بعد أن صدرت مقررات اللجنة السباعية بنيروبي 2 التابعة لمنظمة الوحدة الافريقية حول اجراء استفتاء في الصحراء المغربية سنة 1981، عبر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن تحفظاته وتخوفاته حول مستقبل الوحدة الترابية للمغرب. وقد أكد بلاغ المكتب السياسي للاتحاد، أنه فيما يخص السيادة الترابية ينبغي العودة الى الأمة عن طريق الاستفتاء. على إثر هذا البلاغ، تم يوم 9 شتنبر 1981، اعتقال القيادة الحزبية وعلى رأسها الكاتب الأول للحزب الفقيد عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله، وقد خلف اعتقال عبد الرحيم بوعبيد استياء واسعا داخل المغرب وخارجه، ماعدا جرائد الائتلاف الحكومي آنذاك، التي قالت عنها جريدة «أنوال» في تغطيتها لمحاكمة القائد الاتحادي الكبير، أنها خرجت «مزينة» بافتتاحيات موحدة تهاجم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتعزف كعادتها معزوفة «الإخلال بالأمن العام» وتخريب الجبهة الداخلية والارتباط بقوى خارجية. وتزعمت الحملة الاذاعة والتلفزة، في حين لايملك الاتحاد آنذاك أية وسيلة اعلامية للتعبير عن رأيه ومواقفه، حيث كانت جريدتا المحرر و ليبراسيون قد تعرضتا للمنع بعد أحداث 20 يونيو 1981 . في الحادي عشر من شهر شتنبر 1981، مثل الإخوة المعتقلون أمام المحكمة، وكانت بالفعل محاكمة مشهودة، في ختامها أدلى المناضل الديمقراطي التقدمي بهذا التصريح الذي نقدمه اليوم للقراء، بمناسبة ذكرى وفاته. «سيدي الرئيس، كنت أود بصفتي متهما أن تكون كلمتي الأخيرة كلمة وجيزة، لكن مرافعة السيد ممثل النيابة العامة أمس جعلتنا نتساءل: ما المراد بهذه المتابعة؟ الى حد الساعة لاندري، وليست لدينا عناصر موضوعية واضحة وثابتة تقول إن المتابعة ترتكز على النقطة الفلانية أو الجواب الفلاني أو الجملة الفلانية، التي من شأنها أن تمس بالأمن العام. وقد تفضلتم فسألتموني أمس عن بعض الجمل أو مجموع التصريح الذي نشره حزبنا في قضية مصيرية، هي قضية وحدتنا الترابية، هل هذا التصريح من شأنه أن يخلق البلبلة أو يخلق اضطرابا في الرأي العام: فأجبت: المغاربة بأجمعهم، ملكا وشعبا ومنظمات، أقسمنا اليمين جميعا أن نقوم بمهمتنا التاريخية، وهي الدفاع عن وحدتنا الترابية، منذ انطلق العزم المؤكد لدى الجميع لخوض معركة الوحدة الترابية في المغرب. إذن المقصود وهو ظاهر من تصريحنا هو إبداء المخاوف والمخاطر التي قد تهدد وحدتنا الترابية، إذا ما سمح للادارة النيابية أن تمارس السلطات التي خولت لها، وأقول إذا ما سمح، لذلك فتصريحنا هو اسهام في التوعية، هو انذار في ميدان التطبيق. تصريحنا يرمي الى لفت النظر الى بعض الجوانب التي تبدو خفية ولكنها ستصبح في المستقبل معطيات موجودة، وربما سيفوتنا الوقت، أو سنمر من مسلسل جديد وفي صراع جديد مع هذه الادارة النيابية التي خولت لها كامل السلطات. لقد اطلعني الدفاع اليوم عن بلاغ شبه رسمي صدر في الصحف المغربية، وكأنه تناول الرد على بعض ملاحظاتنا، إذن إذا كانت هناك فائدة من تصريح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فهي أنه أثار الانتباه الى عدة جوانب، وأصبحت هذه الجوانب موضع تبادل الرأي، موضع دراسة أدق، موضع جدال، موضع تبصر بالنسبة للمستقبل، فكيف إذن والحالة هذه يمكن أن يقال أن تصريحنا من شأنه أن يمس بالأمن العام ويخلق اضطرابا وبلبلة. نحن ليس من مهامنا أن ندافع عن مقررات نيروبي، والتي هي