شكلت الاحتفالية باليوم العالمي للشعر التي شارك في تنظيمها بالرباط كل من بيت الشعر بالمغرب بالتعاون مع مركز طارق بن زياد مناسبة لإلقاء قصائد عبرت عن أصوات وأجيال مختلفة في الشعر المغربي، ويتعلق الأمر بعلال الحجام، وداد بنموسى، عبد المجيد بنجلون، عبد السلام الموساوي، لحسن العسيبي، عائشة البصري، مخلص الصغير، محمد الراشق، رجاء الطالبي، محمد بلمو ومحمد بنعيسى. وكذا مشاركة متميزة للشاعر العربي سعدي يوسف. وقد ألقى بيت الشعر كلمة بالمناسبة ( ألقاها الشاعر رشيد المومني )، وكذا مركز طارق بن زياد ( ألقى كلمته الأستاذ حسن أوريد). ولم تثن احتفالية اليوم العالمي للشعر التي استضافته المكتبة الوطنية بالرباط يوم السبت الماضي، رمزا لعنفوان القصيدة العربية الحديثة، الشاعر العراقي سعدي يوسف عن استهلال لقائه الأثير بجمهور الرباط ب «تنويع صعب» كثف فيه رؤيته الشجية لواقع بلاد الرافدين على إيقاع الحرب والفجيعة. ببساطته المعهودة، وصوته الخفيض الذي داهمته عوارض سنين طويلة من رحيل إلى رحيل، حيا «حفيد امرؤ القيس» جمهور بلد جاب خريطته عرضا وطولا، تارة بقامته الشعرية ضيفا على اللقاءات والمهرجانات وأخرى بهويته الشخصية البسيطة، زائرا محبا للمكان وأهله، قبل أن يقترح تنويعا على قصيدة شهيرة لمهدي الجواهري، أنشد فيه مأساة العراق : «سلام على هضبات العراقِ ... الذبيحة في العيد، بغداد في العيد، تلك المقاهي: لها الشاي مرا، وتلك الفنادق : سكانها الأبعدون. الصلاة أقيمت، صحون الحساء بها مرق من عظام ومنلحم سحلية... والمساجد مغصوبة الأرض أبوابها للجنود، مشاة، وبحارة وملائكة طائرين». وقرأ سعدي يوسف الذي أسعده الحضور الغفير والنوعي بالمكتبة الوطنية بالرباط وهو الذي طالما راوده الشك في صدى صناعة القصيدة في عالم اليوم، قصائد مختارة تنوعت أجواؤها بين تأملات في اليومي العابر، وهجاء سياسي لاذع «بيانو كوندوليزا رايس»، وتوثيق شعري للعلاقة بالمكان «الماندولين». وفي اليوم الذي اعتمدته اليونيسكو يوما عالميا للشعر باقتراح من بيت الشعر بالمغرب، جاءت كلمة الشاعر العراقي تجسيدا لعلاقته اليومية بفن الشعر وإيمانه بالوظيفة التغييرية لهذا المعين الإبداعي: «لي أكثر من نصف قرن مع هذا الرفيق الذي لم يخذلني يوما، وإن خذلته كثيرا، في محاولتي التعرف عليه أكثر، ومعرفة خصاله وطباعه، وأدب مرافقته ومجالسته. (...) رحلتي دائمة، وهو، أعني الشعر، قريب، ناء، واضح، غامض . كأن الحياة بأسرها ساحة للشعر وملعب. وكأنني مكلف بأن أذرع هذه الساحة في محاولة بلوغ الفن، بلوغ الشعر». يرى سعدي يوسف أن «الشعر يعود باللغة إلى بداءتها, أن الكلمة مرهفة كالوتر الحساس». (..) وأن الشعر يقدم الخطوة الأولى في السلم الذي يحمل البشر إلى السماء، ومن هنا إغراؤه، ليخلص إلى أنه «ليس لي من حياة فعلية خارج الشعر. الشعر خبزي اليومي». وبالفعل تشكل قصيدة سعدي لوحة تلونها تعبيرات الحواس والمشاهد المنفلتة التي تصنف في خانة «العاديات» والعلاقات الفورية والمباشرة بالناس والأشياء والأمكنة، علما أن مجاميع الشاعر تحفل بقصائد المدن والعواصم العربية والأوروبية: بغداد، دمشق، عدن، باريس، روما، لندن، دبلن، موسكو. أما في قصة علاقته الوطيدة بالمغرب، فإن مهوى فؤاد سعدي يوسف استقر في العاصمة الاسماعيليةمكناس، وكأن الشعراء والأدباء العرب اقتسموا بالتساوي جماليات الحواضر المغربية، إذ عشق محمود درويش أجواء الرباط، واستلب أدونيس بسحر مراكش وافتتن عبد المعطي حجازي بمغارات فاس التليدة. ونال جوائز رفيعة في الشعر، من أهمها جائزة سلطان العويس، والجائزة الايطالية العالمية، وجائزة «كافافي» من الجمعية الهلينية. وفي العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلف أجنبي. وتخللت القراءات الشعرية فواصل موسيقية حملت توقيع الفنان عبد المجيد بقاس الذي أدى روائع من فن كناوة، أضفت أجواء روحانية على اللقاء. (ومع)