برلمانيو "الدستوري" و"الحركة" و"الأحرار" الأكثر تغيبا "بدون عذر" خلال جلستين... و30 برلمانيا تغيبوا مرتين    السعدي: حكومة أخنوش تمتلك المشروعية الانتخابية من حصولها على تفويض من 5 ملايين مغربي    سانشيز يشكر المغرب على جهود الإغاثة    مجلس النواب يصادق بأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2025    الركراكي يكشف تشكيلة الأسود لمواجهة الغابون    زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية بعدد من أقاليم المملكة    جائزة المغرب للشباب.. احتفاء بالإبداع والابتكار لبناء مستقبل مشرق (صور)    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    الصحراوي يغادر معسكر المنتخب…والركراكي يواجه التحدي بقائمة غير مكتملة    استقالة وزيرة هولندية من أصول مغربية بسبب "تصريحات عنصرية" صدرت داخل اجتماع لمجلس الوزراء    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت" (فيديو)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة :جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب: زخات مطرية وتياقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية محليا قوية اليوم وغدا بعدد من الأقاليم        حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    حماس "مستعدة" للتوصل لوقف لإطلاق النار    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق        الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: كنا دائما في الاتحاد ضد سياسة الحسن الثاني الداعمة للأنظمة الديكتاتورية في إفريقيا
مبعوث للملك طلب مني لقاء زعيم «الأونيتا» في الزايير لكني رفضت لقاءه انسجاما مع موقف الحزب
نشر في المساء يوم 28 - 08 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- لنتحدث عن المواجهة التي كانت بين الكونفدرالية والسلطة?
كانت المواجهة الأولى بين الكونفدرالية والسلطة في أبريل 1979 إثر قرار الإضراب التي دعت إليه نقابتا الصحة والتعليم. وقد واجهت السلطة الإضراب مواجهة شرسة، حيث تجاوز حجم الطرد ال3 آلاف موظف من قطاعات الصحة والتعليم والبريد والتجارة والصناعة. ونظمت الكونفدرالية حملة تضامن مع المطرودين. ولأول مرة، ساهم الاتحاد ومناضلوه مساهمة واسعة في هذه الحملة جعلت المركزية النقابية تضمن جزءا من الأجور للمطرودين لعدة شهور. كانت هذه هي المعركة الأولى الكبيرة التي خاضتها النقابة وواجهت فيها تصرفا قمعيا للحكومة، فقد كان يمكن لهذه الأخيرة أن ترفض مطالب للعمال دون أن تطردهم من وظائفهم، ولو تعلق الأمر باقتطاع لكان الأمر أهون على المضربين، أما أن يخسر العامل أو الموظف راتبه ومصدر رزقه ويصبح عاطلا فذلك عقاب غير قانوني وغير عادل.
وفي خضم هذا الوضع الاجتماعي، طرحت أزمة التعليم، فقد كانت البلاد تشهد حركات احتجاجية واسعة وإضرابات لرجال التعليم والطلبة والتلاميذ احتجاجا على أسلوب تدبير عز الدين العراقي، الوزير المسؤول، مما حدا بالحسن الثاني سنة 1980 إلى أخذ مبادرة الدعوة إلى مناظرة وطنية، حيث أعلن عن تنظيم «ندوة إيفران» حول التعليم والتي شارك فيها خبراء رجال التعليم وممثلو النقابات التعليمية ومسؤولو الأحزاب الوطنية والطلبة، وحضرها كل من عبد الرحيم بوعبيد عن الاتحاد الاشتراكي ومحمد الخصاصي رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سابقا. وقد كان الحوار عميقا وأدى إلى اتخاذ كثير من القرارات الإيجابية في وقتها، لكن الوضع الاقتصادي والمالي كان وضعا سيئا، مما أدى إلى تعثر جل الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها.
وكان من شأن هذه المعارك السياسية والاجتماعية والنقابية أن أعادت إلى الحزب دوره المجتمعي، وإلى أطره تفاعلهم مع المواطنين وقضاياهم، ليصبح الاتحاد، فعلا، مرجعية نضالية تقدمية. وفي الوقت نفسه، ساهمت هذه المعارك في إعادة الديناميكية الداخلية للحزب وفي تفعيل كل هياكله.
