فتوى المغراوي حول تزويج بنت التسع سنوات، أثارت وما تزال في الثقافة الإسلامية مفارقات معرفية واجتماعية كبرى بين أهل الرأي وأهل النقل ، وبين أهل السنة وأهل العقل اليوم .و ما نظن أن الإدانة التي أصدرها المجلس العلمي ضد هذه الفتوى قادرة بتبريراتها القدسية على الإقناع ورفع الحرج ، إن في صف المدافعين عن السنة نفسه أو في صف العقلانيين طبعا ،حتى وان بدت «هذه الإدانة» مؤشرا مقاصديا ايجابيا معتدلا يروم تحصين الحقل الديني المغربي من الغلو الوهابي الوافد .و سيزداد الخطر،بعد الحرج، مع تزايد صوغ واحتكار و قولبة التقليد الديني الهائج للعقلية المغربية، رمزيا وسلوكيا و متخيلا.هذا هو السيناريو الأسوأ و الأسود على المستوى البعيد، وهو سيناريو لا أحد يضمن استبعاد وقوعه.وعليه، أين سيجد العقلانيون والعلمانيون أنفسهم أمام أرضية ثقافية قائمة بمجملها على مرجعية دينية ميتافيزيقية ؟بعد ذلك،أو بسبب ذلك يحيل حميد باجو إلى النقاش القديم/الحديث بين المثقفين المغاربة و العرب بصدد سيرنا نحو الحداثة: هل بالقطيعة الكلية مع تراثنا و الارتماء في أحضان الثقافة الكونية ،نهجا للمدرسة الفكرية التي يمثلها عبد الله العروي؟أم بالتوفيق و الوصل بين التراث و منجزات الثقافة الكونية ،كما تذهب مدرسة محمد عابد الجابري الفكرية؟وبعد تذكيره بحقيقة عدم وجود وصفة جاهزة إلى الحداثة ،واعتقاده بأننا في المغرب محتاجون للطريقين معا.طريق موجه بالخصوص للفئات المثقفة من المجتمع (طريق العروي ) و اخريمارس التنوير الديني يكون هو الأقرب إلى الوجدان الشعبي(طريق الجابري)بما يفيد التكامل بينهما..يشير باجو في آخر مقاله إلى محاولته نقل هذا النقاش إلى داخل حزب الإتحاد الاشتراكي بمناسبة صياغة وثيقة الهوية الحزبية (بالمناسبة حميد باجو هو مقرر لجنة الهوية في المؤتمر الأخير للحزب ،وهي الصفة التي وقع بها مقاله ) «غير أنه تبين له أن أنصار منهج العروي .. أي المدافعين على فكرة تبني الحزب صراحة للعلمانية اللائكية هم الأقل حضورا داخل هذا الأخير (...) وأن جل مثقفي الحزب لازالوا تحت تأثير منهج الجابري في التعامل مع هذه الإشكالية ». إن الفقرة الأخيرة، هذه، من مقال حميد باجو المنشور بجريدة الإتحاد الاشتراكي ع 9003 ليوم 22/10 /2008 ص 5 ،هي التي دعتنا إلى المساهمة بوجهة نظر حول واقع الحضور الضعيف لأنصار منهج العروي داخل حزب الإتحاد الاشتراكي،مقارنة مع خضوع جل مثقفي الحزب لتأثير منهج الجابري ..وبالتالي فمقالنا هذا قد يفيد الاسترسال على مقال حميد باجو الذي من داخل الحزب ..من داخل لجنة الهوية في مؤتمر الحزب ، يعترف ويقر بهذا الواقع . وعليه لا يهمنا رأي أو ميل صاحب المقال كفاعل إتحادي ،حتى وهو ينضح ببعض رأيه/ ميله عندما يقول «أن أنصار العروي هم الأقل حضورا داخل الحزب بالرغم من بعض المظاهر الخادعة ...، بقدر ما يهمنا اعترافه ،كمقرر في لجنة الهوية ، بهذا الواقع . فلماذا هذا الواقع هكذا ؟ 1 - بداية ، يستعمل حميد باجو لتعيين الموقف الفكري للأستاذين العروي والجابري ،تارة «مدرسة فكرية « وأخرى»طريق»..