ربع عام يكاد يمر على انطلاق الاعتصام الميداني لقبيلة الكرازبة اولاد يحيا الترارزة، ضدا على عدم تمكينها من تفويت أرض المطار المتواجدة على مسارحها وسط أرض صحراوية تتناغم فيها العمامة والأقنعة السوداء لنساء القبيلة وخيام الوبر مع أشجار الطلح والكثبان الرملية، مضفين على المكان بصمة إنسية ونكهة حضارية تبين انسجام أفراد القبيلة والأرض، من منطلق الإنسان ابن بيئته، مما لا يدع مجالا للشك في أنهم أهل المكان، حرموا أنفسهم من كل مظاهر المدينة: الكهرباء، التلفاز، الأسقف... يقطعون كل يوم عشرات الكيلومترات من وإلى أرض الاعتصام على الأرجل والدراجات الهوائية والنارية، متحملين شح المياه وزحف الرمال والعواصف التي تحاول جاهدة النيل من صبر وتحمل أفراد القبيلة المعتصمين بإسقاط الخيام و تمزيق اليافطات. هذه القبيلة الصامدة التي خدمت الوطن والعرش على مدى مئات السنين، اشترت وحرست تلك الأراضي أيام السيبة، وفي المناوشات مع الجزائر والبوليساريو، شقت وأصلحت الطرق أثناء فيضانات الشعاب والأودية والتي ينخرط اليوم ثلثا أبنائها في صفوف القوات المسلحة الملكية والمساعدة. هذه القبيلة تُترك اليوم معتصمة في العراء بعد إخفاء ملف الأرشيف الخاص بها من لدن السلطات المحلية. وعوضا عن الاهتمام بها تترك منبوذة منسية تفترش الأرض وتلتحف السماء. إذا كان ظهير 12 رمضان 1382/ 06 فبراير 1963 ينص صراحة على أن «اقتناء عقار جماعي من طرف الدولة أو الجماعات أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الأصلية يمكن انجازها خلافا لمقتضيات الفصل الرابع من ظهيرنا الشريف هذا، إما بالمراضاة إذا كانت الجماعة المالكة ومجلس الوصاية متفقين على مبدأ وشروط التفويت، وإما بواسطة نزع الملكية في حالة العكس». وإذا كانت الوصاية لا تجادل في مبدأ تفويت العقارات الجماعية اعتبارا للنفع العام الذي يتبع إنجاز المشاريع، فإنها تعتبر مسؤولة كذلك للسهر على حقوق الجماعات والدفاع عن مصالحها، كما تشير إلى ذلك الدورية رقم 404 الموجهة من وزير الداخلية إلى السادة الولاة والعمال والمدير العام للجماعات المحلية في 11/08/1993 في شأن طلبات اقتناء أراضي جماعية من طرف الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية والتي تنص صراحة، إضافة إلى ما سبق، على أنه «يمنع منعا كليا إنجاز أي مشروع تنوي إدارة أو مؤسسة عمومية أو جماعة محلية إحداثه فوق أرض جماعية ما لم تتوصل بالموافقة المبدئية على التفويت لفائدتها من طرف المصالح المركزية المكلفة بالوصاية على الجماعات الأصلية والتي يحددها ظهير 27/04/1919. إن مطار فم زكيد يشكل حالة وسابقة فريدة من نوعها، فقد خرج إلى حيز الوجود في إطار شراكة بين وزارة التجهيز والنقل والمكتب الوطني للمطارات وإمارة أبوظبي على مساحة 206 هكتارات و50آرا، دون التقيد بمضامين الظهير الشريف المشار إليه، إذ لم تستشر قبيلة الكرازبة أولاد يحيا بخصوصه! ولم تتمكن من تسليم موافقتها المبدئية لتفويته ولم تتعرض عليه. بل بالعكس من ذلك، أعربت عن مباركتها للمشروع منذ ما يزيد عن سنتين، ولم تتوان في طرق جميع الأبواب للاستجابة لنداءاتها. كما لم تحترم دورية السيد وزير الداخلية إذ انطلقت الأشغال، وشُرع في إنشاء المطار بحوالي شهر قبل توقيفه من طرف القبيلة. ولم تقم وزارة التجهيز والنقل بمراسلة السيد وزير الداخلية باعتباره الوصي في شأن طلب تفويت أرض المطار عن طريق الاقتناء بالتراضي إلا بتاريخ 31/12/2008، أي بعد الشروع في الأشغال. أكثر من هذا فالوصاية لم تسهر على حقوق قبيلة الكرازبة، والدفاع عن مصالحها كما ينص على ذلك ظهير 27/04/1919، إذ تم تجاهل مطالبها واستغاثاتها، وتم افتعال نزاعات في أراضيها التي تسمى «بالمسمر الكبير». والذي بات معترفا بملكيته لقبيلة الكرازبة إلى حدود 1991 من طرف السلطات الوصية، وهو بالمناسبة يمتد على آلاف الكيلومترات المربعة. إن وزارة الداخلية مطالبة بتدارك الخطأ الذي تسبب فيه ممثلوها محليا، الباشا السابق ورئيس مصلحة الشؤون القروية بطاطا، وغيرهما من المسؤولين الحاليين، هؤلاء المسؤولون الذين عملوا على تغليب مصلحة البعض على البعض الأخر، وتسببوا في افتعال نزاعات بأراضي هذه القبيلة، ولم يطبقوا القوانين الجاري بها العمل. إن إرجاع الأمور إلى جادة الصواب عبر فتح تحقيق شفاف ونزيه في هذه النازلة سيمكن لا محالة من فك قضية المطار، والتعجيل بإيفاد لجنة تحقيق مركزية من شأنه رفع الحيف والظلم عن هذه القبيلة وإنصافها والإنصات لمطالبها المشروعة، أما الإبقاء على الوضعية الحالية للأمور، فيجعل من القانون أداة مسلطة فوق رقاب العباد، عوض أن يكون أداة لحمايتهم وحماية حقوقهم. نداءات هذه القبيلة واعتصامها لا ينبغي أن يذهبا سدى عبر اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية، التي لو طبقت في ظل هذه الظروف وقبل التحقيق في النازلة، ستكون بمثابة تغليب مصلحة البعض على مصالح قبيلة كاملة من جهة، وتستر على من تسببوا في خرق القانون وافتعال النزاعات، وإيجاد غطاء لقمع قبيلة الكرازبة اولاد يحيا الترارزة المعتصمة، والمتمسكة بحقوقها المشروعة، من جهة أخرى.