وخلال هذه المرحلة، عرف الحزب توترا داخليا بسبب موقفه من تدخل القوات المغربية في الزائير ومن اتفاقية كامب ديفيد، فقد كان لنا دائما موقف مبدئي يتجسد في أن التدخل في إفريقيا من قبل قوات مسلحة أجنبية يجب أن يسير في اتجاه تحصين استقلال الدول الإفريقية والتضامن معها. وهذا، للأسف، لم يحصل مع الكونغو/الزائير، إذ كانت هناك تجربة سابقة مع باتريس لومومبا، وحينها كان المغرب قد أرسل تجريدة من جيشه إلى هناك، لكن المسؤولين عن الجيش المغربي هناك تواطؤوا، للأسف، مع بلجيكا، أي الدولة المستعمرة السابقة، ومع العناصر الرجعية خصوصا تشومبي، ليتم اغتيال باتريس لومومبا في حين أنه سبق أن حل ضيفا على محمد الخامس، فقد كان المغرب مبدئيا يدعم باتريس لومومبا في مساره من أجل ضمان استقلال الكونغو، كما كان يدعم كل حركات التحرير في الأقطار الإفريقية الأخرى والدول الإفريقية حديثة الاستقلال.. كان الاتحاد على خلاف تام مع الحكم المغربي في ما يتعلق بالتدخل لصالح الرجعية والاستعمار في زائير وكان يرفض دعم منظمة «الأونيتا» لسامبي في أنغولا، وقد حدث مرة أن طلب مني مبعوث للملك أن التقي سامبي الذي كانت رهن إشارته شقة في حي أكدال، فرفضت أن أقابله في انسجام مع موقف الاتحاد الذي لم يتفق أبدا على دعم الشكل الذي كان ينهجه الحسن الثاني في سياسته الخارجية بإفريقيا، كما لم يتفق على عمليات أخرى في الدول الإفريقية كان الحكم المغربي قد دعم فيها الأنظمة الديكتاتورية.
هذا الخلاف مع الحكم المغربي حول العلاقات مع الأنظمة الديكتاتورية الإفريقية أو الأنظمة المرتبطة بالاستعمار استمر حتى حلت حكومة التناوب، إذ أصبح المغرب لا يتدخل إلا تحت مظلة الأمم المتحدة من أجل حفظ السلام في كثير من الدول كما هو الحال في الكونغو وكوسوفو وساحل العاج، أو من أجل الدعم الإنساني.
أما بالنسبة إلى اتفاق «كامب ديفيد»، فقد عرفت صفوف الحزب نقاشا ساخنا وقويا منذ أن أعلن أنور السادات زيارته للقدس، خصوصا حين اتفق على خوض المفاوضات التي كانت تجري في مينهاوس على أساس مشاركة الفلسطينيين وبقية العرب المحتلة أراضيهم في هذه المفاوضات.
وإذا كان الاتحاد، ومعه الرأي العام المغربي، قد استنكر زيارة السادات للقدس ومبادرته، فإنه حين وصلت الأمور إلى المفاوضات كان لدينا رأي غالب في المكتب السياسي وهو أن على الفلسطينيين أن يشاركوا في هذه المفاوضات. ولو أن المشاركة تمت آنذاك فلربما لم تكن الأوضاع في فلسطين والشرق العربي لتصل إلى ما وصلت إليه فيما بعد.
وكان الحزب قد أعلن موقفه هذا من خلال افتتاحية الجريدة التي حملت عنوان «الخطأ لا يصلحه الخطأ»، أي أن خطأ زيارة أنور السادات للقدس يجب ألا يرد عليه بخطأ مقاطعة مصر وإبعاد الفلسطينيين عن مفاوضات تعنيهم.
- الحزب أيد العراق في الحرب العراقية الإيرانية رغم أن قاعدته كانت متعاطفة مع الثورة الإيرانية..