وأخرى»منهج»..ومع أن السياق والمقام هما اللذان قد يفرضان هذه التسمية أو تلك ..،فإننا نرى في إيراده تسمية «مدرسة فكرية « غير قليل من المبالغة. لا لأن الأستاذين ليسا جديرين بريادة مدرسة..ولكن لأن حال « مدرسيهما « لا يستأهل ،بضعف إشعاعه ونفوذه وتأثيره ،مفهوم المدرسة . هذا الضعف هو واقع حال أنصار موقف العروي داخل حزب / مثقف جمعي اشتراكي ديمقراطي حداثي ،كالإتحاد الاشتراكي ،أو داخل نخبته الثقافية بالأحرى..فكيف سيكون حال حضور هذا الموقف في ثنايا مجتمع ثقافته و ذهنيته تقليدية كمجتمعنا ؟ وهل يفي خضوع جل مثقفي الحزب لتأثير منهج الجابري بكفاية الحديث عن تسمية « مدرسة الجابري»،مقارنة بالعروي ؟ وهل لهذا الخضوع أثر أو حضور مماثل لهذه المدرسة في قواعد الحزب كمثقف جمعي ؟ أم أن الأمر يتعلق ،في كل الأحوال ، بنقاش النخبة المثقفة للحزب ؟.وبما أننا في المغرب « محتاجون لسلك الطريقين معا « بنظر حميد باجو : طريق صريح الدعوة للعلمانية موجه للفئات المثقفة في المجتمع (= طريق العروي ) وطريق يمارس التنوير الديني يكون هو الأقرب إلى الوجدان الشعبي (طريق الجابري ) فإنه يجب البدء بمثقفي الحزب أولا لإشاعة وترسيخ الطريق الأول. بعبارة أخرى، فجل نخب الحزب المثقفة بحاجة ،أولا، لهذا الطريق ..حتى تتاح «بضم التاء» إمكانيات التعبئة الحزبية ( في القواعد ) والمجتمعية على منوال الطريق الثاني ..إن المنطق التحليلي الذي يتيحه لنا منظور الأستاذ حميد باجو يذهب ،إذن، إلى أن نخبة الحزب المثقفة ،كميا، دون موقف العروي في التعامل مع إشكالية التراث / التقليد والحداثة . والكم الضعيف هذا ينطوي على واقع كيفي صريح يقول أن طريق التوفيق بين الدين و الدنيا غالب وراجح على طريق الفصل أو القطيعة بينهما داخل الحزب..وعليه، فأي تميز باق للحزب ضمن منظومة الثقافة السياسية الدينية السائدة التي ترفع دوما شعارها الأثير : الإسلام دين ودنيا ..؟؟ قد ينطوي تحليلنا على انتصار بين «الطريق القطيعة » وعليه،هل ضعف حضور وتأثير هذا الطريق في الواقع المجتمعي ،وعند النخبة المثقفة ،حتى الحزبية الحداثية منها ، من حال الذهنية التقليدية للتلقي المجتمعي والنخبوي الذي يرى في القطيعة / الفصل انزياح عن الهوية الحقة ..واغتراب عن الجذور الأصلية..وكأنهما (القطيعة والفصل) مروق وكفر يجبان ما قبلهما من الطقوس والتقاليد التعبدية ..وكأن الأخيرة هي بالذات الوجه الدنيوي والزمني للإسلام.. 2 . الأستاذ عبد الله العروي و الأستاذ محمد عابد الجابري ، كلاهما انتسب إلى حزب الإتحاد الاشتراكي ، ولعل حضورهما الثقافي فيه كان أهم وأرمز من حضورهما السياسي . طبيعة ودرجة حضورهما في الحزب ثم غيابهما عنه مختلفتان ومتفاوتتان بينهما ..( وهذا ما يستوجب بحثا خاصا )إنما أثرهما في صوغ الأفكار والرهانات والتوجهات داخل الحزب ، ظلتا ، بالرغم منهما وعنهما ، مرجعيتين خلفيتين مؤترثين بحسب مقامات وسياقات الزمنية الحزبية ..