الصورة الواحدة تغني في كثير من الأحيان عن تدبيج عشرات الصفحات من أجل إيصال رسالة معينة او التوصل الى قناعة وخلاصة مشتركتين بين الصحيفة والقارىء. لهذا اهتمت الصحف الحديثة بالصورة والمصورين، ومنها من أفردت للصورة موقعا ثابتا فيها تُبوِّئها فيه مكانة الشرف والتعظيم. وسواء كانت الصورة مصحوبة بتعليق يساعد على فهم الرسالة المقصودة منها، او كانت غُفلا من التعليق فإنها حظيت دائما بالاهمية نفسها لدى القارىء المتسرع او لدى القارىء المتمعن. بيد ان الصورة قد تخطىء هدفها وتجانب الغرض المرجو منها، بل قد تنتج النتيجة العكسية تماما مما أعدت له في بعض الاحيان، اذا ما استعملت الصورة الخطأ في المكان الخطأ. كأن يتم الحديث مثلا عن الدعارة في مقال ما ويعزز بصورة لنساء مجهولات متوقفات في الشارع، ثم يتبين - بعد النشر - ان من بين هؤلاء النسوة المجهولات سيدة شريفة ومحترمة توقفت امام واجهة أحد المتاجر تتملى بمعروضاته ولا علاقة لها، من قريب او بعيد، بموضوع الدعارة المنشور. لهذا، فإن مبدأ التحقق، وهو أحد القواعد المؤسِّسة للصحافة، الذي يتم استعماله كمصفاة ضرورية لانتقاء الاخبار وتمييز الصحيح منها عن غيره، يفرض نفسه اكثر حين يتعلق الامر بنشر صورة او عدم نشرها. ويبدو أن هذا المبدأ المهني القاعدي، لم نقم باحترامه في أحد أعدادنا السابقة، وهو العدد الصادر بتاريخ الاربعاء 7 يناير الجاري حيث نشرنا في صدر الصفحة الاولى - في خضم الحرب الاسرائيلية العدوانية على قطاع غزة - صورة لمقاتلين من حركة حماس أحدهما يركض حاملا، مثل خروف، جنديا إسرائيليا بينما الآخر يحمل مسدسا يغطي به عملية الاختطاف (الصورة رقم 1). وقلنا في الخبر المرفق بالصورة ان «حركة حماس أسرت جنديين اسرائيليين، وهو الخبر الذي سارعت القيادة العسكرية الاسرائيلية إلي تكذيبه فورا، لكن الصورة التي نشرت في عدد من المواقع، توضح بجلاء اختطاف جندي من طرف عناصر المقاومة، وهذا الامر لايمكن تكذيبه لأن الصورة اكبر دليل على الواقع». والواقع ان الصورة التي نشرناها ليست دليلا على شيء، ذلك أنها غير صادرة عن إحدى وكالات التصوير المعترف بها والتي تحترم قواعد المهنة (أ.ف.ب او أسوشييتد بريس او رويتر...) ، بل انها صورة طافت قبل نشرنا لها بثمان وأربعين ساعة على عدد من المواقع الالكترونية وتوصل بها عدد كبير من المنخرطين في موقع «فيس بوك». هذا من حيث التحقق من المصدر، وهناك أيضا إعمال العقل والتحقق بواسطة الحس السليم و منطق العقل. فإسرائيل - بعد تجربة أسيرها «جلعاد شاليط» لدى حماس - تفضل في اسوأ الاحوال ان تقتل جنديها «المختطف» صحبة جميع مختطِفيه على أن تسمح لجندي آخر من جنودها بالسقوط في أسر حماس بهذا الشكل اليسير والسخيف. علاوة على أن حماس او أي حركة في العالم، ليست من الغباء بأن تسمح بتصوير عملية اختطاف، تقدم من خلالها معلومات (عن المختطفين و عن موقع الاختطاف وعن سلاح الجهة الخاطفة) بشكل مجاني للعدو. لكن، قد يقول قائل ان السياق الذي ورد فيه نشر الصورة، هو سياق الحرب العدوانية الاسرائيلية على المقاومة الفلسطينية في غزة، والحرب مثلما تتم على الجبهة العسكرية، تتم على جبهات أخرى مختلفة من بينها الحرب الإعلامية والنفسية،حيث يكون دور الصورة هو رفع معنويات الشعوب العربية. نعم، إن دور الاعلام هو ان يكون رديفا للخندق العسكري وللسلاح، فإذا كان السلاح يوجه ضد العدو، فإن الاعلام يوجه الى الجبهة الداخلية من أجل رصها و تماسكها خلف المقاتلين تماسكا واعيا و حقيقيا. فالإعلام الحقيقي - والصورة جزء أساسي منه - لا يسعى الى دغدغة العواطف القومية والوطنية على حساب الحقيقة، ولكنه يتعامل مع جمهور القراء كجمهور راشد لانكذب عليه ولا نوهمه ولا ندغدغ مشاعره. فلمن لايذكر العقد السادس والسابع من القرن الماضي، من قرائنا الشباب، نقول لهم ان خيبة أمل آبائهم عقب هزيمة يونيه 1967 لم تكن بسبب الهزيمة العسكرية في حد ذاتها، بل بسبب الخديعة التي تعرضوا لها، حيث عاشوا واهمين لمدة خمسة أيام من الحرب ،بين العرب و إسرائيل، يتوقعون سقوط تل أبيب بين لحظة وأخرى - لأنهم صدقوا مذيع صوت العرب الشهير - ليكتشفوا في اليوم السادس ان اسرائيل «التي لاتساوي شيئا» قد احتلت ضعفي مساحتها وتمددت فوق أراضي ثلاث دول عربية (مصر والاردن وسوريا).. فكلما كانت الاوهام كبيرة كلما كانت السقطة مدوية، ونحن بكل بساطة نريد قارئا متابعا للوقائع - مهما كانت قاسية - لا قارئا تجرفه العواطف والاوهام الكاذبة. ***** وبمناسبة الحديث عن الصورة وتأثيرها، نشرت بعض الصحف المغربية - لم نكن ضمنها - سلسلة صور مؤثرة لفتى على أبواب المراهقة يذرف الدمع مدرارا على والدته الجريحة المحتضرة الي ان تستشهد بين يديه ضحية للجيش الاسرائيلي «الذي لايستهدف المدنيين» (الصور رقم 2 ) وقد كانت الصور مؤثرة فعلا أظهرت وحشية الجيش الاسرائيلي وهي صور واقعية ومتحقَّقٌ منها (صور وكالة فرانس بريس) إلا أنها صور تعود الى فترة العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان في يونيه 2006. ***** واذا كنا لحسن حظنا، لم ننشر تلك السلسلة من الصور المؤثرة التي حدثت في مكان غير المكان (صور رقم 2) فإننا لحسن حظنا أيضا قد نشرنا صورة فظيعة ومؤثرة لرأس طفلة صغيرة انتزعته الأسلحة الاسرائيلية انتزاعا من الجسد الغض وألقت به - مثل رأس دمية مهملة - فوق التراب. كانت الصورة (رقم 3) التي نشرناها في عدد السبت الاحد الماضيين (18/17 يناير 2009) صورة فظيعة ، لكنها كشفت وحشية الآلة العسكرية الاسرائيلية، وكان لها أبلغ الاثر لدرجة ان كثيرا من المتظاهرين في مسيرة الدارالبيضاء قد رفعوها رمزا ودلالة على الوحشية الاسرائيلية. وبهذا تكون الصورة قد أدت واحدا من أدوارها الاعلامية.