تحت عنوان «فلاش باك»، يقدم الفنان التشكيلي بنيونس عميروش معرضا فرديا لجديد أعماله الموقعة بين سنتي 2003 و 2008 بالمعهد الفرنسي بمكناس في الفترة الممتدة بين14 و31 يناير 2009 . عمل الفنان عميروش خلال هذا المعرض الذي أثثه بإحدى وعشرين لوحة من الحجم الكبير والمتوسط، على توظيف طائفة من الوثائق المصورة التي انتقاها بالدقة التي تستجيب لأهدافه الجمالية عبر التجميع والكولاج والتدخل التشكيلي، مشددا على الإثارة الاستذكارية بحس تعبيري يخدم التواصل التفاعلي، بشكل يدعو المتلقي ومتذوقي الفن التشكيلي للتأمل والبحث والتعمق في عمله الفني الراهن. في هذا السياق، اعتبرالباحث الجمالي موليم العروسي أن المعرض «يعتبر فريدا من نوعه على الساحة التشكيلية المغربية، إذ لم يسبق لأي تشكيلي مغربي أن كانت له الجرأة للسير على هذا النحو. فهناك اختيار الموضوع، أي التركيز على الأثر والذاكرة، بمعنى امتلاك الجرأة على عرض ذاكرة شخصية، وهذا أمر مهم، لأنه يقتضي الانطلاقة في بحث داخل الذات والماضي، والأهم من ذلك هو القيام بهاته العملية بشكل معاصر إلى أبعد حد. فكما قد يلاحظ الجميع، فالصباغة تختفي في لوحاته لتفسح المجال لبروز العديد من العناصر النابعة من الواقع، وبالتالي فهو تبنى طريقة مباشرة في عرض الأمور. صحيح أنه يمكن ربط ذلك بالعديد من المذاهب التشكيلية المعروفة عالميا، لكننا ندرك جيدا أن خلف هذا العمل يختفي فنان مفكر، فنان يعي جيدا تاريخ الفن، والتوجهات الراهنة، وهو ما يجعلنا نستشعر مدى ارتياحه في عمله، رغم أننا نحس بين لحظة وأخرى نوعا من القلق الشديد والشك، وهذا مؤشر على مستقبل واعد، ونحن في انتظار استجلاء هذا المستقبل». في حين يرى الناقد الفني عبد الرحمان بنزيدان «إن المعرض ، بحق ، قفزة نوعية على مستوى تأثيث اللوحة بتركيبات جديدة وعلى مستوى إنطاق الذاكرة بمجموعة من المواضيع التي تتعلق بطفولة الفنان عميروش وبذاكرة المجتمع المغربي...» ، فكل لوحة من لوحاته المعروضة عالم خاص تم تركيبه بصور تنتمي إلى صور مختلفة منها أزمنة الصورة، أزمنة الأغلفة، أزمنة الأسطوانة، أزمنة الخط، أزمنة الوجوه الفنية، وكل هذه الأزمنة سارت منسجمة بإيقاعية خاصة في كل لوحة دون أن يهمل هذا الفنان انتماءها إلى الزمن المعاصر، وهي المعاصرة التي دعمها بالنصوص المكتوبة الناطقة بأمكنة هي موضوع اللوحة، رغم أن اللوحة لا تبوح بموضوعها مثل «لبنان» «الحرب» «السلم» «المرأة» «الطفولة» «الجسد» «الخجل» «العري» «التخفي» و«الظهور». كل لوحات الفنان ألوان زاهية شفافة ظاهرة،كل مافيها ينطق بشفافيته وبوضوحه الدلالي، وهو وضوح لا يمكن أن يكون إلا إنجازا يعتمد على ثقافة هذا الرسام الذي استطاع أن يجمِّع ثقافته وخبرته واطلاعه على تجربة الفن التشكيلي الجديد ليؤسس منظورا جديدا أثناء التعامل مع اللوحة، والتعامل مع مفرداتها باللون، والتعامل مع أشكالها بالتشكيل ،وهي الميزة التي أعطت للفنان التشكيلي عميروش قدرة على إنطاق صمته خلال السنوات السابقة ليجعل هذا المعرض ذاكرة فنية فيها آثار وخطوات للذاكرة».. القاص والباحث أحمد لطف الله - بدوره أشار الى ذلك «الحنين» الذي منح هذا الأفق مساحات هائلة من التأمل، عبر أسانيد ماضوية: صور فوتوغرافية منجزة بالأبيض والأسود، أسطوانات، وثائق مصورة، مسودات، مطبوعات، أغلفة وغيرها من الأسانيد التي يعتمد الفنان في صوغها على تقنية الكولاج، هذه المحفّزات الفنية جعلت مقدرة الفنان عميروش ترتبط بالرغبة في تحديثها ومنحها زمنا جديدا. لكن عندما تطل علينا من وراء سلاسة اللمسات اللونية ملامح وجوه الأغنية الفرنسية الكلاسيكية ، فإننا نكتشف أن الفنان يريد أن يمزج - على حد تعبير الشاعر إليوت - الذكرى بالرغبة.إنه التوق إلى الصورة القديمة والرغبة في تحويل حِقبها الإبداعية. إن هذا المعرض ، بتصريح الناقد فني يوجيل حماد ، انتقال من توجه معروف لدى الفنانين عموما فيما يخص الفنانين ببعض الاتجاهات الفنية،إذ يدخل الى عالم المندهش أو الجديد الطلائعي النابع من الأصيل القديم الذي يوظف فيه الصيحات الفنية التي سادت خلال الستينات وخصوصا على المستوى الإيقاعي بأسلوب تشكيلي متمثلا في الفرق الموسيقية التي سادت الستينات ، سواء في بدايتها أو نهايتها مثلا البيتلز وغيرها من الصيحات، موظفا في رؤياه الأسلوب الإلصاقي مع الإدماج الذاتي ،اللوني والخطي، و بذلك استطاع الفنان أن يأتينا بالجديد من رحم القديم . وعلى المستوى التشكيلي نلاحظ التقنية المتمكنة منها من طرف الفنان لمستويي اللون والشكل حيث تتجلى استقلالية بعض الألوان مثل الأحمر والأزرق والأصفر بوصفها ألوانا أساسية ولكن في تناغم تشكيلي ياخذ بلب الرائي والمتذوق.