«... إن الله اشترى من أبنائها المخلصين أنفسهم، فاسترخصوها فداء للحق المهضوم وتلبية لنداء الواجب المقدس. وكان لبعضهم شرف الشهادة في ذات الله والوطن والعرش: ولن ننسى شهامة الفدائيين الأبطال من أمثال الشهيدة المقدامة فاطمة الزهراء.» (فقرات من خطاب جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله، أمام عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات بساحة المشور، في أول زيارة له لمدينة مراكش بعد الاستقلال صيف 1957. منوها فيه بالدور الطلائعي المبكر لأبناء مدينة مراكش وشهدائها وعلى رأسهم الشهيدة فاطمة الزهراء.) وكان المؤمل بعد هذا التنويه الملكي، أن تبادر الجهات المسؤولة على تدبير الشأن الوطني أو المحلي على الأقل بالإسراع بترجمة أبعاد ومقاصد التنويه الملكي، والعمل على كل ما من شأنه أن يخلد الملاحم البطولية التاريخية التي أنجزها شهداء هذه المدينة، مسترخصين أرواحهم ودماءهم في سبيل تحرير الوطن والدفاع عن كرامته وإنصافا لهم، ومرجعا للأجيال اللاحقة، بدل تحكيم إسدال الستائر السميكة المنسوجة بخيوط الاهمال، والمطرزة بأسلاك النسيان، وفصل الاجيال عن ذاكرة تاريخ الفاعلين الحقيقيين في كل بناء وتغيير. فهل الأجيال التي جاءت بعد الاستقلال تذكر الشهيدة فاطمة الزهراء التي لم يكلف المسؤولون لتخليد ذكراها إلا إلصاق زليجة باهتة قياسها لا يتجاوز25 سم، غارقة في صباغة الجدران الطاغية بحمرتها لتسمية شارع الرميلة سابقا باسم - فاطمة الزهراء - هكذا حافيا بخيلا حتى بذكر كلمة الشهيدة . أليس علينا جميعا كمغاربة حاكمين ومحكومين حق شهداء هذا البلد؟ أي مرارة أشد علقما إذا ما تم اغتيال ذاكرة الوطن؟! وماذا يضير المجتمع المدني بنسائه ورجاله التقدمي والحقوقي والانصافي، لو بادر بالتفكير على الأقل في صيغ لتخليد ذكرى أول شهيدة بهذه المدينة في سبيل الحرية وعزة الوطن . نسعى من خلال هذه المحاولة، اضاءة زوايا من حياة الشهيدة فاطمة الزهراء، التي أريد لها أن تظل غريبة مجهولة بعد استشهادها لجيلين كاملين. المرأة التي خرجت من رحم العمق الشعبي بمدينة مراكش، لتتحدى وبأدرع مفتوحة رصاص الاحتلال الفرنسي فداء للوطن! اضاءات استمددت ومضات لها من افادات مصادر موثوقة حظيت بشرف المشاركة الفعلية في انتفاضة - المشور - الشعبية التاريخية ممن لازالو على قيد الحياة، وممن عرفوها عن قرب كأمثال المقاومة السيدة زينب علوان، المناضلة النشيطة إلى جانب أخوات الشهيد محمد البقال في عملية تأطير نساء القصبة، اللائي أعطت مشاركتهن المتميزة لمظاهرة المشور يوم 1953/08/15 زخما نضاليا بنكهة الأنثى، وأثبتن بحضورهن القوي ومنذ تلك الحقبة أنه لا فرق بين المرأة والرجل عندما يكون الوطن مستهدفا، وتكون المحن والمؤامرات تتربص به. عاد السيد علي قسبان، زوج السيدة فاطمة الزهراء إلى بيته مساء صيف ذلك اليوم من سنة 1953، وكان قد أثار انتباهه وهو في الطريق حالة استنفار وتطويق أمني، وعسكري، ومخزني على القصبة وأبوابها، بشكل لم يسبق لها مثيل، وأعوان - الكلاوي - بالعشرات يحاصرون باب أكناو، المدخل الرئيسي للقصبة، مسلحين بالعصي والهراوات، يستفزون العائدين إلى بيوتهم، يفتشونهم، يتفحصون وجوههم، يتحققون من هويتهم، ويمنعون الخارجين بعد استفسارات وتحقيقات مملة. نزل على دراجته العادية إلى أن اجتازهم، ولما حاول الركوب سمع من خلفه «كيز إماك» فترجل يقود دراجته مشيا على قدميه. شارع بوطويل خال من المارة، إلا ما كان من سيارات الشرطة الفرنسية تعبره جيئة وذهابا، الدكاكين مغلقة، وعند مدخل درب الرحالة، القريب من مزارة قبور ملوك السعديين،المفتوح على واجهة بوطويل وسويقة ، قصيبة النحاس ، أوقفه بعض الجيران وعيونهم ملأى بالحزن والأسى، ليقدموا له التعزية والمواساة في زوجته فاطمة الزهراء، التي سقطت شهيدة برصاص الشرطة الفرنسية بساحة المشور،وقف مشدوها! وقد تجمد الدم في عروقه، وضاعت الكلمات من فمه، واستعصى عليه النطق كمن أصيب بالخرس! وانفلتت الدراجة من يده. وانطلق يجري نحو بيته الذي كان غاصا بالجيران يبكون الشهيدة ويواسون أبناءها الصغار: حليمة ذات السنوات الست، وأخوها مبارك في سنته الثالثة والطفل الصغير محمد في سنته الأولى. ومن عتبة الباب ودون أن يشعر نادي بأعلى صوته: «للالة فاطمة الزهراء؟ للالة فاطمة الزهراء؟» وانفجر باكيا محتضنا أبناءه آخر ما تبقى له من شريكة العمر فاطمة الزهراء. اسم له من الإجلال والتعظيم، والمكان والتقدير، وعلو المقام عند الأسر المغربية، سواء في المدن أو البوادي في الجبال أو القبائل الصحراوية، ما جعلهم يحرصون على تسمية بناتهم به، فلا يخلو بيت من بيوتهم من اسم فاطمة أو فاطمة الزهراء، تيمنا اسم سيدة نساء العالم صغرى بنات الرسول (ص) يتبع