إن غرفة الجنايات لدى استئنافية آسفي، تصرح علنيا حضوريا وابتدائيا، بمؤاخذة المتهم مصطفى من أجل جنايات الاختطاف، الاحتجاز، التعذيب والاغتصاب والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والسرقة الموصوفة بيد مسلحة واستهلاك المخدرات، والحكم عليه بثلاثين سنة سجنا نافذا وتحميله الصائر مجبرا في الأدنى، وأشعر المتهم أن له أجل عشرة أيام لطلب الاستئناف فما الذي حدث؟ في مواجهة الذئاب البشرية كان الصيف يعيش أيامه الأخيرة، عندما تزينت فاطمة وغادرت منزل عائلتها في اتجاه منزل إحدى زميلاتها لتمضية الوقت، خاصة وأن المدن الداخلية لاشيء يوحي بالحياة فيها خلال فصل الصيف اختارت فاطمة أن تمر عبر أقرب الطرق لحرارة الجو ذلك اليوم، وللاستمتاع بظل الأشجار الوارفة بحي بوكراع، إلا أن فاطمة اختفت عن الأنظار، دون أن تتوصل عائلتها إلى سبب أو مكان هذا الاختفاء التجأت العائلة طيلة الشهر الذي تلى اختفاءها، الى كل الأماكن التي من المحتمل أن تذهب إليها، إلا أنها جميعا باءت بالفشل رجال الأمن اخترقوا كل الأماكن المشتبه فيها دون جدوى فتم تقييد بحث لفائدة العائلة وأغلق ملفها وذات صباح، بينما كانت الفرق الأمنية بمفوضية الشرطة باليوسفية منشغلة في عملها الروتيني، توصلت قاعة المواصلات بإشعار يفيد بوجود جثة داخل منزل مهجور بحي بوكراع، ليتلقى بعدها مسؤولو الأمن إشارة التحرك إلى المكان المعلوم قصد إجراء المعاينات وفتح تحقيق في النازلة. وبوصولهم تمت معاينة جثة من جنس أنثى قد أصابها التحلل، وتظهر عليها آثار التعذيب بربط يدها اليمنى ولف عنقها وفمها بقطعة قماش وتجريدها من ملابسها. وبجانبها مجموعة من علب لصاق السلسيون. وبعد استكمال اجراءات المعاينة، تم نقل الجثة الى مستودع الأموات وفتح تحقيق في النازلة بداية، تم توجيه البحث الى محيط عائلتها، وعلاقاتها بالآخرين، إلا أن كل ذلك كان عبارة عن هدوء سبق «عاصفة البحث» عن المشتبه فيه في صفوف متعاطي شم اللصاق? وبعد إخضاع عدد كبير منهم للتحقيق، يتوصل في الأخير الفريق الأمني الى المشتبه فيه الأول الذي وضع رهن المراقبة قبل أن يتم اعتقاله ومواجهته بالقرائن التي تدينه من شم اللصاق الى إفتراس جسد بريء يتعلق الأمر بالشاب مصطفى الذي لم يتجاوز ربيعه العشرين بعد، إذ لم تسعفه ظروفه الاجتماعية في تخطي عتبة التعليم الابتدائي. قبل أن يمتهن عددا كبيرا من المهن الموسمية الى أن استقر في الأخير رأيه على ولوج عالم التجارة، حيث تعاطى إلى بيع السمك بالتقسيط! إلا أن ولوجه هذا العالم قاده مرات عدة الى تعاطي تدخين السجائر وشرب الخمر في ظروف ازدهار تجارة الأسماك إلا أنه في وقت الفراغ، يتعاطى إلى شم اللصاق «السلسيون» ومواد أخرى لها تأثير قوي على التصرفات الشخصية مصطفى نفى بداية علمه بهذه الجريمة قبل أن ينهار بتوالي أسئلة المحققين عليه، فأفاد أنه قبل حوالي شهر من تاريخ العثور على جثة الهالكة، كان قد التقى زميليه عبد العالي وأشرف قرب الديور الجداد بحي بوكراع قصد التوجه إلى مكان اعتادوا استهلاك المخدرات به. وما هي إلا لحظات حتى لاح ظل فاطمة، مما اعتبروه مكملا «لنشاطهم»، حيث حاول مصطفى بداية تحريضها على الفساد، إلا أنها امتنعت وحاولت التخلص من قبضته إلا أنهم تدخلوا في الوقت المناسب أمام امتناعها وأرغموها على مرافقتهم بالعنف إلى أن وصلوا الى منزل مهجور ضمن عدد من المنازل المهجورة بحي بوكراع، وهناك أدخولها إلى غرفة اعتادوا استهلاك المخدرات بها? وبعد أن لعب اللصاق برؤوسهم، مارسوا عليها الجنس رغما عنها عدة مرات، بعد أن جردوها من ملابسها وتكبيلها من يديها وتكميم فمها بقطع من القماش. ورغم