قد يجد هذا بعض مبرراته في تناغم وتكامل القوات الشعبية كأقصى حالات المجد الاتحادي زمن التفارق والتصادم مع النظام الغالب ..لكن بعد 1975 كأعلى تقويم ، انفتحت ، ربما ، مصائر ورهانات الاختلاف والتمايز بين موقفي الأستاذين داخل الحزب ، وارتسم التباين بين النزوع التاريخاني والنزوع التوفيقي . ولئن بدا أن الحزب قد قطع مع الانقلابية الراديكالية..فإنه ورث منها ، كأضعف الإيمان ، نزوعها القومي / الثوري . ولعل رابطة الدين في هذا النزوع هي الإسمنت العابر لأوطان القومية العربية والمستجيب لروحها الخامة. وهي عين الرابطة التي تفسر وتبرر مقولة «الكتلة التاريخية » التي صاغها محمد عابد الجابري، كما «تفسر» نوع الأسماء الحزبية الاتحادية ،أو غيرها، التي انتصرت لهذه المقولة،وما تزال..،ربما.. قد نفهم ،أيضا، كلام حميد باجو في سياق آخر ( مقاله : الإتحاد الاشتراكي في الحاجة لانعطافة اليسار . جريدة الإتحاد الاشتراكي ع 9015 ليوم 05 / 11/ 2008 ص 8 ) عن التذبذب الإيديولوجي الذي مر به الحزب ذات اليمين وذات اليسار ،بأنه تذبذب بين موقف العروي كنزعة نخبوية داخل الحزب ،وموقف الجابري كنزعة شعبوية راديكالية ..ورغم أن حميد باجو يشرعن «الضرورات الموضوعية » الإيجابية والسلبية لكل نزعة ، مما يجعله يقر، مرة أخرى، بأن «الوضع السليم هو تحقيق توازن بينهما « ،فإننا نعتبر أن تمييزه بين النزعة النخبوية (ذات اليمين ) والنزعة الشعبوية الراديكالية ( ذات اليسار ) خطاطة نظرية لا تصمد أمام الحقائق التالية : _أن إتحاد القوات الشعبية ظل واقعا وتاريخا موضوعيا بشرائح اجتماعية متعددة ومتفاوتة ،وحتى متعارضة ومتنافرة ... _أن تمجيد الإتحاد الاشتراكي ظل يمتح من التفاتته المبكرة لمقولة «التحليل الملموس للواقع لملموس » بما انطوت عليه من وضع مسافة واضحة وملموسة عن ماركة النزعة الماركسية الرائجة ..ومن اختيار جريئ ، قولا وفعلا ، لمقولة وإستراتيجية النضال الديمقراطي .. _ أن موقع المعارضة الطويل والمرير ، والموضوعي أيضا ،وفر للحزب نخبة كبيرة ومتنوعة ،سياسية وثقافية ونقابية وجمعوية . وبرغم ،أو بسبب القوات أو الجماهير الشعبية نفسها فإن هذه النخبة ظلت هي السائدة في الحزب والقائدة له . وهذا برأيي قانون موضوعي وطبيعي حتى . و لربما أن الأزمة التي مر بها الحزب مؤخرا هي في / من أزمة نخبته السياسية نفسها .. _ إن ميل أو تذبذب الحزب نحو هذا الموقف السياسي أو ذاك، لا يعني بالضرورة التلقائية ميلا نحو اليمين..أو نحو اليسار ..إلا إذا كانت المسافة مع الدولة هي المقياس الرئيسي في هذا التصنيف ..وهو مقياس لا يفيد ، برأيي، في تقييم وتقويم النزوع الإيديولوجي للإتحاد الاشتراكي، أو بالأحرى ، لا يفيد كمقياس أرأس ..وإلا اقتنعنا ورددنا نحن أيضا القول القاضي بأن الحزب ، بعد المشاركة في حكومة التناوب التوافقي بعد 1998 أمسى يمينيا ممخزنا ..وأن النزوع النخبوي فيه هو الذي فرض هذا التوجه اليميني ..وأن عبد الرحمان اليوسفي هو القائد المستحدث لهذا التوجه ..