تعتبر انتفاضة المشور التاريخية أول رد فعل جماهيري شعبي ضخم، يتم تنظيمه وتأطيره بمبادرة من طرف مجموعة من الوطنيين المخلصين المتشبعين بالايمان والقيم الوطنية والخارجين من رحم العمق الشعبي لمدينة مراكش بقيادة الشهيد محمد البقال. وكانت بمثابة صفعة قوية مفاجئة هزت أركان إدارة الحماية الفرنسية وأدخلت الرعب والهلع في نفوسهم وعملائهم، وعلى رأسهم الطاغية الاقطاعي التهامي الكلاوي باشا مراكش، وهم يرون بأم أعينهم عشرات الآلاف من الجماهير الشعبية حرفيين وفلاحين بسطاء وتجار صغار، نساء ورجالا وشبابا يشكلون سدا بشريا مانعا بعصيهم وخناجرهم لصد دمية الاستعمار - بن عرفة من الوصول إلى القصر الملكي وعرقلة وإفساد مراسيم تنصيبه ومبايعته، الشيء الذي أربك حسابات الادارة الاستعمارية، بعدما كانت تعتقد أنها بما مارسته وتمارسه من أشكال القمع والترهيب والتنكيل والتخويف، قد يجعل ساكنة المدينة كثلا بشرية ذليلة مستسلمة خنوعة لا تقدر على فعل أي شيء. والمساهمة التالية محاولة لتذكير الجيل الحاضر، وتقريبه من أهم محطة نضالية تاريخية، لأول تحرك مبكر، جماهيري، شعبي، حاشد لمدينة مراكش، للرد وبعنف على ما يدبر ويحاك من مؤامرات ضد العرش المغربي والسيادة الوطنية، أيام الحقبة الاستعمارية، معتمدا على افادات ثلة من المقاومين الوطنيين، وبعض رفاق الشهيد محمد البقال، ممن لازالوا على قيد الحياة، بارك الله في عمرهم، وكانوا قد عايشوا دقائق ولحظات مظاهرة المشور التاريخية، يوم 15 غشت 1953. الفصل صيف، والحرارة مفرطة، ومدينة مراكش هذا قدرها مع كل صيف، تعيش تحت رحمة طقس تفتقد معه نسمات الهواء الصباحية، زاد من وطأة اختناقها الحراسة المشددة المضروبة منذ الساعة الأولى من صباح يوم الجمعة 14 غشت 1953، على كل المنافذ، والدروب، وأبواب المساجد الكبرى، وبصورة مكثفة مرعبة مع منع المرور على طول شارع الرميلة - فاطمة الزهراء حاليا، الرابط بين فضاء الكتبية ودار الكلاوي - الستينية. المتاجر والدكاكين مغلقة، والطرقات شبه خالية إلا ما كان من فرق الحراسة العسكرية - لاليجو - ودوريات الشرطة الفرنسية تجوب شوارع المدينة وأعوان الكلاوي، بعصيهم وهراواتهم يستفزون المارة. وكانت الاخبار قد تناقلت بأن الأوامر قد أعطيت لأئمة المساجد للاعلان في خطبة الجمعة على تنصيب بن عرفة - سلطانا - والدعاء له على المنابر، مما حذا بالوطنيين المخلصين من أبناء مراكش للقيام بتحركات استعجالية لتعبئة المواطنين، في الأحياء والأسواق والمتاجر ودعوة المصلين في جميع مساجد المدينة لصد كل من يحاول أن يأتي على ذكر - بن عرفة - أو الدعاء له. وعرفت جل مساجد المدينة في هذا اليوم أحداثا واضطرابات، أدت إلى اصطدامات شديدة بين المصلين وقوة التدخل الفرنسية والمخزنية، خاصة بمسجد الكتبية ومسجد المواسين الذي تم طعن إمامه بخنجر في ظهره من طرف بعض الوطنيين الغيورين بعد انتهاء الصلاة لإعلانه في خطبة الجمعة عن تنصيب الدمية - بن عرفة - كما شاهدت معظم الاحياء الشعبية مظاهرات وانتفاضات عفوية شارك فيها العشرات من المواطنين احتجاجا على المؤامرة المدبرة ضد السيادة الوطنية والعرش المغربي. وكان ذلك بمثابة رسالة واضحة من سكان مدينة مراكش، على الرفض القاطع لمخططات الادارة الاستعمارية، و تحذيرا قويا لكل الخونة والعملاء كيفما كانت مكانتهم.