يتضمن المشهد السمعي البصري المغاربي في نهاية 2008، 16 قناة غالبيتها عمومية... نجد منها 7 في المغرب، و3 في الجزائر، و2 في تونس، فيما يمكن إضافة اثنتين خاصتين هما «دوزيم» المغربية (وإن أصبحت تحت جناح الدولة) و «حنبعل تي في» التونسية مع فرعيها «الشرقية» و «الفردوس» القرآنية. أما «نسمة تي في» في تونس و«ميدي 1» في المغرب، فهما فرنسيتا الإشارة... واللافت ان الدراسات الميدانية («سيغما كونساي») بينت أن المواطن المغاربي يقضي أكثر من ثلاث ساعات يومياً أمام التلفزيون، وأن نسب المشاهدة متفاوتة في ما يخص متابعة القنوات المحلية. فإن كانت هذه النسب عالية في المغرب وتونس - تصل إلى 80 في المئة - فهي متدنية في الجزائر. وتشهد البلدان الثلاثة انحساراً لنسب مشاهدة القنوات الفرنسية مع ارتفاع ملحوظ للقنوات العربية الإخبارية (الجزيرة) والعامة ( أم بي سي )، ناهيك بالقنوات الدينية والرياضية... ويشار الى ان كلاً من المغرب والجزائر عاشا أزمة مع قناة «الجزيرة». الأولى بسبب تصريحات محمد حسنين هيكل في موضوع الحسن الثاني وتغطية أحداث سيدي إفني، والثانية بسبب استطلاع للرأي قامت به القناة حول أحداث دجنبر الإرهابية... ماذا اذاً في البلدان الثلاثة؟ ثلاثة عناصر قد يتسم بها المشهد المغربي: أولاً، وجود هيئة مراقبة (هاكا) لها تأثيرها على الأداء الإعلامي والترفيهي للتلفزات الموجودة، وثانياً، محاولات تحرير المشهد من السلطة السياسية؛ وثالثاً، وجود أول قناة أمازيغية ستطل على المشاهد المغربي. وعلى رغم التنظيم المحكم والتعددية غير الموجودة في الدول المغاربية الأخرى، هناك من يصف هذا المشهد بأنه «تعدد بصيغة المفرد». ومما شهد عام 2008، كثافة إنتاجية خاصة في الفترة الرمضانية ( أكثر من 20 في المئة من الإنتاج العام) حتى وإن جلب بعضها نيران النقد. وبينت دراسات ميدانية أن المغربي عدل عن مشاهدة القنوات الفرنسية ( 0,5 في المئة ) ليعوضها بالقنوات المحلية، وايضاً بالقنوات العربية مثل مجموعة «أم بي سي». أما المشهد التلفزي الجزائري فيعيش آخر أيام التوحيد الهيكلي، إذ مع بداية السنة المقبلة سيعاد تنظيم القنوات الثلاث الحكومية، فيما لا يتوقع فتح المشهد التلفزي للعامة. بالتالي ستبقى القناة الأرضية وقناة الجزائر معاً مع تعزيز الخط التربوي للأولى، فيما ستصبح الثالثة قناة إخبارية. وعلى رغم وجود عدد من الشركات الخاصة التي تعمل في الإعلان، ولأن الجزائر تفتقد لقانون ينظم المهنة، فإن السنة المقبلة ستشهد سن قانون يتعلق بالإعلانات التلفزية لجهة ثقلها المالي ( 25 مليون دولار في العام 2008 ويتوقع أن تكون أكبر سوق في المغرب العربي في العشرية المقبلة ). من جهة أخرى، شهد التلفزيون الجزائري هذه السنة أحداثاً مهمة منها حصوله على 1850 مادة ارشيفية مصورة من فرنسا تعود الى ايام الانتداب، إضافة الى استبدال حمراوي حبيب شوقي بعبد القادر العلمي في رئاسة المؤسسة، فيما احتلت برامج رمضانية أعلى نسب مشاهدة تتراوح بين 60 و80 في المئة. مقارنة بنظيريه، نجد لدى التونسي شغفاً بالتلفزيون من نتائجه تغطية التراب الوطني بنسبة تتعدى 90 في المئة بهوائيات رقمية ووجود أول قناة خاصة هي «حنبعل تي في». وشهد العام إطلاق «قناة 21» المنافسة ل «تونس 7» التي تعيش أسوأ لحظاتها. أما الحدث الأكبر، فهو الفصل بين مؤسستي الإذاعة والتلفزة وإلغاء هيئة الإنتاج التلفزي وإعطاء المجلس الأعلى للاتصال صلاحية مراقبة الحملات الانتخابية، لا سيما ان تونس على عتبة مواعيد انتخابية رئاسية وتشريعية للسنة المقبلة. وعلى رغم أن التونسي يشاهد برامج »حنبعل تي في«، الا انه اكتشف برامج منتجة من «كاكتوس للإنتاج» التابعة لشركة «كارتاجو» المقربة من منبع القرار السياسي. ومن هذه البرامج «أحنا هكا» (نزار الشعري) الذي سيستمر للسنة الثانية على رغم نتائجه الضحلة، وكذلك مسلسل »مكتوب« الذي كان الاكتشاف الأكبر خلال شهر رمضان لجهة موضوعه (الأمهات العازبات) وصيغة إنتاجه وإخراجه (سامي الفهري). وقد تشهد السنة المقبلة استمراراً لهذه الصيغة في التعامل، ما ادى إلى تقلص نسب مشاهدة «حنبعل تي في» وأكثر من ذلك إلى استقطاب عدد من نجومها (معز بن غربية وعلاء الشابي وغيرهما). وأمام تطلعات عدد من العاملين في الميادين السمعية البصرية لكل من البلدان المكونة لإتحاد المغرب العربي، بقيت الدول المغاربية صماء في وجه رغبة وجود قناة مغاربية تحقق إجماعاً من حولها. فهل ستجسد قناة »نسمة تي في« الترفيهية التي ضمت في رأسمالها أخيراً رجل الأعمال التونسي طارق بن عمار ورئيس الحكومة الإيطالية سلفيو بيرلوسكوني حلم الإتحاد المغاربي أمام خسارة اللامغرب؟ (٭) خميس الخياطي، باحث وإعلامي تونسي، متخصص في النقد السينمائي والتلفزيوني، ونقدم دراسته الهامة هذه نقلا عن يومية « الحياة » اللندنية، من باب تبنيها والإتفاق مع مضمونها.