في الواقع، ما حصل هو أن الرأي العام المغربي كان منجذبا إلى الثورة الإيرانية. كنت في ذلك الوقت مديرا للجريدة، فأرسلت محمد بن يحيى إلى مقر إقامة الخميني في فرنسا وأجرى مقابلات مع مساعديه، فقد كانت الجريدة تتابع الثورة الإيرانية بشكل تفصيلي، وكنت أرى شخصيا أن الإطاحة بنظام الشاه ستكون عملا إيجابيا في حد ذاته على اعتبار أن ذلك النظام كان حليفا للإمبريالية وإسرائيل. وكنت أعتقد أن الإطاحة به ستفتح آفاقا جديدة للعلاقات بين إيران والعرب، خاصة وأن شاه إيران كانت له سياسات معادية للعرب، فقد كانت خطته تروم الهيمنة على منطقة الخليج، غير أن تلك التطلعات اصطدمت بمقاومة عربية، بما فيها أنظمة استبدادية ورجعية كانت ترى في سياسات الشاه خطرا على شعوبها. وفي المقابل، كانت إيران الشاه بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة جهوية يجب أن تسيطر على المنطقة، حيث كانت تمثل القوة العسكرية الرابعة في العالم آنذاك، لكنها ستفاجأ بالثورة الإيرانية التي كانت موجهة إلى سياستها الداخلية. وكانت صدمة كبيرة لنا أن تقول إيران بولاية الفقيه، أي أن هناك سلطة مطلقة لشخص ينوب عن الإمام الغائب، وبالتالي فليست له أية حدود من حيث السلطة التي يتمتع بها إلى جانب كونه متحررا من أية رقابة ديمقراطية. وهكذا أصبحت إيران، التي كانت تعيش تحت ديكتاتورية الشاه، خاضعة لديكتاتورية الفقيه الذي يعيش تحت مظلة إلهية. داخليا أيضا، استبعد الفقهاء رجال السلطة الإيرانية الجديدة وطاردوا كل العناصر التقدمية التي ناضلت معهم، وربما قبلهم، ضد نظام الشاه، خاصة تلك المنتمية إلى جماعة فدائيي خلق وجماعة بازركان وحزب تودة وغيرها، وهي عناصر لعبت دورا أساسيا في إسقاط نظام الشاه ليستفرد آيات الله بعدها بالحكم. وقد دفع هؤلاء باتجاه أن يقوم مشروع هيمنة إيرانية جديدة على المنطقة العربية بالرغم من تعاطف الشعوب العربية معهم.
ولذلك فرغم كل ما يلاحظ على الحرب العراقية الإيرانية المدمرة، فإن الرئيس صدام حسين يحسب له أنه أوقف وأفشل مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية.
- ما الذي يمكنك قوله عن أزمة «المحرر» وعرس القرن المتعلق بزفاف ابن الشيخ زايد؟
بالنسبة إلى ميدان الإعلام، كان هناك استمرار للتوتر مع السلطة. وأشير إلى أنه كان في «المحرر» كاريكاتوريست مشهور هو المهادي الذي كان لرسوماته البليغة تأثير كبير على الرأي العام. وقد حدث يوما أن بعث إلي الحسن الثاني بإدريس البصري لمناقشتي في ما ينشر على صفحات الجريدة من كاريكاتير، فحاولت أن أشرح له أهمية الكاريكاتير بالنسبة إلى الصحافة والرأي العام من خلال تقديم موجز تاريخي منذ القرن السادس عشر عن هذا الفن الصحفي الذي يجعل الإنسان يعبر عن سخطه بكيفية حضارية، من شأنها إبعاد العنف من المجتمع وما بين الحاكمين والمحكومين، وقلت له: أنظر إلى ديغول وحضوره دائما بأنفه الكبير في رسوم الكاريكاتيريست الفرنسيين. فقال لي: «سير أنت وقول للحسن الثاني هذا الشي»، ما هو مطلوب هو أن تكف «المحرر» عن نشر الرسومات. لكنني رفضت ذلك، فتم في النهاية اعتقال المهادي ووضعه 30 يوما في سجن سري.. وعذب خلال فترة اعتقاله عذابا فظيعا، وحينما أفرج عنه امتنع نهائيا عن رسم الكاريكاتير.