وأن هذا بالذات هو طريق عبد الله العروي ..مقابل أن المغرب ما يزال « غرفة انتظار كبيرة « كما يقول طريق محمد عابد الجابري ..إن مثل هذا التحليل لا يصمد أمام سؤال أزمة الذات الحزبية ، وهي ، بصراحة ، ويجب أن تكون كذلك ، أزمة ذات الإتحاد الاشتراكي ق ش . وإذا أخدنا ، على سبيل المثال فقط ، موقع الثقافة في هذا السؤال ، قد نفهم ، ونعي ، ونتأسف لماذا هجر عبد الله العروي و محمد عابد الجابري ، مثلا ، الحزب..ولماذا بدا التناوب التوافقي صنيعة سياسية فقيرة الثقافة .. أو توجها يمينيا يعوزه التفاف اليسار ؟؟ 3 . نعم ، في صفوف الإتحاد الاشتراكي مثقفون أكفاء معرفة وسياسة ..لكنهم دون رمزية العروي والجابري ..وهذا وضع يجعل الفاعل السياسي السائد / القائد في الحزب ، حتى وإن كان أكاديمي المرجعية ، طليق اليد من أسئلة وحضور المثقف الحزبي الرمز ، فما بالنا من الفاعل الحزبي العام ..في الأمر ، إذن ، ثقافة حزبية بئيسة ، أو سياسة حزبية بئيسة الثقافة ، تقول أن الحزب ، في المقام الأول والأخير ، انتخابات وأصوات ..وأن الأخيرة في المغرب سياسة لا باب لثقافتها غير التقليد، أو أن الأخير هو بابها الأوسع، وأن من يريد التنطع بالقطيعة والفصل، في هذه السياسة، لكسب الأصوات مآله الفشل في السياسة والمروق في الثقافة..إذ هل بمقدور مسؤول إتحادي في الشأن الرسمي العام أن لا يتجلبب وفق ما تقتضيه تقاليد المناسبة ؟ وهل بمقدور مرشح انتخابي اتحادي مفترض أن يغيب قطعا وعنوة عن صلاة الجمعة كتقليد ثقافي سائد..وليس كسلوك تعبدي خاص ؟ من يتجاسر ، حتى ولئن اقتنع هو نفسه، على بسط وشرح طريق القطيعة أمام الجمهور أو الجماهير ؟ وعلى حقيقة أن عبد الله العروي ما جرى لسانه بالعلمانية، قولا مستهلك التصارع والتصادم كما بالمشرق، وإنما بسط وما يزال المجريات الموضوعية للسلوكات الدنيوية المعيشة ..ودافع وما يزال على وجوب عقلنة المشترك..المقتسم..العمومي..في هذه الحياة الدنيا بالعلم والسياسة..فهل يهتدي الحزب إلى ترجمة وإشاعة هذه العقلنة إلى ثقافة سياسية حزبية سائدة ومقعدة بدلائل الأشياء وأحكام الزمان ؟؟ ثم هل بالإمكان نقد هذا الوعي الاتحادي ، أو غير الاتحادي ، المهادن للذوق و للثقافة العامة، دون تجنب تهم النخبوية الثقافوية التي لا طائل منها لاستمالة أو كسب الرأي العام ؟؟ بالمناسبة ، ماذا كان موقع هدا النقاش الثقافي .. وما كانت درجة وطبيعة حضوره..لما حظي الحزب بثقة الناخبين واحتل الصدارة في الانتخابات التشريعية عامي 1997 و2002 ؟ أليس مكمن نجاحه في هاتين المحطتين، بل وفي عموم صيرورته التاريخية ، هو بالذات في برامجه الرامية إلى إصلاح أحوال المجتمع والسياسة ، أي هذه الأحوال المجتمعية المعيشة والمشتركة ؟؟ وأن هذا التبرم الانتخابي النسبي من الحزب عام 2007 هو، بالأساس ، من عدم تبدل هذه الأحوال ؟؟ 