ليست مقررات ولكن توصية، فهي ليست من المقدسات كما قدمتها النيابة العامة، تصريح نيروبي صدر عن هيأة، وغدا إذا قبل ذلك سيضع أجهزة ادارية ونيابية لها سلطات واختصاصات تفوق السلطات والاختصاصات المنوطة بهيأة تريد أن تراقب، وترى هل الأشياء تمر بكيفية حرة ونزيهة وديمقراطية. نحن نقول إن خصوم المغرب يتوقعون أن تصبح السلطة الجديدة النيابية تحل محل السلطة المغربية الشرعية، لذلك من حقنا كمنظمة سياسية، كما من حق كل منظمة سياسية أخرى، أن تقول رأيها، ولكن باعتبار أن مصير المغرب لايزال مهددا، وأن خصوم المغرب لهم مخطط يتبعونه خطوة خطوة، فإذا ما حصلوا على تنازل من طرف المغرب سعوا الى تنازلات أخرى، وذلك ما ننبه إليه، ولانقول أن المغرب سيتبع هذا الطريق، ولكن واجبنا أن نقوله ونصرح به وننبه الى هذه المخاطر، وتنبيهنا الى هذه المخاطر هو في الحقيقة دعم وسند لكل من يريد في هذه البلاد الحفاظ على وحدتنا الترابية. إذن هذه المحاكمة، كما قال السيد النقيب الصديقي، نيابة عن كافة الأساتذة الذين جاؤوا من جميع أنحاء المغرب ليساندونا هي محاكمة من أجل رأي، رأي في الموضوع، رأي في مقرر أجنبي علينا، في رأي يتعلق لا باتفاقية دولية- كما قال السيد ممثل النيابة العامة- فليست هذه اتفاقية دولية، وإنما هي توصية صدرت عن منظمة الوحدة الافريقية، الخلط بين هذا وذاك غلط وغلط فظيع. لذلك وكأننا نقول للمسؤولين: انتبهوا! فإذا كانوا على بصيرة من كل الأشياء، فتصريحنا لايمكن أن يسير إلا في طريق هذا التبصر للحفاظ على وحدتنا الترابية، وإذا وقع إغفال لجانب من الجوانب نكون قد عملنا على الأقل ألا نغفل ذلك الجانب، يقول البعض، خصوم الاتحاد الاشتراكي، أن هذه المحاكمة هي محاكمة أشخاص في منظمة سياسية وليست محاكمة لهذه المنظمة. اسمحوا لي سيدي الرئيس، وأنتم تدركون ذلك كيف يمكن أن نفرق بين المسؤولين في المنظمة وبين المنظمة بأكملها، وهذا يعني في الحقيقة أن خصومنا يهدفون الى أن تتخذ القرارات ضد منظمتنا كمنظمة لأنها تقلق راحتهم، ولأن عملنا الدؤوب يقض مضاجعهم، فالديمقراطية التي يتكلمون عنها يريدون منها أن تبقى ملكا لهم ولهم فقط، لا للذين يختلفون عنهم في الرأي والعمل والرؤية البعيدة والقصيرة، وما الغد ببعيد! وسنرى إن كان ما صرحنا به في بياننا المتعلق بوحدتنا الترابية وقرارات نيروبي الثانية صحيحا. ستبدي لنا الأيام على أن المسؤولين في المغرب سيستفيدون من هذا التصريح التاريخي وسيعملون ونحن نقول هذا بحسن نية على اجتناب الاعوجاج، اجتناب مسلسل قد يؤدي الى عكس ما نرمي إليه، وما الغد ببعيد، وسيرى الجميع، سيرى الشعب المغربي بأجمعه والرأي العام والخاص أن تخوفاتنا في محلها، لأنه على أية حال وكيفما كانت الظروف ستكون هذه الادارة النيابية وستصبح بين المغرب والادارة النيابية أو الجهاز السياسي مناقشات دقيقة حول الاختصاصات وحجمها ودور الجهاز الشرعي المغربي والاداري والعسكري في مناطقنا الصحراوية. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن الأطروحة الجديدة التي أتت بها النيابة العامة تضعنا أمام وضعية جديدة. إن أطروحتنا تعني تكييفا جديدا في آخر ساعة للمتابعة، وقد كان هناك تكييف أول يرتكز على ظهير 35 وعلى الفصل 188 من القانون الجنائي، وبعد أن تبين أن هذا التكييف مرتجل وتنازلت النيابة عن الفصل 188، جاءت بأطروحة ثالثة تريد أن تجعل مقدسات بلادنا موضع النقاش والتداول والبحث عن النوايا الخفية، والدفاع في استطاعته أن يتساءل عن النوايا الخفية للنيابة العامة. إن ما قامت به النيابة العامة يجعلها تغير تكييفها مرتين، وما دامت النيابة قد تقدمت بتكييف جديد لم يطرح حوله أي سؤال، فأعتقد أن هذه الأطروحة لايمكن إلا أن يلقى بها في سلة المهملات لأنها مخالفة للقانون وللأخلاق وأنها استفزازية وانتهازية، لكن في رأي الدفاع إذا أرادت المحكمة أن تأخذ ولو جانبا من جوانب هذه الأطروحة التي جاءت كأنها كانت مكتوبة منذ بداية المحاكمة، لابد لها أن تفتح الملف من جديد حول موضوع المتابعة، ونحن على استعداد لأن نجيب عن أي موضوع، كما أجبنا عن المتابعة الأولى، ونحن في الاتحاد الاشتراكي نقول ما يمكن أن نفعل ونفعل ما نقول. إن ما جاء في مرافعة النيابة العامة وما جاء في بعض الصحف هذا الصباح غريب، لايمكن أن يكون من قبل الصدفة، وهو أن دور ادارتنا سيكون دور اشراف وهذا قول خاطئ، لأن مقررات نيروبي جاء فيها أن اللجنة يمكن أن تطلب المساعدة من الادارة المحلية، فما هي هذه المساعدة؟ من واجبنا أن نؤكد أن مساهمة الجهاز المغربي حسب مقررات نيروبي الثانية مساهمة ثانوية لتذليل بعض الصعوبات المادية، تقديم مقاعد، آلة كاتبة وأشياء أخرى، أما تقرير مصير الصحراء المغربية كما يقول المقرر فإن لجنة المتابعة هي التي ستقوم بكل شيء، وستكون معززة بقوات من أمن وجهاز اداري كاف يأتي من افريقيا والأممالمتحدة، جهاز فوق الجهاز المغربي الشرعي. ولقد تكلمت أمس عن وجودنا الشرعي بمقتضى اتفاقية مدريد، وهو وجود مرتكز على اتفاقية دولية معترف بها ومسجلة في الأممالمتحدة، فلسنا ادارة أجنبية أو ادارة الأمر الواقع، إن الشرعية تقتضي أن تكون لنا الكلمة في وضع القوائم والسهر على عملية الاقتراع وعلى من سيشاركون في هذه العملية والسهر على اعلان النتائج. قلت للشرطة القضائية عندما سألوني، واذا تبين أن تخوفاتكم من هذه المخاطر ليست في محلها، وتبين أن المغرب أكد بهذه المسطرة وحدته الترابية؟ قلت لهم: إني أشك في ذلك، ومن حقي أن أشك فيه، ولكن إذا كانت النتيجة هي التي تقولون، فسنكون أول من يبارك هذه النتيجة التي ستجعل حدا نهائيا للمناورات وللحرب القائمة بيننا وبين خصومنا عسكريا وديبلوماسيا، إننا أكدنا ذلك لنعرب عن نوايانا ولنعرب عن أن إسهامنا في معركة الوحدة الترابية، هو اسهام نريده أن يكون متبصرا، واعيا يبث الوعي لا البلبلة، وأن شعبا واعيا بمصيره وبالمخاطر التي تحيط به هو أقوى من شعب يمكن أن تنطلي عليه الحيل. لذلك عندما تناولت الرد ولو في بعض الجزئيات على السيد وكيل الملك بالنسبة للأطروحة التي قدمها أمس، وتكلم عن خطاب جلالة الملك أو خطبه، فإنه لم يتكلم عن كل الوثائق التي أدلى بها صاحب الجلالة، وكان من اللازم أن يأتي بها، ولكني أقول ما جاء في الآية الكريمة: «قال أو لم تؤمن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي» هذه هي الديمقراطية، وهذه هي الشورى وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمصير أمة بأجمعها، أما مطالبة النيابة العامة بالإدانة وتحديد العقوبات في حدها الأقصى مع رفض ظروف التخفيف، فيمكن أن نقول لممثل النيابة العامة، إننا لسنا في حاجة الى ظروف التخفيف، ونحن نتبرع بها عليه، لأننا أبرياء، وفي النهاية، هذه محاكمة سيكون لها تاريخ، فأنتم لكم الأمر، ونحن نقول «ربي السجن أحب إلي من أن التزم الصمت ولا أقول رأيي في قضية مصيرية وطنية ومقدسة»