في هذه الأجواء المتوترة بين إعلام الاتحاد والسلطة، جاءت أزمة عرس القرن أو ما نشرته «المحرر» حول حفل زفاف ابن الشيخ زايد بن سلطان، رئيس دولة الإمارات. وقد كان ذلك العرس حدثا مثيرا، فصرف كل تلك الأموال على زفاف كان بالنسبة إلينا شيئا غير طبيعي. والنتيجة كانت أن غضب الحسن الثاني غضبا كبيرا وأراد متابعة الجريدة. لكن الشيخ زايد بن سلطان امتنع عن مسايرة الحسن الثاني في هذه المتابعة، كما أخبرني بذلك أحد مبعوثيه. وبعد ذلك، حاول الحسن الثاني استصدار قانون من البرلمان يمنع بموجبه الجمع بين منصب مدير صحيفة ونائب في البرلمان، على اعتبار ذلك الجمع بين المنصبين يخلق حالة من التنافي لأن البرلماني له حصانة، لكنه لم يذهب بهذا الأمر بعيدا ولم يطرحه في النهاية عمليا على البرلمان.
- كان التوتر يطبع أيضا في الجامعات..
نعم، كانت هناك توترات اجتماعية في الجامعات وأيضا بين السلطة والحركة العمالية. فبالنسبة إلى الطلبة، حصل منع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1973. ومنذ ذلك الحين، بقي رفع الحظر عن الاتحاد مطلبا ثابتا لنا إلى أن تمت الاستجابة له بالفعل، فتعبأ الشباب الاتحاديون لإعادة الحياة إلى تلك المنظمة الطلابية. وكان المؤتمر الخامس عشر ثم المؤتمر السادس عشر مؤتمرين ناجحين، لكن الجامعات ستعرف مواجهات عنيفة داخلها بسبب رفض المسؤولين تلبية مطالب مشروعة ومعقولة للطلبة، وستؤدي النزعات الأولى للعدمية، التي ظهرت في الجامعة آنذاك، إلى تنظيم المؤتمر السابع عشر في غشت 1981 الذي انسحب منه الطلبة الاتحاديون. وقد جاء هذا الانسحاب نتيجة تحليل دقيق، حيث كانت هناك حملة شرسة في قواعد الطلبة على الطلبة الاتحاديين، علما بأنه في أدبيات اليسار بصفة عامة، اليسارُ لا ينسحب من منظمات جماهيرية والحزب التقدمي لا يخرج من منظمات جماهيرية. وقلنا حينذاك إن تصرف العدميين يشكل خطوطا حمراء، يجب أن نتصرف حسبها. فإذا كانت هناك إرادة لتصحيح مسار الاتحاد الوطني وإعطاء المنظمة دفعة أقوى وتنظيما أمتن، فلنترك المجال لهؤلاء الذين ينتقدون الطلبة الاتحاديين لتسيير هذه المنظمة الطلابية، ولينزل الاتحاديون إلى المعارضة. غير أن العدميين لم يكونوا مستعدين لتحمل مسؤولية قيادة المنظمة، وكانت النتيجة أن توقف المؤتمر وتقرر إعداد مؤتمر ثان في أجل قريب. لكن هذا المؤتمر لم يعقد إلى الآن.
وقد جاء انسحاب الطلبة الاتحاديين لأن أغلبية المؤتمرين عبرت عن عدم ثقتها في الاتحاديين بقساوة وحدة، ومعنى ذلك أنهم يريدون أن يبقى الاتحاديون على رأس المنظمة لكن دون دعم في القاعدة، على أن يأتي التوجيه من التيارات العدمية، وهكذا أريد للاتحاديين أن يكونوا مجرد واجهة لحركة أخرى داخل الاتحاد الوطني. لكن الاتحاديين سيطرحون على الآخرين أن يتحملوا مسؤولياتهم ويسيروا بالمنظمة وفق توجهاتهم ورؤيتهم على أساس أنها هي الأصوب والأنضج والأكثر ثورية، ولم يقبلوا (الاتحاديون) البقاء في الجهاز التنفيذي، معزولين عن القواعد الطلابية، ومحاربين من طرف العدميين، منفذين في النهاية لمخططاتهم.
- التوتر الاجتماعي كان ممهدا لإضرابات 20 يونيو 1981..