4 . قد يعثر منطق الخطاطة النظرية الذي تحدثنا عنه سابقا، في عودة الحزب، بمناسبة مؤتمره الوطني الثامن، إلى طرح مطلب الاستعجال الدستوري، على غير قليل من الاتساق والتناغم والاخضرار . فيكون مطلب «الملكية الدستورية « مؤشرا على انعطافة مستجدة صوب اليسار تعقب سابقتها اليمينية بعد 1998 ، وتكون المعارضة هي حصان هذه الانعطافة ..ويكون اليسار كله هو الفارس ..وهلم شعبية وجماهيرية..فيكون على الحزب وفق هذه الخطاطة أن يعيد الحياة لتنظيرات محمد عابد الجابري حول مشروع اليسار الدستوري وأن يطلق المشروع الحداثي( اليميني الليبرالي الذي يمثله عبد الله العروي ) الذي كان قد تزوجه بعد التوافق عام 1998 ، فيعلن ندمه على هذا الزواج..وتبرأه من تجربة التوافق ككل ..( دعونا هنا فقط نتأمل لماذا يبدو المشروع الثقافي الثوري للعروي في السياسة يمينا ومحافظة ..والمشروع التوفيقي للجابري يسارا وراديكالية ..) والحال أن هذا المطلب( الملكية البرلمانية ) الذي يبدو أنه خرج من خيمة المؤتمر الثامن مائلا، أو متأرجحا بين عبارتي « في أفق « و « نحو « قد يطيح لا محالة..ليس لأن الإتحاد الاشتراكي ، اليوم ، دون قوة وبأس هذا المطلب ، كما يحلو لكثير من المحللين الجبناء أن يحرضوا( دعونا، أيضا، نقول أن قيمة وأهمية الحزب تنبعان من تاريخه..ورسوخه المجتمعي..وأفكاره القوية..لكن التمثيلية البشرية هي عطبه، كما كل الأحزاب..،بل وعطب السياسة البليغ في مغرب اليوم ..عدا أن الحزب أمسى منافسا بقوى تقليدانية مؤثرة و من خارج الدولة ..) ولكن لأن الظروف المغربية : الدستورية والسياسية والمجتمعية لا تستوجب أي استلاب أو عبادة شعاراتية مستحدثة « للجملة الثورية « ، كما بتوصيف محمد الحبيب طالب . « فالدستور كما هو عليه الحال، قادر على تنظيم انقلاب ... والممارسات تفرز أفقا يمكن من خلاله قراءة النصوص وليس تغييرها.. » كما يقول محمد الطوزي . هذا الكلام لا يهب للنص الدستوري الحالي تهليلا أو تمجيدا مطلقا، وإنما يشير أو يضمر الإشارة إلى دور وأثر الممارسة السياسية في قراءة وتأويل النصوص عوض تغييرها..أو في قراءتها في أفق تغييرها ..وفي الحالين معا ، فإن الشرط المغربي الحالي يستوجب الخطو البطيء والمتدرج، لكن الثابت صوب هذا الأفق..فمشهدنا الحزبي ، بتشظيه وتشتته وتضاربه وتكلسه ومحدودية تمثيليته المجتمعية ، لا يقنع ( بضم الياء ) أو لا يقدر على خوض غمار التغيير.بديهي ، هنا ، التذكير بلازمة حاجة التمنيع الديمقراطي إلى أحزاب ديمقراطية وقوية ومتوافقة حول النظام الدستوري .. يحسب للإتحاد الاشتراكي ، اليوم ، فضل إعادة واستئناف الحديث عن الملكية البرلمانية . إنما يجب الاعتراف، أيضا، بأن لهذا الحديث سياق طارئ..ابتدأ مع التراجع الملحوظ للحزب في الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007 وتكرس مع جنوح المكتب السياسي إلى « القيادة الجماعية « وتعمق مع المال المتأزم والمتوتر للمؤتمر الوطني الثامن الذي استوجب شوطين .. أستطيع أن أجزم ، مرة أخرى ، بأن هذا الخطاب الحزبي الدستوري المستأنف ما كان سيظهر ، أو على الأقل بهذا البنط العريض، لو حافظ الحزب على صدارته الانتخابية..أعلم أن « لو « هذه لا مكان لها في التاريخ..إنما كان الحزب مجبرا ، بعد أن جرى ما جرى ، وهو القائد الرائد لتجربة التناوب التوافقي ، أن يأخذ - وهو يضمن (بضم الياء وتشديد الميم) المطلب المستعجل للملكية البرلمانية في أرضيته السياسية - بنقد مزدوج : نقد تجربة الانتقال الديمقراطي (الأزمة الموضوعية ) ونقد صيرورة الحزب خلال هذه التجربة (الأزمة الذاتية ) . إن الحزب وهو يشدد على أن هذا المطلب لا « يعني التأزيم «، أو» صراع الماضي «، أو» منطق القطيعة «، أو» منطق تقليص السلط أو توسيعها «، وإنما يعني « فصل وتوازن السلط « ، مطالب هو ذاته ، حيال هذا المطلب وشروطه وموجباته وتبعاته،، بالتناغم السياسي ، والانسجام الرؤيوي ، والوضوح البلاغي ( من البلاغة ) هذا أولا . ولكم هو شاق وعسير، موضوعيا، هذا المطلب الذاتي. إنما ليس مستحيلا على هذا الحزب .. أما ثانيا، فهو مطالب بتوسيع دائرة التحالف و التكتل البين حزبي. ولئن افترضنا أن أطياف اليسار المعارض مستجيبة معه وزيادة..لمطلب الملكية البرلمانية ، فإن العقبة الكأداء هي في الطرفين الأخريين للكتلة الديمقراطية : حزب الاستقلال بدرجة أكبر ، والتقدم والاشتراكية بدرجة ربما أقل .. هذا ،دون الحديث عن باقي الأطراف السياسية.. وليس مقبولا ولا صحيحا هنا، اعتبار / اتهام كل رأي/ موقف غير مستعجل، الآن هنا، حتى وإن كان متبنيا أو متفهما لمطلب الملكية البرلمانية، أو مخفوض السقف الإصلاحي، « متحايلا «...» خائفا من الظل! «...فلما لا يمكن بالمقابل، القول أن الخوف على الظل..ما يزال هاجسا خلفيا صادقا في الغيرة على الكيان المغربي مستقرا موحدا ساعيا إلى الإصلاح ؟ نطرح هذا التساؤل ، وفي البال ذهنية مغربية سائدة لا تريد أن تكون حديثة (كما بإفادة عبد الله العروي ) ، ووعي شعبي مدني سياسي حزبي فقير ومحدود ..ولوبيات عقارية زبونية نافذة الفساد والإفساد .. إنما بإزاء الملك..نجد الالتفاف الشعبي والنخبوي والحزبي بالعرامة والإجماع ..فمن ضمن الأحزاب المؤثرة والجادة في طلب الإصلاح السياسي والدستوري يتحاشى ضرورة التوافق مع الملك ؟؟ أو « ترسيخ قيم الديمقراطية والحرية والمسؤولية في انسجام تام مع ما يدعو إليه جلالة الملك منذ بداية عهده... « كما جاء في بلاغ ا لمكتب السياسي (جريدة الإتحاد الاشتراكي عدد 9057 ليوم 26/12/2008 . )قبل ذلك وبعده ،من غير الملك كان وما يزال قادرا على فرض إصلاحات هيكلية قوية بخصوص أوضاع الأسرة والمرأة ، مثلا ؟ لقد رأينا كيف يخفض دعاة التقليد صوتهم أو يخرصون لما يتكلم الملك ..والملك يتكلم قليلا ، ويعمل كثيرا، ويتوق إلى الإصلاح المؤسساتي والدستوري، لنشر ، هنا ، إلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ، والتقرير الخمسينية ، ومقولة «الملكية المواطنة»، إنما في شروط حزبية وسياسية وثقافية أخرى يكون المغرب فيها منيعا ، نائيا عن الإرتكاس والانتكاس والفرقة ..هذه الشروط هي ما يجب ترسيخه وتقويته باستعجال..أما قبل الإصلاح الدستوري المأمول أو بعده..فليس، في نظرنا، هو الإشكال..