فازت مؤخرا الشاعرة المغربية إكرام عبدي، وهي من شاعرات الجيل الجديد من الحساسية الشعرية المغربية النسائية، بجائزة بلند الحيدري للشعر القطرية، وهي جائزة محترمة في عالمنا العربي اليوم. وبهذه المناسبة الثقافية الخاصة والمشرفة للقصيد والإبداع المغربي، حملنا إليها أسئلتنا، فكان هذا الحوار الخاص ب « فكر وإبداع ».. 1- ماذا يكون شعور الشاعر وهو يكرم من طرف بلدته أم الرأس بجائزة مهمة مثلما فعلت معك أصيلا؟ ٭ عشقي لأصيلة متفرد حر خالص عذري، لا ينتظر مقابلا، لكن أصيلة كعادتها كانت معطاءة مغدقة، منحتني بالإضافة إلى وهج اللحظة ودهشة المكان، جائزة باسم شاعر كبير وهو بلند الحيدري، من أبرز الشعراء الذين ساهموا في تحديث القصيدة العربية، وتسلمتها من مؤسسة منتدى أصيلة المؤسسة العتيدة التي كان لها الدور الريادي في نفث الحياة في يباب أصيلة، وإخراج المدينة من قمقم النسيان. 2- أكيد أن للجوائز دور كبير في ارتقاء الإبداع الأدبي، والنهوض بالوضع الاعتباري للمبدع. ما رأيك؟ ٭ طبعا الجوائز هامة لتحفيز المبدع على الرقي بعمله الإبداعي، ولكنها لا تصنع المبدع، ما يصنع المبدع هو عمله الإبداعي، وما يثيره من دهشة لدى القارئ، ونزوعه الدائم للاحتفاء بالجمال سواء في صوره أو لغته. فالجائزة محطة هامة في مسيرة أي كاتب أو مبدع، تعترف له بما سلف لكن في نفس الآن تدعوه لأن يكون أكثرا حذرا و تهيبا ومسؤولا فيما هو آت. 3- كيف تقيمين جوائز المغرب الأدبية مقارنة مع مثيلتها في المشرق؟ ٭ ما يمنح لجائزة ما سواء داخل المغرب أو في المشرق قيمتها هو مدى المصداقية التي ترتضيها، ومدى مساهمتها في الارتقاء بالعمل الأدبي بمختلف أجناسه، والتشجيع على الكتابة والإبداع، في زمن يعلن فيه اندحار الإبداعي والجمالي والإنساني في الزمن الاستهلاكي أوفي «المدن الضخمة» لبودلير. 4- فزت بالجائزة مناصفة، والمناصفة تدل على أن شاعرين تقاربا في الأداء الفني والمضموني والفكري. ما رأيك في هذا الإجراء؟ وهل من المنطقي أن يتشابه شاعران ما في أداء معين يستحقان عليه المناصفة؟ ٭ لي ثقة كبيرة في لجنة تحكيم «جائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب العرب» التي تسلمتها في موسم أصيلة الثقافي الدولي، وخاصة أنها تضم أعضاء من خيرة كتابنا ومبدعينا، الكاتب والناقد الدكتور جابر عصفور، والكاتب والمبدع والإعلامي محيي الذين اللاذقاني والكاتب والناقد الألمعي بنعيسى بوحمالة و الشاعر سيف الرحبي، لي ثقة في المعايير التي اعتمدوها لاختياري أنا والشاعرة الإماراتية خلود المعلا مناصفة، وأنا سعيدة بهذه المناصفة التي كانت لي مع شاعرة إماراتية امرأة، وهذا في حد ذاته، رد الاعتبار للمرأة الشاعرة واعتراف بقدرة الشعر على الجمع بين صوتين متباعدين مكانيا ومتقاربين طبعا في الهم والقلق الشعري، واعتراف بقدرة المرأة الشاعرة على صنع اللحظة الشعرية و المجاهدة لمقاومة كل ما يجعل الإنساني والقصي فينا وحيدا معزولا في خرائب المنفى. 5- أصيلا بلدة الشعر والشعراء: البلدة القصيدة، تلك التي تكون ملاذا لكبار المبدعين عبر العالم. ما مدى إسهام المهرجان الثقافي لأصيلا في الارتقاء بوضعها الثقافي وبتمجيد ذاكرتها الثقافية والفنية؟ ٭ عادة، جمال أي امرأة قد يبهت ويصير شاحبا ممتقعا، إن لم يجد من يسقيه بالحب والعناية والاهتمام، هكذا هي أصيلة هي جميلة بالفطرة، لكن مهرجان أصيلة الثقافي الدولي، زادها جمالا وألقا، كما أن أمين مؤسسة منتدى أصيلة السيد محمد بنعيسى ورئيس بلديتها شملها بعنايته وسقاها بثراء موهبته وعشقه لكل ما هو راق ومتجدد، سقاها بالحكمة والدبلوماسية، والنتيجة بادية للعيان، أصيلة غدت محجا لأهم شخصيات العالم الفنية والأدبية والسياسية، تستضيفهم كل صيف، لا لكي يتغزلوا في جمالها فقط بل لكي ينثروا على جنباتها بعضا من طروحاتهم وأفكارهم، وينفضوا الغبار عن ذاكرتها الثقافية، ويضخوا في نسغها دما جديدا ينبض بالحياة والألق . 6 - يقال إنك من بين الأسماء التي ستعلي من وزن القصيدة المغربية مستقبلا، بحكم النبرة المتجددة التي تحظى بها قصائدك، وبحكم القيم والقوالب التي تقترحها مع كل إطلالة. ما تعقيبك؟ ٭ لا أستطيع أن أحكم على تجربتي الشعرية، لأنني أولا صاحبتها، ويبدو من الصعب على مبدع الحديث عن نفسه، وشعري مازال في مرحلة «القراءة التفاعلية» ولم يلج بعد مرحلة «القراءة التاريخية»، ولم يتوفر المتن الكافي حتى نستطيع الحكم عليه في شموليته، لكن ما يمكنني أن أؤكده لك الآن أنني أكتب، أحتفي باليومي بالجمال بالعميق فينا، لا أحاول أن أرهن شعري بقضية محددة تأسرني وتحد من انفلاتي، أؤمن كما يقول أمبرتو إيكو أنه في الكتاية هناك 20 في المائة تمثل الموهبة و80 في المائة هي للدربة والممارسة، نفس الشيء كان يؤكده الشاعر الراحل محمود درويش في أغلب حواراته، لذلك وأنا أسافر في الزمن الإبداعي، أبحث عبر القراْءة المتواصلة عما يلمع لغتي وصوري ويجعلها أكثر إشراقا صفاء وبهاء، لأنني على يقين أن القراءة هي أفضل من الكتابة. 7 - كثير من النقاد والمهتمين الآن، لا تعجبه الفورة الكتابية والإبداعية والحملة الإعلامية التي اتخذتها المرأة، ويعتبرونها مجرد زوبعة في فنجان. هل تستسيغين المفارقة في الإبداع بين ما هو نسائي ورجالي أم أنك توافقين الرأي القائل بكون الإبداع لا يؤنث ولا يذكر؟ ٭ الإبداع طبعا هو امبراطورية باذخة تتجاوز كل التصنيفات، لكنني أصر دائما على أنني لا أخجل من كوني كاتبة امرأة، ولن أرغي أو أزبد في وجه من ينعتون كتابتي بالنسائية، فالأنوثة ليست شبهة أو سبة أستحيي منها أو أخجل منها أو تجعلني أناهض كل من ينعتوني بها، فأنا كاتبة أنثى لي خصوصيتي، لي بهائي ومقوماتي الجمالية، ولي لغة قد تشبهني أحيانا وقد تخالفني، ما أرفضه هو كل تنقيص وتهجين وتحقير لكتابتي مقابل الآخر الرجل. وأرفض كل نقد مجاملاتي لي كامرأة بغض النظر عن كتابتي، إذا هناك رجل ناقد سينسج عبارة إطراء في حقي فقط لأنني امرأة متغاضيا عن كتاباتي، فمن الأفضل أن يلوذ إلى صمته وستصلني الرسالة. 8 - تزامن بسوء الصدف فوزك بالجائزة مع حدث رحيل شاعر كبير هو محمود درويش. ألم يؤثر هذا على قيمة فرحتك بالتتويج؟ ٭ طبعا موته كان أكبر فجيعة، لكن محمود درويش هذه القامة الإبداعية الوارفة المقيمة في برزخ الغياب والحضور معا، علمنا دائما كيف نولد من الفجيعة، وكيف نصنع من الحزن فرحا، وهو الذي طالما أزهر قصائد وجمالا وزهر لوز وبهاء في أرض الحروب والأزمات والمواجع، و»ارتقى الجبال الشامخات كي يسخر من كل المآسي، حقيقية كانت أو ممثلة على خشبة المسرح» كما يقول زرادشت، وهو الذي صنع من مرضه جداريات، وعاد بعد كل وعكة صحية بعافية إبداعية، ونسج من آلامه فرحا يغمرنا بعد كل فيض قصيدة. لم أحزن، لأنني متيقنة، أن محمود درويش لم يمت، بل فقط ارتاح من وعثاء سفر الكلمة واليومي والقضية، واستعاض عن الحياة بخلود جلجامشي. 9 - هل تتوقعين من الشعر أن يعيد الاعتبار في هذه الألفية الحارقة للقيم الإنسانية التي تدهورت كثيرا بفعل قيم السوق والتهافت على العولمة الملغومة والمادية المحمومة؟ ٭ يقول ريلكه في مطلع قصيدته «مراثي دوينو»: من إذن، إن أنا صرخت، من بين كتائب الملائكة يمكن أن يسمعني. هكذا هي القصيدة، أجدها متوحدة في صمتها، غريبة في زمن سطوة الاستهلاك والمنفعة السريعة، وعوض أن تنتحب حظها العاثر، لها أن تنحت لها مسلكا في زمن منفى القصيدة، زمن تورطنا نحن فيه ولنا أن نحاوره و ننصت إليه بأناة وحذر شديدين، وفي نفس نحاور القصي والعميق فينا، لنا أن نقيم فيها رغما عنا، ولنا أن نقيم في القصيدة وفي مجهول لغتنا ولانهائيتها. 10- هناك أزمة حقيقية تجتازها القصيدة العربية، أزمة مركبة ومعقدة في آن واحد. ما السبيل للخروج من هذه الورطة؟ أو على الأقل ما الذي يمكن أن يفعله الشاعر للحفاظ على القصيدة حية وسط المعاول التي تتربص بها من كل حدب وصوب؟ ٭ الشعر سيظل حيا ما بقي الإنسان حيا، يكثف من نعومة العالم، ويعيد الأمل إلى نفوس كستها غلالة اليأس والأسى والحزن، وإن عبرتنا سحب الأزمات والإكراهات، فإنها ستمطر لا ريب شعرا متدفقا سيظل شاهدا على عمق الإنسان و توقه إلى كل ما يعيد له إنسانيته المستلبة في ظل سطوة الآلة وغطرسة الزمن، وأكبر دليل ما قاله أبو تمام : ولو كان يفنى الشعر أفناهُ ما قرَت حياضُك منه في العصور الذواهب ولكنه صوبُ العقول إذا انجلت سحائبُ منه أعقبَت بسحائبَ.