوالم هذه النصوص. وهي عوالم تبدأ اجتماعية واقعية لتتحول إلى عوالم غرائبية وعجائبية، بفعل اشتغال منطق التحول الحدثي في النصوص. وقالت "لهذا، فالقاعدة في هذه النصوص هي الغرابة والعجائبية، ومن ثمة يصبح الوضوح والحميمية هو الاستثناء". إلى جانب مجاميعه القصصية الأربع: "أنياب طويلة في وجه المدينة"، و"دائرة الكسوف"، و"لحظة الصفر"، و"شرخ كالعنكبوت"، أصدر مصطفى يعلى مجموعة من الدراسات الأدبية والنقدية منها بيبليوغرافيته المتخصصة حول "السرد المغربي 1930- 1980"، ودراساته: "امتداد الحكاية الشعبية"، و"القصص الشعبي في المغرب: دراسة مورفولوجية"، و"السرد الشعبي: قضايا وإشكالات". وفي بحر السنة الماضية أصدر كتابا نقديا بعنوان "السرد ذاكرة".