ما جرى في يونيو 1981 كان نتيجة صدور قرار برفع أسعار الدقيق والسكر والزبدة والزيت والحليب، وهو ما خلق سخطا كبيرا في البلاد، شمالا وجنوبا, شرقا وغربا. وعرف البرلمان نقاشات صاخبة حول هذا الموضوع ومواجهة عنيفة داخله بين فريقنا النيابي ووزير الداخلية. وقررت المركزية النقابية (الكونفدرالية) إثر ذلك خوض إضراب عام من أجل الضغط في اتجاه حمل المسؤولين على التراجع عن هذه القرارات، وساندتها في ذلك النقابة الوطنية للتجار والحرفيين.. كانت الأمور تسير بكيفية عادية وطبيعية.
وفي يوم 20 يونيو، أغلقت كل المتاجر في الدار البيضاء وتوقفت حركة السير وتوقف العمل في المؤسسات والمعامل الصناعية، لكن عوض اعتراف الإدارة بنجاح الإضراب، والذي كان لتسهيل الأمر على الحكومة وفرصة لتراجعها عن قرارها، جاءت الأخيرة بسائقين للحافلات من خارج مؤسسات النقل ليجوبوا المدينة طولا وعرضا دون طلب حتى الأداء من الركاب، وقامت السلطة بمحاولة لفتح المتاجر بالقوة، الأمر الذي أدى إلى نشوب مظاهرات احتجاجية عنيفة، لكن الأعنف منها كان هو القمع الذي ووجهت به والذي أدى إلى سقوط عشرات الضحايا، الذين أعلنت السلطة فيما بعد أن عددهم لم يتجاوز 65 شخصا فيما الواقع يؤكد أن العدد كان أكبر من ذلك بكثير، حيث تراوح بين 600 وألف ضحية، وضع بعضهم فوق بعض في مخافر الشرطة، وسيكشف تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة فيما بعد بعض المقابر الجماعية، وليس كلها، التي دفن فيها أولئك الضحايا.
وبالإضافة إلى قمع التظاهرات والاحتجاجات الشعبية والاعتقالات الواسعة في صفوف المناضلين الاتحاديين والكونفدراليين، كان من القرارات التي اتخذتها السلطة آنذاك اعتقال رئيس تحرير «المحرر» مصطفى القرشاوي وتوقيف صحيفتي الحزب («المحرر» و«ليبراسيون»). وكان المنع على أساس محضر للشرطة أبلغت به فرفضت التوقيع عليه، وأكدت أن هناك قانونا للصحافة ينص على أنه يمكن للوزير الأول، بمرسوم معلل، أن يمنع الجريدة أو يوقفها، فقالوا لي: غدا سترى المرسوم على أرض الواقع. وذلك ما كان بالفعل، ففي اليوم التالي جاءت الشرطة إلى المطبعة ومنعت طبع الصحيفتين وأي مطبوع آخر، بل منعت العاملين من ولوج المطبعة، وهو الوضع الذي سيستمر حتى مارس 1983.
- الحكومة تراجعت عن نصف الزيادة لكن الكونفدرالية رفضت وأصرت على إلغاء كل الزيادة، ويوم الإضراب اختير ليتناسب مع عيد ميلاد الأمير مولاي رشيد..
لم يكن ذلك واردا، اختيار 20 يونيو جاء متزامنا مع دعوة الاتحاد المغربي للشغل إلى الإضراب يوم 18 يونيو وصادف ذكرى استشهاد الزرقطوني. وبالفعل صدرت الجريدة بافتتاحية تذكر فيها استشهاد الزرقطوني.
الإضراب جاء أيضا على أبواب قمة نيروبي الإفريقية التي قبل خلالها الملك إجراء الاستفتاء بالصحراء، واعتبر الإضراب تشويشا على المعركة الوطنية وقال: لا معارك أخرى إلى جانب المعركة الوطنية.