استعطافها عدة مرات لهم، فإنهم كانوا مصرين على فعلهم هذا وبعد أن قضوا وطرهم منها. وأمام هول وفداحة الأفعال المقترفة في حق جسد بريء، اقترح مصطفى على باقي رفاقه الإجهاز عليها لمحو آثار الجريمة. وهو ما وافقوا عليه دون تردد، متعاونين فيما بينهم فبعد أن أسقطها مصطفى أرضا شد خناقها، فيما شل المسمى أشرف حركتها وأحكم عبد العالي قبضته على فمها حتى أزهقوا روحها. وأمام نشوة اللصاق التي كان يحسها مصطفى ونفاد ما كان بحوزته من مخدرات، فقد ظهرت له الحلي التي كانت تتزين بها الهالكة ولو على قلتها عبارة عن كنز كبير يتممون به انتصارهم الوهمي. إذ بعد أن استحوذ على سلسلة العنق واليد، حاول إخفاء هوية الضحية، إذ أخرج سكينا كان يحمله معه باستمرار وقام بتمزيق ما تبقى من ملابسها ليعمدوا بعد ذلك الى نقلها من مكان اغتيالها إلى غرفة أخرى. السلسلة والدملج أغريا تاجر المخدرات عبد الرزاق الذي قايضهما معهم بكمية من المخدرات، حيث استهلكها الثلاثة نفس اليوم. وبعد مرور يوم عن ارتكابهم هذا الفعل، عادوا لتفقد الجثة حيث وجدوها بمكانها الذي غادروه متفقين على كتمان السر. امام النيابة والتحقيق وبعد استكمال البحث التمهيدي، أحيل الملف على المدعي العام الذي استنطق المتهم مصطفى وأحاله على التحقيق لإجراء بحث في النازلة، حيث أمامه أفاد مصطفى ابتدائيا وتفصيليا أنه ذهب يوم الحادث الى الديور الجداد لتناول المخدرات، فانبعثت من المكان الذي حلوا به من أجل الاستهلاك رائحة كريهة. وبعد البحث داخل الغرف، عثروا على جثة من جنس أنثى. وقد أصابها التحلل ولونها أسود فأصيبوا بالذهول ولاذوا بالفرار. إذ اتفقوا جميعا على كتمان السر، وبعد استكمال البحث، أصدر قاضي التحقيق أمرا بمتابعة المتهم مصطفى من أجل الأفعال الجرمية الواردة أعلاه، والتي أحيل بموجبها على غرفة الجنايات النيابة العامة تؤكد خطورة الأفعال المرتكبة وأمامها حيث أحضر المتهم في حالة اعتقال مؤازرا بدفاعه، وبعد أن اعتبرت القضية جاهزة، تأكد الرئيس من هويته التي جاءت مطابقة لمحضر الضابطة القضائية وتلاوة الأمر بالإحالة أجاب مصطفى أنه يتعاطى استهلاك المخدرات التي هي عبارة عن لصاق «السيلسيون» وقد اعتاد تناولها رفقة زميليه بالأماكن المهجورة. وبتاريخ النازلة، ذهب الى الديور الجداد لاستهلاكها رفقة زميليه، فانبعثت منه رائحة كريهة ولما بحثوا في الغرف، تم العثور على جثة امرأة، عندها غادروا عين المكان موضحا بأن لا صلة له بالجريمة رئيس الهيئة واجهه بتصريحاته لدى الضابطة القضائية، فأنكرها، مؤكدا أنها تمت تحت وطأة التعذيب والإكراه وعن شهادة الشهود، أكد أن زميليه أشرف وعبد العالي هما اللذان أفضيا للضابطة القضائية بالتصريحات المضمنة بمحضر البحث التمهيدي، وأنه لا صلة له بالوقائع المذكورة. وعن إعادة تشخيصه الجريمة، أفاد أنه كان حاضرا فقط فتناول الكلمة ممثل الادعاء العام الذي تناول ظروف النازلة وملابساتها، مؤكدا الأمر بالإحالة، وملتمسا إنزال أقصى العقوبات المقررة في المتابعة لخطورة أفعال المتهم دفاعه، وبعد أن تناول الكلمة، اعتبر أن محاضر الضابطة القضائية مجرد بيان في القضايا الجنائية، وأن تصريحات موكله هي الحقيقة في أقصى تجلياتها، خاصة وأنه أنكر المنسوب إليه جملة وتفصيلا. والتمس تمتيعه بظروف التخفيف بخصوص استهلاك المخدرات وبراءته من الباقي أمام إنكاره وغياب وسائل الإثبات، واحتياطيا البراءة لفائدة الشك، واحتياطيا جدا تمتيعه بأوسع ما يمكن من ظروف التخفيف وبعد أن كان المتهم آخر من تكلم، انسحبت الهيئة للمداولة وعادت بعدها وهي متكونة من الأعضاء الذين ناقشوها وأصدرت القرار أعلاه.