العمال إذن لم يختاروا موعد الإضراب، بل الحكومة هي من اختارته باتخاذها قرار الزيادة في أسعار المواد الغذائية، فلو كانت الحكومة تدرك أن هناك معركة وطنية البلاد مقبلة عليها في نايروبي لتجنبت الدخول في مواجهة مع العمال المضربين. أين هو المنطق في ما أقدمت عليه؟ فالسؤال الحقيقي إذن هو: لماذا قررت الحكومة الزيادة وهي مقبلة على معركة وطنية يجب أن يتوحد حولها الجميع ليلة مشاركة الملك في قمة نيروبي؟
- ألم تكن هناك رسائل بين النقابات والحكومة أو القصر والحزب حول هذه الأوضاع؟
لا، لم يكن هناك أي حوار خارج قبة البرلمان، الحكومة هي التي كانت ترفض الحوار مع النقابات، والقصر لم يبعث أية رسالة إلى الحزب ولم يجر معه أي اتصال، وحتى في البرلمان لم يطرح الموضوع للنقاش من طرف المعارضة إلا بعد اتخاذ القرارات غير العقلانية في تلك الظروف.
- هل تم التشاور مع الحزب قبل إعلان الملك موافقته على الاستفتاء في الصحراء؟
لم يكن الأمر بهذا الشكل، وإنما طلب الملك من عبد الرحيم بوعبيد أن يرافقه إلى القمة في نيروبي فاعتذر، وسافر مع الوفد عبد الواحد الراضي، لكننا في المكتب السياسي لم نوضع مسبقا في صورة ما سيعلنه الملك في نيروبي.
- لكن بوعبيد كان في المجلس الأعلى للدفاع..
الموضوع لم يطرح في المجلس، فهذا الأخير تأسس بعد هجوم قوات البوليساريو على مدينة طانطان سنة 1979، وضم قادة الأحزاب الوطنية وأعضاء من الحكومة، هم وزير الداخلية ووزير العدل ووزير الخارجية، وإدارة الدفاع والضباط السامين في القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية. وقد اجتمع هذا المجلس عدة مرات وكان بوعبيد يحضر أشغاله، وكان يناقش بصفة عامة كل الإشكاليات المتعلقة بتطور ملف الصحراء، سواء العسكرية أو الدبلوماسية، واستمر في العمل على هذا المنوال إلى أن أوقف الحسن الثاني الدعوة إلى اجتماعه، مؤكدا أنه لا فائدة من التئامه لأن كل ما يطرح فيه من مواضيع وطنية كان يسرب ويخرج إلى العلن.
- كيف عبر الحزب عن موقفه الرافض للاستفتاء في الصحراء؟
حين أعلنت مبادرة القبول بالاستفتاء في قمة نيروبي الأولى في يونيو 1981، بدأت عملية فك التعبئة للشعب المغربي، وأصبح الخطاب الرسمي يرى أن قضية الصحراء انتهت وأن الملف سيغلق. وهذا التفاؤل هو الذي خشينا من نتائجه. والنقطة الثانية أننا قلنا إنه حتى لو كان على المغرب أن يطرح قبول الاستفتاء فإنه كان يجب أن يشترط تنظيم استفتاء للشعب المغربي جميعه، ويسأل حول ما إن كان يقبل بأن يجري استفتاء في الصحراء المغربية لتقرير المصير، خاصة وأن الجزائر قدمت في نيروبي أطروحات خطيرة، مثل مطلبها أن تنسحب الإدارة المغربية والجيش المغربي من الساقية الحمراء ووادي الذهب وأن ترجع إلى منظمة الوحدة الإفريقية صلاحية الإعداد وتنظيم الاستفتاء وتمارس مسؤولياتها في عين المكان .
- أليس في هذا نوع من المزايدة على الملك؟
على العكس من ذلك، لم يكن هذا مزايدة بل كان يمكن أن يشكل سندا للملك ليقول للأفارقة: أنظروا، الشعب المغربي لا يريد أن ينفصل جزء من ترابه عن وطنه. وهذا ما اعترف به الحسن الثاني نفسه في يوليوز 1983 عندما قال إنه لم يكن لديه الحق في القبول بالاستفتاء قبل أن يستفتي الشعب.
اعتبرنا أن الرجوع إلى الحق فضيلة، وأنه شهادة لنا بصحة موقفنا ووطنيتنا، وأنه أيضا بمثابة رد اعتبار إلينا بعد الظلم الذي لحق بنا من خلال اعتقالنا ومحاكمتنا، واعتذار الحسن الثاني إلى الاتحاد الاشتراكي إقرار بأن اعتقالنا كان تعسفا وقمعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة